«حزب الله».. مقاومة بعد «فاقة» تدر أموالاً و«وجاهة»!

حزب الله
دخل حزب الله كطرف مقاوم قبل أن يقدم نفسه بالسياسة. جاء دون أن يحمل عبء الخصومات السابقة. بداية تشكله كانت عبارة عن خليط من الذين تركوا او انشقوا عن حركة امل إضافة إلى مجموعات من التنظيم اللبناني لحركة فتح ومنهم احد أبرز قادة الحزب عماد مغنية الذي كان ضمن مجموعة أمن ابو عمار، إضافة إلى مجموعات من رجال الدين، مع بعض اليساريين الذين كانوا قد تركوا احزابهم لأسباب مختلفة إضافة الى عدد من قوات الحرس الثوري.

بداية عملهم كانت سرية وأمنية لخدمة أهداف إيرانية من تفجيرات واغتيالات وخلافه. الا ان  دور الحزب  كمقاومة لم يبرز بقوة الا بعد تحرير  معظم الجنوب فكان له الدور الأساسي ثم الوحيد في تحرير الشريط الحدودي. وتعبير الشريط الحدودي غير موفق لان  هذا الشريط يشكل قسما هاما من أرض الجنوب مساحة وقرى وسكان.استفاد حزب الله من تجربتنا ونجح في تلافي العديد من ثغراتنا، ولم يحصل ذلك الا بعد معارك عسكرية ضارية بمواجهة حركة امل ودخول  السوريين والايرانيين في مفاوضات وتسويات افضت إلى إحتكار حزب الله للعمل المقاوم وحركة امل للتمثيل السياسي والحكومي. وهذا الاتفاق نفذ بسهولة بعدما تلاشى دور أحزاب اليسار في المقاومة  لأسباب ذكرتها في مقال سابق معطوفا على المزيد من الاغتيالات وعمليات القمع التي تعرض لها اليساريين في شتى الاماكن.

اقرأ أيضاً: «بلديات مقاومة».. جباية لمصلحة جيوب المحازبين!

مقاومة بتوافق سوري إيراني

بعد فرضه نفسه كقوة مقاومة وحيدة بمواجهة إسرائيل مكرسا بتوافق سوري إيراني وتلقيه مساعدات هامة من إيران تسليحاً وتدريباً واشرافاً ودعماً مالياً، لم يعد هناك ما يقف في وجه صعوده. وفي الوقت الذي كان فيه حزب الله يمد شباكه لتنتشر في كل الجنوب  والبقاع والضاحية الجنوبية وخاصة وسط سكان الشريط الحدودي القاطنين فيه او المهجرين منه، وفي تعزيز تواجده في القرى والبلدات المقابلة له، كانت إيران تمسك بالحزب بقبضة حديدية لاغية إمكانية اي استقلال ولو محدود  للحزب عن القرارات الإيرانية.

بعد فرضه نفسه كقوة مقاومة وحيدة بمواجهة إسرائيل مكرسا بتوافق سوري إيراني وتلقيه مساعدات هامة من إيران تسليحاً وتدريباً واشرافاً ودعماً مالياً

في الحديث عن  المقاومة أود أن  أشير إلى أن لا  مجال للمقارنة بين عمليات الاحزاب وعمليات حزب الله. فعمليات الاحزاب كانت تركز معظم جهودها لتخطي حواجز وعناصر حركة امل وتمرير السلاح  وتخبأته وإيجاد مخابئ للمقاومين قبل وبعد تنفيذ اي عملية بينما توفر لحزب الله كل التسهيلات والامكانات ليركز على مقاومة العدو. ولكن إضافة إلى هذه الظروف المساعدة فقد تمتعت القيادات العسكرية والامنية لحزب الله برؤى وعقل عسكري مثير للاعجاب وبتعبئة عقائدية صلبة لدى مقاتليه ضمنت نجاح اي خطة مدروسة جيدا ومترافقة  مع تغطية اعلامية بالصوت والصورة وثقت لتضحياته وانتصاراته فساهمت في خطته التعبوية. كان اعلام حزب الله ناجحا بقدر نجاح عملياته العسكرية. وهذا النجاح رافق مسيرة الحزب حتى تحرير الشريط الحدودي في العام 2000.

بعد التحرير

بعد التحرير صعدت في جولة على المواقع المعادية في الشريط الحدودي وشاهدت مدى أهمية هذه المواقع اشرافا وقوة تحصينات والدشم والمخابئ وطرق الإمداد لهذه المواقع وتصورت  مدى الجهد الهائل الذي بذله الحزب رصدا وتخطيطا وتنفيذا لضمان نجاح العمليات العسكرية لضربها واحتلالها والتي ما كانت ستنجح بدون توفر معلومات دقيقة عنها  من داخل الشريط ومن داخل المواقع ذاتها، ولولا توفر الصواريخ الموجهة عن بعد  ومهارة مستخدمها لما أمكن تحقيق ذلك. كان بإمكان الحزب رصد وتنفيذ عملياته بواسطة أبناء المنطقة بدون أن يتكبد مشقات العبور كما كانت حالة احزابنا. وما ساعد الحزب في مسيرته هو تخصص كل جهاز لديه في عمل محدد. فالجهاز العسكري عنده لا يتعاطى النشاط الشعبي او السياسي العلني فحافظ على قدر من سرية قواه العسكرية وعدم ارباكها بأحداث يومية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جهازه الأمني، وجهازه السياسي.

حرب تموز 2006

لقد تجنب الحزب شتى المظاهر الاستعراضية المسلحة التي تزعج الناس وبذل جهدا في تربية عناصره ونجح لفترة طويلة في ذلك وإن كان قد عاد  التفلت ليظهر في فترات لاحقة. تحرير الأرض في العام 2000 كان قمة نجاح حزب الله وابتداء منه بدأت مشاكله والتي تفاقمت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم جاءت حرب الـ2006 لتعيد تعويم الحزب شيعيا وتزيد من هيمنته وطنيا. وبالنسبة إلى الوسط الشيعي كانت حرب العام 2006 مناسبة للاعمار بينما كانت مناسبة دمار بعض المصالح وتراجع لأخرى في معظم المناطق. بعد حرب تموز تدفقت أموال هائلة على الوسط الشيعي، حتى أن كثر من المتضررين قد قبضوا تعويضاتهم مضاعفة واحد من الدولة وآخر من حزب الله وهناك من استفاد بتوسيع بيته او كسب طابق إضافي على عقاره، وأكثر من استفاد من تعويضات الدولة هو حزب الله حيث استرجع قسما هاما من الأموال التي كان سيدفعها الى المتضررين حيث  تولى هو إعادة الأعمار.

تحرير الأرض في العام 2000 كان قمة نجاح حزب الله وابتداء منه بدأت مشاكله والتي تفاقمت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري

بعد هذه الحرب ارتفعت اسعار الأراضي والعقارات بطريقة جنونية جعلت الجنوبيين يجنون إضافة الى لقب المقاومين، اموالا حركت  وعززت وضعهم الاقتصادي.  إضافة إلى واقع حزب الله الآنف الذكر أود أن أشير إلى واقع ان حزب  الله هو رب العمل الأكبر في لبنان بعد الدولة اللبنانية. هناك عشرات آلاف المتفرغين كليا في صفوف حزب الله، عدا عن الميليشيات والتفرغ الجزئي، إضافة إلى نفقاته على  المدارس والمستشفيات، والاطباء والصيادلة والشهداء والجرحى والايتام ورجال الدين والسياسة جميعهم يعيشون على  اموال حزب الله، وهؤلاء على صلة مع  قطاعات أخرى لا حصر لهاتتنفس من رئة الحزب المالية.

اقرأ أيضاً: لبنانيون يتحسرون على دولة ومقاومون يلهثون وراء مقاومة!

وهذا يفسر جانبا من أسباب عصف الازمة الاقتصادية باكرا ضمن مناطق وتأخر هبوبها في الوسط الشيعي. ومجددا اقول ان مكانة حزب الله. بنيت خلال عقود ولا يمكن زعزعتها بمجرد  اقتناع  النخب لحقائق مختلفة. بدون وعي هذا الواقع يقع جيل الشباب في وهم القدرة على التغيير السريع، حيث يفترضون ان بالوعي وحده تتغير المواقف دون حسبان المصالح المادية. وعندما لا يحصل هذا التغيير  بالسرعة المتوخاة يقع باليأس والأحباط دون أن ينتبه لحجم الانجازات التي حققها لأن هذه الانجازات تبدو  متواضعة مقارنة بالسقف الذي يتوقعون.

السابق
من الهرمل الى دولة خليجية..300 ألف حبة «كبتاغون» في قبضة «المعلومات»!
التالي
«الجمارك» تلاحق الشاحنات حدوداً..وإخبار لـ «الإشتراكي» عن الطحين والمازوت المهربين إلى سوريا!