حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: متى تخرج ايران وواشنطن من «عنق الزجاجة»؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بعد اجواء التفاؤل التي حاول النظام الايراني وجهازه الدبلوماسي بثها، والترويج لها في الاسابيع الاخيرة، بدأ المسؤولون الايرانيون العودة الى الحقيقة المرة والواقعية، في التعامل مع تداعيات الانسداد الحاصل في المفاوضات النووية وتعليقها المفتوح على جميع الاحتمالات السلبية والايجابية، خاصة على الصعيد الاقتصادي والمالي والحصار والعقوبات الاقتصادية.

اصرار مسؤولي النظام والسلطة التنفيذية وتأكيدهم على اهمية ما حققته ايران من انجازات سمحت بتعطيل فعالية العقوبات الامريكية الاقتصادية والمالي المفروضة عليها

اصرار مسؤولي النظام والسلطة التنفيذية وتأكيدهم على اهمية ما حققته ايران من انجازات، سمحت بتعطيل فعالية العقوبات الامريكية الاقتصادية والمالي المفروضة عليها، بالتزامن مع تمسك ايران بما تصفه “خطوطا حمراء” على طاولة التفاوض النووي في فيينا، يبدو ان الاصوات العاقلة بدأت تخرج من داخل منظومة السلطة، للتحدث عن الانسداد الحاصل جراء تشبث كلا الطرفين، الايراني والامريكي، بمواقفه المتشددة في التعامل مع هواجس ومطالب الطرف الاخر، ما ادى بالتالي الى تعليق التفاوض، وادخال الحل المنتظر والمرتقب في نفق، قد تكون نهايته طويلة وغير واضحة في المدى المنظور.

السقف السياسي الذي يحكم ما تبقى من مسائل عالقة بي الطرفين، يدفع الى هذا التعاطي غير المتفائل على الاقل من دون اسقاط امكانية حصول مفاجآت

الحديث عن الانسداد في مفاوضات فيينا النووية، ليس من باب الاصرار على التشاؤم، الا ان السقف السياسي الذي يحكم ما تبقى من مسائل عالقة بي الطرفين، يدفع الى هذا التعاطي غير المتفائل على الاقل، من دون اسقاط امكانية حصول مفاجآت، من خارج سياق ما هو ظاهر، وان يستفيق العالم، والدول المعنية بتداعيات هذه المفاوضات، على خبر يتحدث عن توصل الطرفين، واشنطن وطهران، الى تفاهم او اتفاق، جرى الاعداد له بعيدا عن الاعين وخلف الكواليس، يضع حدا ونهاية لحالة المراوحة المسيطرة على المشهد التفاوض، على غرار ما حصل عام 2013، عند الكشف عن مفاوضات مباشرة بين الطرفين جرت على الاراضي العمانية، مهدت لفتح الباب لمفاوضات فيينا بين ايران والسداسية الدولية، وانتهت الى التوقيع على اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، او ما يعرف بالاتفاق النووي عام 2015.

ما راهن عليه النظام على الصعيد الاقتصادي وتفكيك الاثار السلبية للعقوبات على الاقتصاد الايراني من خلال تعزيز التعاون التجاري والمالي مع دول الجوار دخل في حالة من الجمود والمصير المشكوك فيه

ما راهن عليه النظام وحكومة ابراهيم رئيسي، على الصعيد الاقتصادي وتفكيك الاثار السلبية، للعقوبات على الاقتصاد الايراني من خلال تعزيز التعاون التجاري والمالي والتعاون الاقتصادي مع دول الجوار الايراني، خاصة باتجاه آسيا الوسطى والقوقاز، يبدو انه دخل في حالة من الجمود والمصير المشكوك فيه، بعد التغيير الذي حصل في السلطة الباكستانية، وازاحة عمران خان عن رئاسة الحكومة، وامكانية ان تخسر ايران الاتفاقيات والتفاهمات الاقتصادية، التي عقدتها مع اسلام اباد القائمة على مبدأ المقايضة، في ظل عدم قدرتها في الحصول على عائداتها بالعملة الصعبة، مع استمرار عزلها عن منظومة التبادل المالي العالمي.

وعلى الجبهة الافغانية، فان التوترات الامنية المتصاعدة، والمتزايدة على حدودها الشرقية مع افغانستان، والتي دفعت طهران للاستنفار ودفع لواء زاهدان المدرع للانتشار على هذه الحدود بعد الاشتباك الذي شهدته احدى النقاط الحدودية، بالاضافة الى ما يشهده هذا البلد من عودة الاضطرابات والتفجيرات المتنقلة، زادت مستوى القلق لدى القيادة الايرانية، بعد عجز حركة طالبان او سلطة “الامارة الاسلامية” على الوفاء بالوعود التي قدمتها، لدول الجوار المعنية باوضاع هذا البلد، في المجال الاقتصادي وتعزيز امن طرق النقل بينها وبين العمق الاسيوي، سواء باتجاه دول اسيا الوسطى وروسيا وبالعكس، او باتجاه الصين وبالعكس، خاصة وان التطورات الافغانية لا تبدو معزولة عن تداعيات مع حصل في باكستان، وخسارة طالبان الغطاء السياسي والامني الذي وفره لها عمران خان، بعد استيلائها على السلطة في كابل، ولعبة ملء الفراغ الحاصل من الارباك، الذي رافق تنفيذ قرار الانسحاب الامريكي من هذا البلد.

هذه التطورات تزامن مع الاحباط الذي اصاب الدبلوماسية الايرانية بعد فشلها في تحقيق خرق على خط الاموال المجمدة في عدد من البنوك الخارجية خاصة لدى كوريا الجنوبية والعراق

هذه التطورات، تزامن مع الاحباط الذي اصاب الدبلوماسية الايرانية، بعد فشلها في تحقيق خرق على خط الاموال المجمدة في عدد من البنوك الخارجية، خاصة لدى كوريا الجنوبية والعراق، والتي تشكل جزء من عائدات بيع النفط والغاز والكهرباء، والتي كانت المفاوضات حولها تسير بشكل ايجابي، الا ان التدخل الامريكية في اللحظات الاخيرة، عطل هذا المسار، ومنع طهران من الحصول على اكثر من 10 مليارات دولار، موزعة بين سيؤل بواقع 7 مليار، واكثر من 3 مليار لدى العراق، من دون عائدات القطاع الخاص التي تتجاوز قيمتها 5 مليار، في وقت تبدو وعود وزير النفط باستثمارات في هذا القطاع تتجاوز 160 مليار دولار، بمثابة وعود وهمية غير قابلة للتحقق، في ظل استمرار التضييق الامريكي وفعالية سلاح العقوبات.

امام هذه الحقائق، وتراجع الرهانات والامال الايرانية على حدوث خرق في العقوبات المالية، تستمر الازمة الاقتصادية الداخلية بالتفاقم والتزايد مع عجز في تقديم حلول فاعلة وعملية تلجم حالة التراجع المستمر. وقد زاد من تعقيدها، تولد قناعة داخل ايران بان المخرج من نفق الازمة الاقتصادية يمر عبر المفاوضات السياسية والدبلوماسية مع واشنطن.

زاد من تعقيدها تولد قناعة داخل ايران بان المخرج من نفق الازمة الاقتصادية يمر عبر المفاوضات السياسية والدبلوماسية مع واشنطن.

الا ان عدم وجود ملامح او مؤشرات على امكانية استئناف المفاوضات في المدى المنظور. وحتى في حال عودتها في الاسابيع المقبلة، فان المتوقع لها ان لا تثمر نتائج سريعة، اي سيكون مسارها طويلا ومتشعبا، لجهة الطابع السياسي الذي سيغلب عليها، وتمحورها حول مطلبي؛ الضمانات القانونية لاي اتفاق جديد، والغاء العقوبات عن مؤسسة حرس الثورة وما تعنيه هذه المؤسسة من دور سياسي فاعل ومؤثر على الساحتين الداخلي والاقليمية.

السابق
كم بلغ سعر دولار «Sayrafa» اليوم؟
التالي
اليكم اصابات ووفيات كورونا