حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران.. الشعب يريد «المعكرونة»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

أزمة ارتفاع اسعار “المعكرونة” والطحين في ايران، خرجت عن كونها انعكاسا لازمة الغذاء، التي بدأت تغزو العالم نتيجة تداعيات الحرب الاوكرانية، واقتربت من ان تكون ازمة امن قومي، نتيجة السياسات الاقتصادية الفاشلة التي تتبعها حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي في معالجة موجة الغلاء الفاحش التي باتت تطال جميع المستويات، واثرت بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطن الايراني، الذي بات عاجزا عن تأمين الحد الادنى من شروط العيش الكريم، واسهمت في ازدياد الفقر الذي بلغ مستويات غير مسبوقة، ضربت او كادت تنهي ما يسمى بالطبقة الوسطى، حولتها الى طبقة فقيرة، في حين اتسعت مساحة الطبقة التي تصنف دور خط الفقر، وتجاوزت نسبتها 40 في المئة من الايرانيين. 

اقرأ أيضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: متى تخرج ايران وواشنطن من «عنق الزجاجة»؟!

التخبط الذي تعيشه الحكومة الايرانية في معالجة الازمة الاقتصادية المركبة، خاصة بعد فشلها في ترجمة وعودها باحداث نقلة نوعية، تعزز رفاهية الشعب والعيش الكريم، عندما ربط رئيسها وعوده الانتخابية وبرنامج الحكومة بتحقيق تقدم على صعيد اعادة احياء الاتفاق النووي والغاء العقوبات الامريكية، بالاضافة الى تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول الجوار والالتفاف على العقوبات. 

ارتفاع حدة الازمة الاقتصادية، وما تشكل من تهديد للاستقرار الداخلي، تزامن مع اعلان واشنطن امكانية انهيار جدي في المفاوضات النووية وجهود اعادة احياء الاتفاق مع ايران، وانها بدأت بوضع خطط للتعامل مع ايران من دون اتفاق نووي. ما يعني فشل رهانات الحكومة الايرانية وفريقها المفاوض، في تحقيق خرق في جدار المفاوضات والعقوبات، ما دفعها الى تفعيل الية الالتفاف على العقوبات، والاستفادة من التراخي الامريكي في محاصرة القطاع النفطي، لرفع حجم صادراتها من الطاقة، مقابل الحصول على عائداتها مباشرة من دون اعتماد التحويلات البنكية الخاضعة لنظام العقوبات. الا ان جميع هذه الاجراءات، مضافا عليها تأكيد وزير النفط جواد اوجي قبل اسابيع على استلام وزارته جميع عائداتها من بيع النفط ، لم تستطع – هذه الاجراءات- من الحد او كبح تفاقم الازمة الاقتصادية التي انعكست على الحياة اليومية والقدرة الشرائية للمواطن الايراني. 

ارتفاع حدة الازمة الاقتصادية وما تشكل من تهديد للاستقرار الداخلي تزامن مع اعلان واشنطن امكانية انهيار جدي في المفاوضات النووية

احد الحلول التي وضعتها حكومة رئيسي للخروج من هذه الازمة، كان التدخل المباشر في معالجة الغلاء وارتفاع الاسعار في المواد الاساسية، الا انها اثبتت عجزها عن تقديم حلول فاعلة، ما رفع حدة الانتقادات، والدعوة لاحداث تغيير في الفريق الاقتصادي للرئيس. الا ان المعالجة الجزئية من خلال التخلي عن رئيس فريقه الاقتصادي محسن رضائي، ومساعده التنفيذي صولت مرتضوى لم تقنع الشارعين الشعبي والاقتصادي. وهي خطوة جاءت بعد فشل جهود الحكومة في اقناع البرلمان، بالموافقة على احدى مواد الميزانية الجديدة بالغاء الدعم عن “دولار المواد الاساسية” اي الغاء سعر 42000 ريال، ووضع قيود تفرض على الحكومة الاستمرار في دعم المواد الاساسية، المرتبطة بالحياة اليومية كالطحين واللحوم الحمراء والبيضاء، التي باتت عملة نادرة على سفرة غالبية الايرانيين.

وعلى الرغم من استمرار هذا الدعم المشروط، شهدت اسعار الطحين ومشتقاته ارتفاعا كبيرا وغير مسبوق، تجاوز قدرة الايراني على شراء “خبزه اليومي”، واصبح من الصعب عليه اللجوء الى مشتقاته كالمعكرونة التي حلقت اسعارها، بحيث تحولت الى مادة للجدل السياسي اليومي، وحتى الامني، واليات التعامل مع حصول اعمال شعب نتيجة هذه الازمة، بعد ان اكد مسؤولو الفريق الاقتصادي للحكومة ان خيار رفع اسعار الطحين لا رجعة عنه فيما يتعلق بالاستعمالات الصناعية، التي تطال المعكرونة والخبز الاجنبي، مقابل استمرار دعمها للرغيف اليومي حتى نهاية السنة الحالية.  

شهدت اسعار الطحين ومشتقاته ارتفاعا كبيرا وغير مسبو، تجاوز قدرة الايراني على شراء “خبزه اليومي” واصبح من الصعب عليه اللجوء الى مشتقاته كالمعكرونة

اللجوء الى خطوة رفع الدعم، جاء ترجمة لعجز الحكومة عن توفير العملة الصعبة “الدولار” لتأمين الغطاء للاستيراد، فضلا عن ان سياستها في  الفصل بين الدعم المقدم للمواد الاساسية وسعر العملة لدى الصرافين والتداول اليومي، لم يمنع حصول عمليات فساد كبيرة والتهريب باتجاه اللعراق وتركيا، وتحقيق ارباح خيالية على حساب خزينة الدولة ومصلحة المواطن، وتفاقمت بعد قيام اباطرة القطاع الصناعي والتجاري، بتهريب الاموال التي حصلوا عليها من هذه السياسيات الى الخارج، وامتنعوا عن ادخال عائداتهم في الدورة الاقتصادية. 

اللجوء الى خطوة رفع الدعم جاء ترجمة لعجز الحكومة عن توفير العملة الصعبة “الدولار” لتأمين الغطاء للاستيراد

في اذار عام 2018، اعلن نائب الرئيس الايراني اسحاق جهانغيري، عن خطة اقتصادية لمواجهة تداعيات العقوبات المفروضة على ايران، ابرز نقطة فيها، كانت دعم الحكومة والبنك المركزي لسعر للدولار الامريكي مقابل الريال الايراني، المخصص لشراء المواد الاساسية المستوردة التي تمس الحياة اليومية للمواطن والسلة الغذائية. 

تحذيرات واسعة من تداعيات ازمة “اسعار المعكرونة والطحين” وما قد تؤدي اليه من انفجار اجتماعي وتحرك شعبي في الشارع

تحذيرات واسعة، خاصة من اعضاء لجنة الامن القومي في البرلمان، من تداعيات ازمة “اسعار المعكرونة والطحين”، وما قد تؤدي اليه من انفجار اجتماعي وتحرك شعبي في الشارع، بحيث قد تتحول الى تهديد للامن القومي واستقرار النظام. الا ان استنفار مؤسسة النظام والسلطة والاجهزة الامنية، لمواجهة اي اضطرابات امنية يكشف مدى العجز عن ايجاد حلول، بالاضافة الى ما تؤكده من تمسكه بالسياسات والمواقف التي يقود بها مفاوضات رفع العقوبات الاقتصادية، وازمة الاتفاق النووي. ما يعني انه على استعداد لتكرار عمليات القمع التي مارسها في السنوات الماضية خاصة مطلع عام 2019، في التعامل مع التظاهرات التي خرجت نتيجة رفع اسعار المشتقات النفطية، وادت الى سقوط اكثر من 350 قتيل خلال يومين، مدفوعا برهانه على عامل الخوف لدى الشارع الايراني من التعامل الامني مع مطالبه الميعشية واليومية. 

السابق
بالفيديو: اللحظات الأولى لهجوم «إلعاد».. مقتل 3 إسرائيليين وإصابة آخرين!
التالي
هذا ما جاء في مقدمات النشرات المسائية ليوم الخميس 05/05/2022