«حزب الله» مربك من الحراك وأمام خيارات «أحلاها مرّ»

الحراك

مع تخفيض وكالة “ستاندرد آند بورز” معيار تحويل المال والعملة في لبنان من B+ إلى B-، لقلقها من تأثير الأزمة اللبنانية الراهنة في زيادة إبطاء تدفُّق الرساميل الأجنبيّة وتوقُّع وصول عجز الحساب الجاري إلى 13 مليار دولار في نهاية العام الحالي، ما يمهد لخفض وشيك لتصنيف لبنان السيادي، بعد وضع الوكالة في ت1 الماضي التصنيفَ الائتماني لبنوك «عودة» و«لبنان والمهجر» و«البحر المتوسّط» قيد المراقبة مع احتمال تخفيضٍ يطاولها يتماشى مع التصنيف السيادي للبنان…
ومع انخفاض السيولة بالدولار في الأسواق نتيجة سحب ودائع كبيرة من المصارف (حوالى 5 مليارات دولار في الأشهر الستة الماضية) وتراجع تدفّق العملة الخضراء ونشوء أسواق صيرفة موازية وانتشار تسعيرتين لليرة اللبنانية، رسمية وسوقية سوداء، ما خلق أزمات متعددة في عالم التجارة، ودفع المصارف إلى وضع سقف لسحب الدولار ومنع التحويل إليه للحد من تسربه، وإيقاف مصرف لبنان إصدار سندات دين جديدة لتحاشي دفع فوائد ارتفعت في 2019 إلى مستويات قياسية، ما قد يعطي إشارة سلبية إلى الاسواق العالمية، واضطراره لسداد السندات المستحقة، ما أشّر لاقتراب البلد من الإفلاس لا قدر الله، وشكل وقودًا إضافيًّا لـ”ثورة الجياع والمتعطلين” إثر توقف القروض المدعومة والتحفيزية للطبقة الفقيرة والمتوسطة، والقروض التسهيلية للقطاع الخاص، الذي فرض تقلص أعماله إلى جمود النمو وانكماش الاقتصاد…

اقرأ أيضاً: ما أوقح السلطة وهي تحاضر بـ«العفة»!

مع هذا كله، يبقى أي تحسين لتصنيف لبنان مشروطاً بالاستحصال على أموال «سيدر»، التي باتت منذ “خيبة أمل” المندوب الفرنسي بيار دوكان المولَج متابعة مؤتمرها، حلماً صعب المنال، في غياب أي جهد حكومي جدي لتقليص عجز الموازنة، اللهم سوى حزمة “الضرورة” اليتيمة واللاواقعية التي طرحها رئيس مجلس الوزراء المستقيل سعد الحريري وذهبت أدراج الرياح مع استقالته.
وعلى رغم المؤشرات القوية على النية في تسعير الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ عشرين يومًا بعد فتح الجيش اللبناني الطرقات الثلثاء، وعلى أن الزمن لا يزيد أوار هذه الأزمة إلا اشتعالاً، وظهور تصميم القائمين عليها على المتابعة في تغيير استراتيجية حراكهم (إثر محاصرة المؤسسات الرسمية المالية والعدلية، و”الزيتونة باي” واقتحامها باعتبارها ملكاً عموميًّا يمثل الشاهد الصارخ على استغلال سياسيي لبنان سلطتهم للتربّح غير المشروع على طول الخط الساحلي اللبناني) ارتفعت سندات لبنان السيادية الدولارية مجددًا الإثنين عقب أسبوعين من الخسائر في ظل أكبر الأزمات الاقتصادية في لبنان منذ عقود، بالتزامن مع أخبار زرعت بصيص أمل في النفوس عن محافظ مصرف الإمارات المركزي مبارك راشد المنصوري بأن “البنك يدرس توصية إلى قيادة الدولة بتقديم مساعدات للبنان” تكون عبارة عن وديعة مالية في مصرف لبنان، وذلك بعد نأي الخارج “الأوروبي” بنفسه عن لبنان “الناكث” بوعوده في إصلاحات اقتصادية، وإلغاء الخارج “السعودي” هبة السلاح الفرنسي بقيمة ٣ مليارات دولار للجيش ومليار دولار للقوى الأمنية “نظرًا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين”. يُذكر أن المغرِّد السعودي سليمان الدوسري نشر على حسابه في “تويتر” صورًا لوصول المدرعات الفرنسية التي كانت مقررة للجيش اللبناني إلى سلاحِ مدرّعات القوات البرية الملكية السعودية.
وعلى رغم خلوّ الدستور من نص يُلزم رئيس الجمهورية ميشال عون بمهلة محددة لبدء استشارات التكليف وتعريف العلم الدستوري هذه المهلة بـ”المعقولة”، وهو مفهوم نسبي لا يتعلق بمدة التكليف فحسب بل بعواقب إطالته وخطورتها أيضًا، وهي عواقب أشد ما كانت تجليًا في غضب الناس العارم الإثنين وقطعهم الشوارع بالسيارات هذه المرة وليس بالأجساد، هل كان وراء تأخر الرئيس عون في استشارات التكليف انشغالُه –والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم- في ضمان أن يكون مثمرًا اجتماعُ الحريري- باسيل الإثنين الذي انعقد مطوَّلًا لثلاث ساعات ونيف وساد نتائجه تكتمُ شديد ووصفته قناة التلفزة الناطقة باسم العهد بـ”الإيجابي”؟ أم أن الاجتماع العتيد عُقد على عجل إثر فشل بعبدا في إيجاد بديل من الحريري، للوقوف على خاطره وعرض تشكيلة غير مؤكدة نقل خبرها موقع حزب “الكتائب” الإخباري وجهات صحافية عدة ونفاه الحريري، ويفيد بأنها من 24 وزيراً برئاسة الحريري يتسلم فيها من الوجوه الحالية كل من باسيل وعلي حسن خليل ووائل بو فاعور ثلاث وزارات سيادية، فيما يتسلم وجهان جديدان من التكنوقراط المستقلين والمرتبطين ببيئتي حزب الله وتيار المستقبل الوزارتين السيادتين الرابعة والخامسة، وتتوزع بقية الوزارات على 18 وزيراً من المتخصصين المستقلّين غير الحزبيين، على أن تقدَّم للحراك في البيان الوزاري خطة لإشراكه في خطط الدولة والحكم شرط قبوله بحكومة مختلطة من سياسيين وتكنوقراط في ظل شبه إجماع من القيمين على السلطة الحالية باستحالة حكومة تكنوقراط صافية، يرفضها حزب الله ورئيس الجمهورية، ونعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري في حديث صحافي؟ ولكن…
ما هو موقف “حزب الله” الذي يتوجس شرًّا مما يجري في ساحات لبنان ويشعر بخطره على مشروعه الإقليمي، وخصوصاً إذا اشتد وقوي عوده (وهو ما يحدث على أرض الواقع) وتماهى مع ما يحدث في العراق الذي تُسفر الاحتجاجات فيه عن وجهها المعادي صراحة لإيران بعد بلوغ احتجاجاته مرحلة متقدمة جداً وصلت حد محاصرة مئات المحتجين الأحد مقر القنصلية الإيرانية في كربلاء الشيعية وإضرام النيران في جزء من جدارها ورشقها بالحجارة ورفع العلم العراقي على سورها وترديد هتافات “إيران برا برا، كربلاء تبقى حرة”؟ وهل يكتفي الحزب الإيراني بخيار من ثلاثة أحلاها مرّ برمي اتهامات بـ”دعم السفارات” الحراك وبـ”فوضى” أميركية يخطَّط لها من ورائه، وبإرسال محازبيه للتعدي على المحتجّين لثنيهم باكراً عن المضي في تحديهم، مكتفين في مرحلة أولية بالأيدي والعصيّ، ولاسيما في أوساط بيئته الشيعية التي كسرت حاجز الخوف وانتفضت ضد سياسته وحركة أمل في مدن جنوبية عدة؟ أم سينتقل إلى الخيار المرّ الثاني والقبول – للمرة الأولى – بتشكيل حكومة تشكل أصوات راجحة فيها تحدياً لما اعتاده من فرض إرادته داخلها، تفاديًا لاستعار “حرب الشوارع” التي قد تؤدي لا قدر الله إلى حرب ساخنة لا تحمد عقباها ، وخصوصاً بعد أن نزع الحراك من يده ورقة استغلال قطع الطرقات للتأليب؟ أم ينتقل الحزب إلى الخيار المرّ الأخير الذي يمثّل آخر الدواء، وهو الكيّ، فينفذ الخطة “ب” المتمثلة في “7 أيار” جديد لكنه مختلف هذه المرة في أنه سلاح ذو حدين، إذ قد يؤمن له الحفاظ على ستاتيكو الحكم الأشد ملائمة له، لكنه لن يُنتج “اتفاق دوحة” يُخرجه من رمال متحركة ربما يكون قد غطّس نفسه فيها، وربما ترتد عليه النار التي أشعلها فتحرقه؟

اقرأ أيضاً: لا تتناسوا…«القوة المدنية الشيعية»!

وتتوالى تباعًا ارتدادات زلزال الانتفاضة الشعبية، فبعد خطوة أولى تمثلت بادعاء القاضية غادة عون على الرئيس نجيب ميقاتي بـ”الإثراء غير المشروع”، وادعاء النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم في ملف سد بريصا في الضنية على مجلس الإنماء والإعمار وثلاث شركات هي دار الهندسة و batco و lk، بجرم “هدر الأموال العامة”، وقرار وزارة الاتصالات تسليم الموزعين بطاقات إعادة التعبئة الخلوية بالليرة وبحسب السعر الرسمي لصرف الدولار ودعوتها وزارة الاقتصاد ومديرية حماية المستهلك إلى ملاحقة مخالفي القرار لضبط أسعار البطاقات بعد انفلاتها لأيام خلال الأزمة… تقدم نادي قضاة لبنان بشخص رئيسته القاضية أماني سلامة الثلثاء 5 ت2 لدى “حماية المستهلك” بشكوى ضد كل من يُظهره القضاء مسؤولاً في شركتي MTC وORASCOM  عما يتعلق بتسعير فواتير الاتصالات الخليوية بالدولار وبطاقات “التشريج” بالليرة اللبنانية (بالاستناد إلى تسعير بالدولار الاميركي)، وما سببه من أعباء إضافية وغير قانونية على المستهلك اللبناني إثر شح الدولار وانخفاض قيمة الليرة أخيراً اللذين أديا إلى ارتفاع سعر هذه البطاقات بشكل كبير، بالتزامن مع المساجلات التي اندلعت في هذا الصدد بين وزير الاتصالات محمد شقير والمدير العام السابق لـ”أوجيرو” عبد المنعم يوسف (وهما ابنا خط سياسي واحد) حول تصريح الأخير في حديث تلفزيوني بأن العقود بين الدولة وشركتي الخلوي والتسعير كان بالليرة اللبنانية وفق المادة 14 في البند 4، ورد الأول عليه بأنه يخلط بين عقد شركتي “الخلوي” بالدولار وعقد “أوجيرو” بالليرة، متهماً إياه بخلفيات “معروفة للجميع”، إذ لماذا لم يبادر إلى كشف ما يسميه “مخالفات بتسعير خدمات الخلوي” عندما كان يقبض بصفته مديراً عاماً للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات بين 2006 و2017، بقبض عائدات الشركتين وتحويلها إلى الخزينة.
أسئلة لمستقبل الأيام، وإن غداً لناظره قريب. 

السابق
عزوف جنبلاط وجعجع مؤشّر على غموض الموقف الدولي
التالي
ما بعد بعد.. «السحسوح»!