الشيعة ولبنان الكبير «علاقة ملتبسة» الشيخ سليمان ظاهر: فيلسوف وعالم إصلاحي عاملي

الشيخ سليمان ظاهر

يُعَدُّ الشيخ سليمان ظاهر (1873- 1960) واحداً من العلماء العاملييِّن الأعلام.

وفي  إطار هذا الوصف، أصدر الكاتب هلال كاظم حِميري كتابه الذي تناول فيه الدور الثقافي للشيخ سليمان ظاهر في لبنان (كتاب: “الشيخ سليمان ظاهر العاملي ودوره الثقافي في لبنان”/ صدر عن “دار ومكتبة البصائر” في الـ2016). وفي مقدمة هذا الكتاب يقول حِميري: جبل عامل تميّز بعدد من مميَّز من العلماء الأعلام ذات التوجّه الدينيّ الإصلاحي، ولا توجد قرية من قرى جبل عامل إلاّ وفيها مجتهدٌ ومن هؤلاء الأعلام، العالِم الفيلسوف الشيخ سليمان ظاهر العاملي. الذي ارتبط اسمه بتاريخ جبل عامل، في فترة حرجة، وهي فترة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومواكبته أحداثاً جسيمة ومواقف وطنية، تمثلت بهبوب رياح القومية العربية التي يُعَدُّ الشيخ سليمان من روّادها وقادة حركتها، والتغيّرات السياسية في الدولة العثمانية، ومن نتائجها ثورة الإتحاد والتّرقي وعزل السلطان عبد الحميد الثاني، وقيام الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، ونهاية الهيمنة العثمانية على بلدان العالم العربي وبداية مرحلة جديدة من التسلط الإستعماري من خلال الإنتداب الفرنسي على لبنان عام 1919.

اقرأ أيضاً: زينب فواز: الأديبة والشاعرة العاملية المنسية

وتقول موسوعة ” ويكيبيديا ” إن الشيخ سليمان بن محمد بن علي ظاهر العاملي رجل دين ومؤلِّف وأديب وشاعر ومؤرِّخ شيعيّ لبنانيّ من جبل عامل . له إسهامات غنيّة في المجالات الفكرية والسياسية والإجتماعية وغيرها, وكان عضو المجمع العِلمي العربي بدمشق . ترجم له خير الدين الزركلي في الأعلام قائلاً: إنه كان من “حاملي لواء العربية لغةً وقوميّةً، في بلاد جبل عامل”. وهو من أحفاد الفقيه الشيعي زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني. وقد ذكره عبد الحسين الأميني في كتابه “شهداء الفضيلة” بالثناء إذ قال إنه “عالِم مُصلِح، وشاعر مُفلِق وأديب متضلّع. له في التاريخ صحيفة بيضاء”.

ولادته ونشأته ودراسته

ولد الشيخ سليمان ظاهر عام 1873 في مدينة النبطية ( جنوب لبنان ) ، قرأ القرآن وتعلّم مبادئ الخط والإملاء على بعض شيوخ الكتاتيب. درس في مدرسة النميريّة، وبعدها انتقل الى مدرسة العلاّمة السيد حسن ابراهيم، حيث مكث فيها بضعة أشهر، وفي عام 1892 انتقل الى المدرسة الحميدية التي أسّسها السيد حسن يوسف مكي، وبدأ ظاهر هناك بالتدريس.

إنتُخب ظاهر عضواً في المجمع العلمي في دمشق بالإجماع ، وكان عضواً في جمعيّة العلماء .

كتاباته

كان ظاهر ناشطاً في كتابة المقالات، وكثير من مقالاته كانت تُنشر في مجلة ألعرفان، وكذلك كتب لجريدة القبس الدمشقية. وقد ترك عدداً من المؤلفات، وقد طُبِع بعضها ولا يزال البعض الآخَر مخطوطاً. ومن كُتبه:

– ألذخيرة الى المَعاد في محمد وآله الأمجاد

– تاريخ قلعة الشقيف

– صفحات من تاريخ جبل عامل

– قصص القرآن الكريم

– الفلسطينيات

– ألشيعة والإسماعلية

– تاريخ الشيعة

– ومعجم قرى جبل عامل

فِكرهُ ومواقفه

دعا الى احترام حريّة الأشخاص والجماعات . وكان يرى أنّ الرئاسة لا تكون إلاّ باختبار الأمّة وهي ضرورية.

 يُعَدُّ الشيخ سليمان من روّاد القومية العربية وقادة حركتها

وقف في وجه الأتراك (الدولة العثمانية) بعدما تبيّنت له سياستهم العنصرية ، فانتسب الى “جمعية الإتحاد والترقي”، فترة من الزمن. وفي نهاية العهد العثماني وبداية الانتداب الفرنسي، دافع عن عروبة جبل عامل وأهله، حيث شارك في مؤتمر وادي الحجير وساهم بكتابة مقرراته النهائية.

واجه الانتداب الفرنسي والبريطاني الذي قضى بتقسيم المنطقة العربية، وقد دعا الشعب العربي في بلاد الشام وفلسطين إلى الثورة من أجل العيش الكريم.

من شعره

سجَّل جواد شبَّربعض الأبيات الشعرية التي كتبها ظاهر في رثاء الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ومنها هذه الأبيات :

بكيتُ الحسين ومَن كالحسين

أحقّ بفرط الشَّجا والبكا

إمامٌ لو أنّ الذي نابَهُ

أُصيبَ به يذبُلُ لاشتكى

كفى شَرَفاً أن شكت رزءَهُ

البرايا، ومِن هوله ما شكا

وسيّان مؤمنهم باقتسام

جواه الممضّ ومَن أشركا

وجاء على موقع “هيئة علماء بيروت” في مقالة عن الشيخ سليمان ظاهرالعاملي: أنّ ظاهر لم يكن له من مطمح إلاّ العِلم والعمل به. ولهذه الغاية درج على الحياة العلمية بين أساتذة العِلم والتقوى. وأجمع أساتذته وزملاؤه وتلامذته وجميع العارفين به على إكباره وتقديره.

وكان له (للشيخ سليمان ظاهر) ولزميليه: الشيخ أحمد رضا والشيخ عارف الزين شُهرة واسعة في البلاد الإسلامية والعربية. فلقد كُلِّف الشيخ ظاهر بإلقاء الخُطَب والقصائد في كثير من الحفلات الكبرى الرسمية وغير الرسمية في مصر والعراق وسوريا ولبنان.

اقرأ أيضاً: العامليون لم يستسلموا للجزّار: حرب العصابات أجبرت العثمانيين على الانسحاب

الثالوث العاملي

وشجَّع الشيخ ظاهر والشيخ رضا والشيخ الزين، النهضة الفكرية التي ظهرت طلائعها في أوّل القرن العشرين. فقد أخذوا بيد كل متأدّبٍ ناشءٍ وساندوا كل مشروع ثقافيّ.

وأسَّس الشيخ ظاهر مع رفيقه الشيخ رضا “جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية” وأوجدا لها في النبطية بنايات للتعليم، وأخرى للإنتاج والّرَيع، وناديًا للخطابة والاجتماعات العامة.

ولم تكن وسائل النشر والإذاعة متوفرة الى عهد قريب، فكان الشيوخ الثلاثة : الرضا والظاهر والزين ينقلون الى العاملييِّن، مباشرة، حيناً وبواسطة مجلة العرفان، أحياناً، الأحداث العالمية والمخترَعات العِلمية. واختصاراً، أنّ قصة هذه الأقانيم الثلاثة هي قصة جهادٍ وإيمانٍ وفضائل.

ومن صفات الشيخ سليمان ظاهر تلك الصراحة والشدة على الظالمين، ولو كان الظالم أقرب الناس إليه، والمظلوم أبعدهم عنه. وكان ظاهر ، يُقدِّر أهل الدين للدين، ويحترم أهل العِلم للعلم، ويغضب للحق، ولا تأخذه فيه لومة لائم.

(هذا المقال نُشر في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 180 صيف 2021)

السابق
عين «حزب الله» على المقاعد السُنّية في الانتخابات المقبلة
التالي
«ويك آند» مستقر وربيعي بإمتياز..وصقيع وجليد على الجبال!