تفاصيل سرية تنشر للمرة الأولى: هكذا أنهت الديبلوماسية الفرنسية «عناقيد الغضب»!

غلاف كتاب

العملية العسكرية الواسعة، التي شنَّها الجيش الإسرائيلي، ضد حزب الله في جنوب لبنان، في العاشر من نيسان عام 1996، بإعطائها إسم “عملية عناقيد الغضب”، حقَّق رئيس الدبلوماسيّة الفرنسية – في ذلك الوقت – “إرفي دو شاريت”، نجاحاً لافتاً في إنهائها.

اقرأ أيضاً: قصائد «شاعر الأحزان» إلى الرسول وآله.. و«حبيبته» بنت جبيل!

قصة تستحق اهتماماً خاصاً

وشاريت يروي التفاصيل السرية لقصّة هذا النجاح، في كتابه الذي صدر حديثاً باللغة العربية عن “دار الفارابي” في بيروت، تحت عنوان: “عملية عناقيد الغضب (التاريخ السّرّي لنجاح ديبلوماسيّ فرنسيّ)”. (في طبعة أولى 2017). وهذا الكتاب (الذي ترجمه إلى العربيّة فارس غصوب)، قدَّم له برتران بادي.ومما يقوله بادي في نصّ التقديم: تستحق هذه القصة أن تولى اهتماماً خاصاً. فهي لا تشبه العديد من الروايات التي تراكمت على مرّ أحد أطول النزاعات في التاريخ العالمي المعاصر. إنها تسجل، في الدبلوماسية الفرنسية، لحظة قوية يبدو أنه قد تم نسيانها، أو عدم تقدير تميزها وسط تسلسل الأحداث التاريخية المتراكمة بإفراط. إنها خاصة، علامة نادرة جداً، علامة إرادة دبلوماسية واستبسال كان يبدو خيالياً وقد وصل مع ذلك إلى مبتغاه، بفضل عناد رجل، هو مؤلف هذا العمل، وفريقه. إنه برهان عملي على أن الإرادة هي أيضاً أداة للدبلوماسي، شرط أن يرغب باستخدامها ويحسن استعمالها.

يروي هذا الكتاب قصّة الوساطة الفرنسية في إنهاء “عملية عناقيد الغضب” ضدّ حزب الله

دبلوماسية غير مسبوقة

ومما يقوله المؤلِّف في مقدمة الكتاب: شنّ الجيش الإسرائيلي، في العاشر من نيسان 1996، عملية عسكرية واسعة ضد ميليشيا حزب الله اللبنانية ومجمل بلد الأرز. لم يكن هناك تدخل عسكري بري، لكن رمايات مدفعية وعمليات قصف بري وبحري واسعة النطاق. إسم الرمز: “عناقيد الغضب” على إسم الرواية الشهيرة للكاتب جون شتاينبك الصادرة عام 1939. انتهت العملية الإسرائيلية في السادس والعشرين من شهر نيسان/ إبريل بفضل جهود الوساطة لكل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ومساهمة سوريا وإيران.تعهدت أن أروي في هذا الكتاب الصغير قصة الوساطة الفرنسية. كان جاك شيراك رئيساً للجمهورية، وألان جوبي الوزير الأول وكنت أنا وزيراً للشؤون الخارجية. وصلنا في الخامس عشر من نيسان صباحاً وبقيت حتى اليوم الثاني من وقف إطلاق النار الذي تم في السادس والعشرين من نيسان، على أثر دبلوماسية مكوكية بين بيروت وتل أبيب ودمشق والقاهرة. لم يتم اختبار هذه الطريقة سابقاً في تاريخ الدبلوماسية الفرنسية. هذه الممارسة التي اختبرت مرات عديدة من قبل الولايات المتحدة بين إسرائيل وجيرانها، لم يكن لها سابقة في فرنسا.

من بعد عشرين عاماً

لكن لماذا نعود إلى تفصيل هذه الأحداث بعد مرور عشرين عاماً على حصولها؟ أخذاً في الاعتبار أهميتها، التي جرى التقليل أحياناً من شأنها، كان يجب بادئ ذي بدء إنصاف كل الذين شاركوا فيها وساهموا، بطريقة أو بأخرى، في الخروج من الأزمة. إنها شهادة للتاريخ بأنني بذلت كامل جهدي لإبرازها بصورتها الأكثر حيوية، كما عشناها، بمخاوفنا وحماستنا، وأحياناً شكوكنا، ولكن خصوصاً إرادتنا في أن نحقق الهدف، أي أن نحصل على وقف سريع ودائم لإطلاق النار فارضين الاعتراف بفرنسا وبمكانتها. من جهة أخرى، كان يجب تحليل هذه الأحداث من منظار موشور الأزمنة الحالية من أجل أن نتبين عناصر الاستمرارية.من أجل ذلك، لجأت إلى مؤازرة عدد من السياسيين الذين رافقوني في العام 1996: دنيز بوشار (Denis Bouchard) المكلف بدائرة شؤون إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، واستيفان غومبيرتز (Stéphane Gumpertz)، نائب مدير مصر والمشرق في الإدارة نفسها، وإيف دوتريو (Yves Doutriaux)، الناطق الرسمي المساعد في الكيه دورسيه. فقد لعبت أعمالهم التحضيرية ومساهماتهم دوراً كبيراً في صدور هذا الكتاب. فضلاً عن ذلك، فقد حصل دنيز بوشار على الإذن بالاطلاع على المحفوظات السياسية في ألكيه دورسيه، عمل هائل وضروري للنجاح في إنجاز هذا العمل.

تقريب الحقيقة التاريخية

يتألف الكتاب من ستة عشر فصلاً صغيراً، أو قد يجدر أن أقول ست عشرة لوحة، جرى تصميم كل واحدة منها لتصف لحظة هامة، حدثاً حاسماً، ولتحليل جانب من جوانب الأزمة وإيجاد الحلول لها، أو لـ”تسليط” الضوء على واحد من الفاعلين الأساسيين في المأساة التي وقعت يومذاك. وهكذا آمل أن أكون قد تمكنت من أن أقرّب كثيراً الحقيقة التاريخية لما سيبقى، بخاصة للفاعلين الذين ساهموا فيها من قريب أو بعيد، ولتسليط الضوء على الدبلوماسية الفرنسية. كانوا سيغرفون منها، مثلي، بالتأكيد، بعض المعلومات التي لا تزال صالحة اليوم في منطقة البحر المتوسط.

ملخّص مضمون الكتاب

هذا وقوام محورية هذا الكتاب تنهض على الملخص الآتي: في العاشر من نيسان 1996 شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة ضد حزب الله في جنوب لبنان. لم يحصل تدخل عسكري أرضي إنما قصف جوي وبحري واسع النطاق، شمل، تحديداً، معسكراً للأمم المتحدة حيث لجأ عديد من السكان المدنيين من ضمنهم أطفال. الإسم الرمز للعملية “عناقيد الغضب”.

شاريت: هذه شهادتي للتاريخ وجهدت لإبرازها بصورتها الأكثر حيويّة 

في السادس والعشرين من العام نفسه أُعلن عن وقف لإطلاق النار بفضل وساطة قامت بها فرنسا على يد وزير الخارجية إرفي دو شاريت الذي حضر إلى المكان في الخامس عشر من نيسان مصطحباً فريقاً من الدبلوماسيين ذوي الخبرة، قام طوال 13 يوماً بمفاوضات دبلوماسية مكوكية بين بيروت وتل أبيب ودمشق والقاهرة.

اقرأ أيضاً: العلاَّمة العاملي «يوثّق» قواعد إصلاحيّة لقوانين المؤسسات الشيعية الدينية

ولم تشهد الدبلوماسية الفرنسية طريقة مثيلة لها، كان هنري كيسينجر قد أطلق عليها إسم دبلوماسية مكوكية.من خلال 16 لوحة حيّة صممت كل واحدة منها لتوصيف لحظة حاسمة أو تحليل وجه من وجوه الأزمة، قام إرفي دو شاريت بإعطاء رواية لهذا النجاح الدبلوماسي الفرنسي يجدر ان يغرف المرء منه بعض التعاليم تخدم حاضراً ومستقبلاً.شهادات تاريخية وعرض لصور رجال مصممين، ودرس للطلاب في العلاقات الدولية، وانموذج برسم دبلوماسيي الغد: هذه الرواية هي أكثر من سيرة تضاف إلى كثيرات غيرها حول النزاع الشرق الأوسطي. إنها البرهان على أن فرنسا تستطيع لعب دور حاسم في الحفاظ على السلام، على الرغم من لامبالاة المجتمع الدولي، لا لسبب إلا لأن ثمة رجالاً لديهم الاستعداد للتحلي بالشجاعة والإرادة.

السابق
صناعة إيرانية مزدهرة.. أعلام أميركية وإسرائيلية للحرق!
التالي
بعد مقتله في سوريا.. «حزب الله» يشيّع إبن الهرمل ويندد بصفقة القرن!