«أنا الشّعب».. هكذا تُشوّهُ «الشَّعبويّةُ» الديموقراطيّة!

غلاف كتاب

إن الشعبوية ليست مجرد “أسلوب في السياسة”، بل هي “نمط جديد من أنماط الحكم التمثيلي”. هذا المفهوم للشعبوية، هو ما تؤكده صراحة ناديا أوربيناتي (والتي هي أستاذة كرسيّ للنظرية السياسية في جامعة كولومبيا) – في كتابها الجديد، الموسوم بـ”أنا الشعب”، أو “كيف حوّلت الشعبوية مسار الديموقراطية”.

مطمح الكتاب

على أن مطمح هذا الكتاب، متمثل ببلورة ثم تأكيد “فهم الكيفية التي تُحوِّل فيها الشعبوية (تُشَوِّه في الواقع) مسار الديموقراطيّة التمثيلية”. ولقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية عماد شيحة. وهذا الكتاب الصادر في طبعة أولى 2020، والذي هو من منشورات “دار الساقي” في بيروت، يتألف من: مقدِّمة؛ وأربعة فصول؛ وخاتمة؛ ونص “شكر وأمتنان”.

اقرأ أيضاً: مخطوطات توراتيّة تكشف حقيقة.. «لفائف البحر الميت»!

الشعبويّة ليست حديثة أما ما هو جديد اليوم فهو حدّة تجليّاتها وتفشّيها

محوريّة مُحاججتيّة

في محورية شاملة تدور حول: “ما الذي يميّز الشعبوية عن السياسات الديموقراطية الاعتيادية؟ ولماذا ينبغي أن نشعر بالقلق إزاء صعودها؟”.هذا ولأن “الديموقراطية مفتوحة على الخطر، والشعبوية هي الظاهرة الخطيرة التي يدرسها هذا الكتاب”. فإن المؤلِّفة تُحاجج بأنه لا بد من اعتبار الشعبوية نمطاً جديداً من الحكم التمثيلي، يقوم على علاقة مباشرة بين الزعيم وأولئك الذين يرى أنهم “صالحون”. يدّعي الزعماء الشعبويون أنهم يتحدثون إلى الناس ومن أجلهم من دون حاجة إلى وسطاء، ولا سيما الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المستقلة.

يقدم هذا الكتاب، بالجمع بين التحليل النظري وتاريخ الفكر السياسي والأوضاع الحالية، عرضاً أصيلاً ومتألقاً للشعبوية وعلاقتها بالديموقراطية.إذ يسعى هذا الكتاب إلى فهم الآثار المترتبة على عودة ظهور الشعبوية في ما يتعلق بالديموقراطيات الدستورية. كما جاء في المقدمة التي تتألف من أربعة أقسام تشكّل – والقول للكاتبة -: البيئة المفاهيمية للنظرية التي طوّرتها في بقية العمل. أولاً أعرض نبذة عن السياق الديموقراطي الدستوري والتمثيلي الذي تتطور فيه الشعبوية حالياً، وينبغي أن يُحكم عليها وفقه. ثانياً أحاجج في أنه يمكن فهم الشعبوية بوصفها نزوعاً عالمياً له نمط ظاهراتي يمكن التعرف إليه، غير أن كل مثال معين من الشعبوية يحتفظ بسمات من هذا النمط يحددها السياق المحلي. ثالثاً أعرض لمحة عامة تركيبية ونقدية للتفسيرات المعاصرة الرئيسية للشعبوية، وأطوّر نظريتي بالصلة معها. وأخيراً أقدّم خريطة طريق موجزة للفصول التالية.

ما تبيّنه فصول الكتاب

وتُوضح الكاتبة في المقدمة: أفترض في هذا الكتاب تمييزاً بين الشعبوية كحركة رأي واحتجاج، والشعبوية كحركة تطمح إلى الوصول إلى السلطة. أركّز على الأخيرة، وأدرسها بمقارنتها مباشرة بالديموقراطية التمثيلية. أطروحتي، كما أوضحت، أن الشعبوية في السلطة هي في الواقع نمط جديد من حكم مختلط، يحرز فيه جزء من السكان سلطة متفوقة على الجزء الآخر (أو الأجزاء الأخرى). وبناء عليه تتنافس الشعبوية مع الديموقراطية الدستورية (تعدّلها إن أمكن) على طرح ممثل متميز بعينه للشعب وعلى سيادة الشعب. وهي تخوض هذا الأمر باستخدام ما أدعوه تمثيلاً مباشراً: تطوير علاقة مباشرة بين الزعيم والناس. الوجود المباشر لا يشير بالضرورة إلى حكم الناس أنفسهم بأنفسهم (لأن الشعبوية لا تزال نمطاً من الحكم التمثيلي)؛ إنه يشير بالأحرى إلى علاقة غير توسطية بين الناس والزعيم الممثِّل لهم.

غلاف كتاب

يقوم “الخليط” الشعبوي على شرطين: هوية الذات الجمعية، والخصال المحددة للزعيم الممثل الذي يجسد تلك الذات ويجعلها مرئية. يدحض هذان الشرطان المفهوم الانتخابي للتمثيل (مفهوم بوصفه دمجاً مفتوحاً ودينامياً بين التعددية والتوحيد). يتضح رغم ذلك أن هذا الخليط الشعبوي متقلب للغاية، لأنه يضعف وظائف التوصيل ومراقبة السلطة لدى الفاعلين الوسطاء (كالأحزاب والمؤسسات السياسية) ويجعلها معتمدة على إرادة الزعيم والضرورة.تبين فصول هذا الكتاب الأربعة مجتمعة كيف أن الشعبوية في السلطة تحوّل وتشوّه في الواقع الديموقراطية التمثيلية.

تدرس المؤلفة في هذا الكتاب الشعبوية كحركة طموحها الوصول إلى السلطة

أحلل في الفصل الأول مقولة “مناهضة مؤسسة الحكم” بوصفها “روح” الخطاب الشعبوي وهدفه، وأحدد التحوّل من موقف متصل بمناهضة مؤسسة الحكم إلى موقف مناهض للسياسة.أما في الفصل الثاني، فأحلل كيفية استعداد الشعبوية في السلطة لتحويل ركيزتين من ركائز الديموقراطية: الشعب والأغلبية. يختلف معنى الشعب بالنسبة إلى الشعبوية اختلافاً بيّناً عن المعنى العام غير المحدد اللشعب الذي ينتسب إلى الديموقراطية الدستورية.وفي الفصل الثالث، أنتقل إلى تفحص هذا التشويه للمفهوم الإجرائي لـ”الشعب” بتحويله إلى مفهوم تملكي لذاك الشعب. أحلل الطرق التي يتوصل بها نظام شعبوي إلى أن يصبح مبنياً عبر الزعيم والانتخابات والحزب… مقولات تضحي متحوّلة إلى درجة أن “التمثيل” يؤدي في الشعبوية دوراً غاية في الاختلاف عن الدور الذي يؤديه في الديموقراطية التمثيلية.

اقرأ أيضاً: تفاصيل سرية تنشر للمرة الأولى: هكذا أنهت الديبلوماسية الفرنسية «عناقيد الغضب»!

أما الفصل الرابع، فيصل بحجج الكتاب الأساسية إلى خواتيمها. وهو يحدد ويوضح التمثيل المباشر الذي ترعاه الشعبوية في محاولاتها لتجاوز المعارضات الحزبية وللتأكيد مجدداً على تمثيل موحّد للشعب. يستكشف هذا الفصل حالتين معاصرتين من حالات الحركات الشعبوية، تزعم كل منهما أنها حركة مناهضة للأحزاب، وولدت بوصفها كذلك، وأطرت كل منهما نفسها باعتبارها توجد خارج التمييز التقليدي بين اليمين واليسار: “حركة النجوم الخمس” الإيطالية (M5S) (Five Star Movement) و”بوديموس” (Podemos) [قادرون] الإسبانية.

السابق
العلاقات الإيرانية السعودية ملامح وشواهد من رؤية الإمام الخميني
التالي
خوفاً من كورونا.. صرخات الأهالي تعلو بوجه وزير التربية: أقفِل المدارس!