المفتي الثائر السيد محمد الأمين.. بايع الجزائري فنفاه الأتراك إلى طرابلس!

سوريا القديمة

في سنة 1877 إنعقد “مؤتمر دمشق  السري ” بحضور أعيان بلاد الشام والأمير عبد القادر الجزائري وحضر من مسلمي لبنان أحمد باشا الصلح وكان يمثل الشيعة العامليين مفتيهم الرسمي السيد محمد الأمين والشيخ علي الحر وطرحوا مسألة إنفصال سوريا عن الدولة العثمانية وإختيار الأمير عبد القادر الجزائري أميراً عليها، فمن هو السيد محمد الأمين..وكيف كانت نهايته السياسية؟

هو السيد محمد الأمين الثاني ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين ابن السيد أبو الحسن موسى ابن السيد حيدر ابن السيد أحمد الحسيني.

اقرأ أيضاً: الشيعة ولبنان الكبير «علاقة ملتبسة» الشيخ سليمان ظاهر: فيلسوف وعالم إصلاحي عاملي

ولد في حدود سنة 1227هـ – 1812م وتوفي في شهر رمضان سنة 1297هـ – 1879م ذكره السيد الأمين في الأعيان فقال:

” كان رئيساً جليلاً عظيم النفس عالي الهمة يسمو إلى معالي الأمور ويرى أنه لا يستحيل عليه أن يكون أجل وأسمى من كل الناس. توفي أبوه وهو في ريعان الشباب وأخوته كثيرون وفيهم من هو أعلم منه وأعرف فشمر عن ساعد الجد وسعى في أخذ منصب الإفتاء بعنوان مفتي بلاد بشارة الذي كان لأبيه وجده من قبله فأخذه أولاً بالوكالة ثم بالأصالة وخالط الحكام والأمراء وسما مقامه عندهم وهابته الرؤساء وتهافتت عليه الوفود، وكانت داره في شقراء كعبة الوفاد ومنهل الورَّاد، ووفد على إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا أمير مصر وأخذ منه فرمانات بقرية الصوانة وبأربعة فدن في شقراء كانت معطاة لأبيه معاشاً له عن منصب الإفتاء ولجده من قبل وكانت معطاة لأبيه من قبل عبد الله باشا ابن علي باشا الخزندار والي عكا وما إليها”.

أخذ منصب الإفتاء بعنوان مفتي بلاد بشارة الذي كان لأبيه وجده

نفيه الى طرابلس

تربع السيد محمد الامين في دست الرياسة وخالط الحكام والأمراء وسما مقامه عندهم ولم يرض بالضيم في حال من الحالات وكان إذا أراد حاكم أو آمر أن يسومه الضيم أبت نفسه ذلك وقلب له ظهر المجن وقابله بكل شجاعة وثبات جنان وأجابه بأخشن جواب وله مع الحكام والأمراء المقامات المشهورة في ذلك فطالما صال عليهم وطال بلسان كالسيف وجنان كالحجر الصلد وتهدده بعض الولاة مرة بالحبس فقال له أنك تستطيع أن تحبس جسمي ولا تستطيع حبس لساني .

وكان في كثير من أوقاته في نزاع ونضال مع بضع الولاة العثمانيين وأمراء البلاد وذلك أنه لم يكن يرضى بمظلمة ولا يهاب أحداً مهما عظم ولا يرى لأحد من الناس تفوقاً عليه ومن جراء ذلك نفي في بعض الأوقات إلى طرابلس الشام ثلاث سنين وجرت له صحبة وصداقة مع أعيانها وعلى أخص آل الثمين وجرت بينهم وبينه مراسلات بعد ذلك. 

وحدق خبير أن سبب نفيه إلى طرابلس أنه “اجتمع السيّد محمد الامين وجماعة من عظماء سوريا منهم الشيخ علي الحر وأحمد باشا الصلح وغيرهما وقرروا إنشاء دولة عربية واختاروا لها الأمير عبد القادر الجزائري وخابروه بذلك واجتمعوا به وكانت كتب السيد محمد الأمين ترد إليه إلى دمشق ويكتب في أعلاها: إلى دار الإمارة فعلمت بذلك الدولة العثمانية فكان سبب نفيه إلى طرابلس وهذا الخبير ينقل ذلك عن رضا بك الصلح عن أبيه أحمد باشا الذي كان أحد أعضاء هذا المؤتمر”.

ظل المفتي الثائر في صراع مع العثمانيين لرفضه الظلم

شهادة السيد محسن الامين

يقول العلامة المجتهد  السيد محسن الأمين (قدس سره)  ” رأيته مرة وأنا في سن الطفولية، فرأيت رجلاً صبيح الوجه بهي المنظر جهوري الصوت طلق اللسان كأنه زجب الرعد بطيناً أبيض الرأس واللحية تلوح الشجاعة وعلو الهمة على أسارير وجهه وملامح عينيه وكان يومئذ قد حضر من بيروت وكان يتخاصم فيها ويتحاكم مع يوسف آغا المملوك وخليل بك الأسعد وقد أحضر معه عدة من الدواوين الشعرية وبعض الكتب وكنا جماعة من أبناء إخوته وغيرهم فأعطى لكل واحد منا كتاباً أو ديواناً ووقفه عليه وكتب صورة الوقف بخطه على ظهره وجعل يحثنا على طلب العلم.

اقرأ أيضاً: زينب فواز: الأديبة والشاعرة العاملية المنسية

 وكانت له أملاك وعقارات كثيرة وكان على ما هو فيه من الصفات الجميلة المشار إليها سيء الإدارة لأملاكه وله همة في الاستملاك لا الاستغلال وكان لباسه وطعامه بسيطاً مع ما هو فيه من الثروة والجاء الطويل العريض، وكان حليماً صفوحاً لا يحتاج خصمه في الصفح عنه إلى أكثر من رؤيته والاعتذار إليه، وكان في خصوماته مع أخصامه أهل الطول والحول لا يستعين بغير الله وقوة جنانه ويكون له في أكثر الحالات الظفر عليهم مع ما يبذلون من الأموال الطائلة ويقاسون من المتاعب في سبيل الغلبة عليه وطالما كان الولاة يلزمونهم بمصالحته بعد خصومات طويلة حينما يعجز الولاة أمره وفي جلّ تلك الخصومات أو كلها يكون مظلوماً ولا يكون له ذنب إلاّ أباء الضيم”.

وتوفي السيد محمد الأمين في قرية الصوانة ودفن بها في مقبرة أعدها لنفسه وولده وحضرت يوم دفن وأنا صغير السن فشيع بمحفل عظيم حافل حضره جميع أهل جبل عامل وما جاورها وكنت أدخل عليه بعد موته وهو مسجى وجماعة يقرؤون عنده القرآن فما أذكر أنني رأيت أحداً بعد موته مثله في صباحة وجهه وجمال منظره ومهما نسيت فلا أنسى أنني لم أكن أجد الوحشة التي توجد عند رؤية الأموات مع صغر سني ولا أنسى جمال أنفه وتناسقه ويقال: إنه مات مسموماً على يد خادم له والله أعلم.

وقد جمع أشعاره وما مدح به في كتاب ورتبه على حروف المعجم. وقد أتيت بصورة عنه مخطوطة ومحفوظة في مكتبة المحسنية في دمشق.

(من كتاب ” شقراء منارة جبل عامل” لمؤلفه السيد عبدالله الامين (رحمه الله) نُشر في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 181 خريف 2021)

السابق
«شرطان» للخروج من جهنم!
التالي
المعارضة في الدائرة الثانية جنوباً .. سباق مع ماكينات «الثنائي» والعين على «القوات» و«السُنة»