الفساد.. «كرة نار» يتقاذفها أهل السلطة!

الثورة اللبنانية
أحد أهم إنجازات ثورة 17 تشرين الأول، أنها وضعت الطبقة السياسية في مواجهة بعضها البعض نسبيا بحيث باتت تتقاذف كرة الفساد فيما بينها وبات كل طرف يحاول النأي بنفسه عن هذا الملف في مواجهة شعار الثورة الأساسي "كلن يعني كلن".

الحريرية السياسية

فالبعض من هذه الطبقة أصدر تعليماته وأطلق بعض أبواقه للدفاع عنه تحت شعار أن الأزمة ليست وليدة اليوم أو هذا العهد، بل ترجع جذورها إلى ثلاثين عاما مضت أي بعد وقف الحرب الأهلية بعد إقرار إتفاق الطائف، وبالتالي فإن هذه الأطراف ليست مسؤولة على إعتبار أنها كانت خارج السلطة والبلد كما هو الحال مع التيار الوطني الحر، أو أنها كانت خارج السلطة التنفيذية وكانت منهمكة بمعركة تحرير الأرض كما هو حال حزب الله، وفي محاولة للإستغلال السياسي الصارخ أطلق البعض على هذه المرحلة إسم “الحريرية السياسية” التي إنتهت مرحلتها الأولى بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإخراج القوات السورية في لبنان بعد ثورة الأرز في 14 آذار 2005.

اقرأ أيضاً: غالب ياغي لـ«جنوبية»: لن نسكت على «حكومة الدمى»!

لسنا هنا للدفاع عن تلك المرحلة أو نفي كل ما ينسب إليها من موبقات، بل نقول بأن ما يقال عن تلك الحقبة وما ترمى به من إتهامات إنما هو كلام بعضه حق ولكن كله يراد به باطل، والباطل هنا هو تبييض بعض الأطراف التي شاركت إن لم نقل أنها كانت صاحبة الوصاية على السلطة بعد تلك المرحلة التي بدأت في العام 2005 ولا زالت مستمرة حتى اليوم وخاصة بعد إتفاق الدوحة في العام 2008، وهي مرحلة توازي مدة تلك المرحلة التي يطلق عليها مرحلة “الحريرية السياسية” في مرحلة الحريري الأب أي خمسة عشر عاماً.

كل طرف يرمي بالمسؤولية على الآخرين، وبرز البعض من رموز الوصاية السورية البغيضة محاولاً ركوب الموجة وتصويبها بإتجاه واحد يخدم مصالحه ومصالح أسياده القدامى والجدد

الوصاية السورية

الوصاية السورية

من هنا فإن القول بأن الخمسة عشر عاما الأولى هي فقط المسؤولة عن الفساد وعن ما آلت إليه الأوضاع من مأساوية، إنما هو كلام تضليلي لأن تلك المرحلة ورغم كل الظروف التي كانت محيطة بها ومنها الوصاية السورية، أعادت بناء البلد عمرانيا وهيكليا وأعادته إلى الخارطة الدولية والإقليمية بعد حرب السنوات الـ15 التي دمرته بالكامل والذي كان من يزايدون اليوم ويضللون الناس من المشاركين في أقسى مراحل الحرب ومن أهم المساهمين بدمار البلد، كان هناك فساد، نعم ولكن كان هناك إنجازات وإعادة إعمار رغم كل الصعوبات والأحداث التي تخللها إجتياح جوي إسرائيلي للبنان عام 1993 عندما أعلن العدو الصهيوني يومها أنه لن يدع مشروع الحريري للإعمار يكتمل، ثم عدوان عناقيد الغضب في نيسان 1996 الذي تخلله مجزرة قانا الأولى والذي نجح رفيق الحريري في نهايته بعلاقاته الدولية بتشريع عمل المقاومة ضد الإحتلال، وغيرها من الأحداث الداخلية والإقليمية الصعبة، كل هذا لأنه كان هناك عمل وكان البلد “ماشي” وليس معطلاً كما حصل في مرحلة ما بعد عدوان 2006.

الطعن بحكومة المقاومة السياسية

يومها حاول حزب الله إستثمار نجاحه في صد العدوان في السياسة الداخلية فإستدار إلى الداخل ليطعن بحكومة السنيورة التي كانت أيام العدوان تسمى “حكومة المقاومة السياسية” فإذا بها بعد الحرب وبقدرة قادر تصبح حكومة “فيلتمان” السفير الأميركي الأسبق في لبنان، فكان أن أقفل وسط بيروت لمدة عام ونصف تخللها مصادمات داخلية مذهبية وشلل للدولة في الوقت الذي كان لبنان يرزح تحت وطأة نتائج الحرب إقتصاديا وإجتماعيا لينتهي الأمر بالوصول إلى أحداث السابع من أيار 2008 التي لا يزال البلد يعاني بسببها ترددات سياسية وطائفية ومذهبية تتفاعل في الصدور ونحصد نتائجها اليوم.

اتفاق الدوحة

اتفاق الدوحة
اتفاق الدوحة

بعد إتفاق الدوحة فتحت الساحات وأزيلت الحواجز من الشوارع لتتحول إلى حواجز سياسية بدأت مع بدعة الثلث المعطل والوزير الملك التي إعتقدنا بأنها بدع مؤقتة لزوم الإتفاق وإعادة الثقة لحين إجراء الإنتخابات النيابية الجديدة ويعود إنتظام عمل المؤسسات الدستورية إلى طبيعته وتعود عجلة العمل إلى الدوران، وكم كنا سذجا يومها، فما أن وضعت الإنتخابات أوزارها حتى برزت بدعة جديدة هي بدعة الشرعية الشعبية مقابل الشرعية النيابية، التي بإسمها عادت حليمة لعادتها القديمة بالتعطيل وشل المؤسسات فبات تشكيل الحكومات من المعجزات لا يتحقق بأقل من تسعة أشهر، إضافة إلى ظهور “الصهر المعطل” إضافة لإستمرار بدعة “الثلث المعطل” لدرجة أن قيل يوما “لعيون الصهر عمرو ما يكون حكومة”، ثم تبعها الإنقلاب على حكومة سعد الحريري الأولى وهو في البيت الأبيض مجتمعا مع ألرئيس الأميركي أوباما، كل هذا والبلد يعاني من التعطيل والشلل، والإقتصاد يتراجع يوما بعد يوم لتأتي بعدها أحداث سوريا وتزيد الطين بلة خاصة مع تدفق النازحين السوريين، وتدخل حزب الله في الحرب الذي جرَّ عليه وعلى لبنان غضبا عربيا تمثل في توقف شبه تام للإستثمارات العربية وكذلك السياحة، ومن ثم تعرض لبنان بسببها لهجمات إرهابية عديدة من تنظيم داعش.

روائح الفساد

النفايات

ثم كانت الحرب في اليمن التي زادت الشق إتساعا بعد موقف الحزب منها وتطاوله على دول الخليج العربية، في الوقت الذي كانت روائح الفساد تزكم الأنوف في مشاريع الكهرباء العديدة التي لم ترَ “النور” وأستعيض عنها ببواخر في البحر كلفت لبنان الكثير من دون نتيجة مرضية للناس، وكذلك في الإتصالات التي تعتبر الأغلى في العالم، والبيئة التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن حل مشكلة النفايات وتلوث الأنهار مما زاد عدد مرضى السرطان في لبنان، وغيرها الكثير الكثير وبعدها دخلنا في نفق الأنتخابات الرئاسية التي عطلت البلد لسنتين بسبب الإصرار على وصول ميشال عون لسدة الرئاسة فوصل، وقبل ختام سنته الثالثة هب الشعب ونزل إلى الشوارع بعد أن بلغ السيل الزبى ولم تعد الناس قادرة على تلبية متطلباتها الأساسية مع هبوط سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، وبعد أكثر من مئة يوم على الثورة لم يجد هذا العهد وهذه السلطة سوى الحل الأمني والقمعي للرد على الناس ومطالبها ولا زالت المعالجات تقوم على نفس العقلية والمنهجية السائدة منذ ثلاثين عاما، عبر ترقيعات وتبريرات وتقاذف إتهامات هي موضع حديثنا اليوم دون أدنى إحساس بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه الوطن والناس، فكل طرف يرمي بالمسؤولية على الآخرين.

اقرأ أيضاً: حكومة «دك» 14 آذار.. و«الحريرية السياسية»

وبرز البعض من رموز الوصاية السورية البغيضة محاولا ركوب الموجة وتصويبها بإتجاه واحد يخدم مصالحه ومصالح أسياده القدامى والجدد في محاولة منه لتزكية نفسه للوصول إلى السلطة، وهو في النهاية ما يثبت صحة ودقة وعدالة شعار الثورة كلن يعني كلن… والذين عطلوا البلد على مدى 15 سنة أولهم، ولا يمكن قبول أضاليلهم وأوقحها إتهامهم للثورة والثوار بالعمالة للسفارات هم الذين لم يتركوا سفارة إلا وناموا على أعتابها، وكذلك إستنكارهم للإحتجاجات وقطع الطرقات التي يقوم بها الثوار دفاعا عن لقمة عيشهم لا لهدف سياسي كما كانت إعتصاماتهم وتعطيلهم للبلد من أجل مصالح فئوية وسلطوية، صحيح أن الفساد ليس وليد اليوم ولا وليد هذا العهد ، فنحن نعرف أن الفساد كان منذ أن كان لبنان، ولكن في العهود السابقة كان يوجد جنب الفساد عمل وإنجازات حقيقية جعلت من لبنان قبل الحرب سويسرا الشرق، وطبعا هذا ليس مبررا للفساد وليس دعوة للتغاضي عنه وعن مرتكبيه، ولكنها صرخة في وجه المضللين الفاسدين مرتين مرة بفسادهم الوظيفي وأخرى بالتعطيل الذي مارسوه بحق البلد وإقتصاده. وهؤلاء مرة أخرى لا يستحقون منا فرصة جديدة لأن فاقد الشيء لا يعطيه، كل ما يستحقونه هو جملة… “كلن يعني كلن”…   

السابق
العقوبات «تخنق» حزب الله صحياً.. وآخر الدواء في سوريا!
التالي
دياب يحضر «جائزة ترضية سنية»: إقرار قانون العفو!