لبنانيون يتحسرون على دولة ومقاومون يلهثون وراء مقاومة!

مقاتل من حزب الله

يكشف الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان، هشاشة السلطة السياسية التي تحكم هذا البلد. فالعجز الذي تعانيه السلطة بمختلف مؤسساتها، لا يدلل على حجم الأزمة التي يمرّ بها لبنان اقتصاديّا ونقديّا، بل يكشف عن انعدام الخيارات، التي لا يمكن لأي سلطة من الطاقم الحالي والمزمن أو حكومة منبثقة عنها أن تقترحها لمواجهة الأزمة.

مردّ هذا التوصيف يُعيد إلى “البروباغندا” التي طالما ردّدها “حزب الله” وحلفاؤه في الأشهر والسنوات الماضية عن الدولة المقاومة، في إشارة إلى السلطة اللبنانية، التي تبنّت بالكامل الخيارات الإيرانية على مستوى المنطقة، وانخرطت بها في معارك دبلوماسية وعسكرية من أجل نصرة ما يسمّى “محور المقاومة” الذي تقوده طهران.

صحيح أن الجيش اللبناني لم ينخرط في مواجهات خارج الحدود، إلا أن السلطة السياسية لم تعترض على انخراط “حزب الله” في الحروب الإقليمية، وتعاملت مع قتاله خارج الحدود وكأنه شأن لا يعنيها إلى حدّ كبير، وهو الموقف الذي كانت تريده إيران فعليّا، باعتباره لا يحول دون تدخّل “حزب الله” ويبقي خيط التواصل مع أطراف عربية ودولية من خلال السلطة اللبنانية.

سلطة المقاومة ودولتها، ستذهب صاغرة إلى صندوق النقد الدولي الذي طالما شتمته صباح مساء، وستلجأ إلى الدول الأوروبية، وستبحث عن وسيلة كي تنال بعض الدراهم العربية 

ثمة أيضا ما يثير التأمل في شأن هذا المحور، الذي أطبق سياسياً على القرار الرسمي، بعد أن كان سيطر أمنياً وعسكرياً بعد اتفاق الدوحة أو في عشاياه عام 2008. فالتسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيسا للبلاد عام 2016، اكتملت بالسيطرة على مجلس النواب عدديا بعد انتخابات عام 2018، حيث أعلن الراحل قاسم سليماني غداة الانتخابات، عن أن “حزب الله” بات يمتلك أكثرية مجلس النواب. كما لم يكن الرئيس سعد الحريري في موقع رئاسة الحكومة من خارج التزامه بالتسوية الرئاسية، التي كانت الغطاء الملطف لسيطرة الحزب على الحكومة، وما كان خروج الحريري من الرئاسة وتسمية حسان دياب رئيسا للحكومة، إلاّ تخففا من هذا الغطاء الذي كشف عن حكم كامل لفريق “حزب الله” وأتباعه في المؤسسات الثلاث أي التنفيذية والتشريعية ورئاسة الجمهورية.

ولكن يظل السؤال، ما هي “البروباغندا” التي يرددها “حزب الله” ولا تزال تضجّ في أسماع اللبنانيين منذ سنوات؟

إن أسوأ ما يمكن أن يطال اللبنانيين هو الأزمة التي انفجرت وتتشعب أزمات في دوائر حياتهم المعيشية والسياسية والمالية، وعلى مستوى علاقات الدولة الخارجية عربيا ودوليا. وهذا السوء يكمن أيضا في أن الأزمة الحالية تكشف كم أنّ الممسكين بمفاصل السلطة وقراراتها الرسمية، هم خارج معادلة الحل. فالوقائع والنتائج أظهرت أن من استعرضوا وتبجّحوا على اللبنانيين بشعارات المقاومة والممانعة، هم عصابات ومافيات نهبت الدولة ومؤسساتها. لا بل إن من يدّعي أنه يقاتل من أجل حماية لبنان وتحرير الكرة الأرضية من أعدائه، هو عاجز عن توفير أيّ نموذج إيجابي لسلطة جاذبة، تقدّم مثالا يحتذى في العدل والإيثار والأمانة والتنمية، نموذجاً لما يجب أن يكون عليه “أشرف الناس” ودولتهم كما سماهم أمين عام حزب الله حسن نصرالله.

ليست الدولة المقاومة التي قدّمها “حزب الله” إلا دولة معطلة، دولة قطاعاتها الاقتصادية في الزراعة والصناعة والخدمات متصدعة وعاجزة، وقطاعها المصرفي عرضة لانهيار شبه مؤكد أو انكفاء غير مسبوق. دولة فقدت ميزاتها التفاضلية اقتصاديا وتراجع فيها التشريع وضعفت فيها السلطة القضائية وتردى فيها الإعلام والثقافة وانعدمت فيها مساحات الحرية أو ضمرت، بعدما كان لبنان ملجأ المطاردين من أنظمة الاستبداد والقهر في هذا العالم.

اقرأ أيضاً: ماذا يخشى «حزب الله» في لبنان بعد إغتيال سليماني؟

إن أسوأ ما يمكن أن يطال اللبنانيين هو الأزمة التي انفجرت وتتشعب أزمات في دوائر حياتهم المعيشية والسياسية والمالية، وعلى مستوى علاقات الدولة الخارجية عربيا ودوليا 

دولة “حزب الله” هذه لا تعِد إلا بالقهر والجوع والتردي السياسي والاجتماعي والأخلاقي، وما المقاومة التي روّج لها عتاة السلطة هذه، إلا فعل انكفاء واستسلام وتدمير للوطن والدولة، من دون أيّ وعد بخيار آخر غير العبث والتردي والموت.

“بروباغندا” المقاومة ودولتها، خلصت إلى نموذج لبناني سيء، بل إن لبنان لم يكن في هذا السوء في تاريخه، منذ تأسست دولة لبنان الكبير قبل مئة عام. اليوم ليس لدى سلطة المقاومة ما تقوله للبنانيين سوى أن تقف على أبواب الدول المستكبرة، أي أن المقاومين يستعطون من يقاومونهم. على هذا النهج هم سائرون، بلا خجل وبلا استحياء، فوزير المالية غازي وزني الذي ينتمي إلى الفريق الذي يقود منطق الدولة المقاومة، والذي جرى تعيينه في الموقع الوزاري الأهمّ في هذه الحكومة، يقول إن لبنان بحاجة قبل أي بحث في الحلول إلى خمسة مليارات دولار أميركي للجم الانهيار المالي ولتوفير النقد الأجنبي في السوق اللبناني.

لا يبدو أن إيران مستعدة لدعم لبنان، بل لا أحد في وارد أن يدعم لبنان عربياً، طالما أن لبنان في أحضان الولي الفقيه. لكن سلطة المقاومة ودولتها، ستذهب صاغرة إلى صندوق النقد الدولي الذي طالما شتمته صباح مساء، وستلجأ إلى الدول الأوروبية، وستبحث عن وسيلة كي تنال بعض الدراهم العربية.

فعل الإهانة هنا في هذا النموذج الحاكم باسم الممانعة والمقاومة، الإهانة للبنان ولمصطلح المقاومة، وللشرف الذي بات خرقة لتغطية أكبر عملية نهب تعرّضت لها الدولة اللبنانية، باسم المقاومة.

السابق
الجمهورية الفاشلة
التالي
«لو غراي» بمرمى الثوّار.. وإدارة الفندق تناشد القوى الأمنية!