حكومة «دك» 14 آذار.. و«الحريرية السياسية»

14 اذار

تحقير وإستهزاء

تزامنا مع تشكيل حكومة حسان دياب، إنطلقت الأسبوع الماضي وبشكل مفاجئ حملات “تحقير وإستهزاء” بحركة 14 آذار السابقة شارك فيها البعض من “المحسوبين” على الثورة والبعض الآخر من المحسوبين على السلطة، وإنضم إليهم ولو بغير سياق بعض الذين كانوا من أنصارها ومن المشاركين فيها والمؤمنين بمبادئها، ما بدا وكأنه أمر منسق ومقصود في ظل التجاذبات التي سادت بين أطراف قوى الثامن من آذار على الحصص والوزارات وهي الطرف المفروض أنه يشكل حكومته الخاصة به، وفي ظل الحديث عن دور للواء جميل السيد في تشكيل الحكومة بما هو معروف عنه توجهاته وإرتباطاته “السورية” منذ عهد الوصاية في لبنان، وأحد “ضحايا” حركة 14 آذار، وهو الدور الذي أكده النائب السابق وليد جنبلاط بعد إجتماعه مع الرئيس نبيه بري في عين التينة قبل تشكيل الحكومة.

اقرأ أيضاً: موازنة «كوميدية سوداء».. الحرامية يتحولون إلى أبطال!

تجربة 14 آذار

نسارع ونقول أن تجربة 14 آذار ليست فوق المحاسبة ولا المراجعة ولا النقد، كي لا يفهم من كلامنا أننا ضد النقد لها ولغيرها من التجارب، ولكن النقد شيء والحقد شيء آخر، والخلط بين 14 آذار كفكرة نبيلة وكيوم تاريخي في حياة لبنان شيء، وبين ممارسات وسياسات من تصدى لقيادتها وأوصلها إلى ما وصلت إليه شيء آخر تماما. فحركة 14 آذار كفكرة قائمة على التحرر وشعارها حرية سيادة إستقلال والتي قدمت الشهداء هي ملك جماهيرها والناس الصادقة المؤمنة بهذا الخيار الوطني والإنساني النبيل. أما الممارسات وما نتج عنها فتبقى ملك من مارسها وهو المسؤول عنها وعليه تقع المسؤولية وإليه يجب أن يوجه اللوم والنقد والمحاسبة.

نعود ونقول أن هذه الهجمة تزامنت مع إرهاصات تشكيل حكومة حسان دياب الذي كلف بتشكيلها خلافا لرأي طائفته كما هو متعارف عليه في نظام لبنان الطائفي  وخلافا لـ”الميثاقية” العزيزة على قلوب أطراف قوى الثامن من آذار التي لطالما عطلت البلد في السنوات الماضية بسببها وخلافا لرأي الشارع المنتفص منذ أكثر من 100 يوم، وبعد “الإنقلاب” الذي قاده التيار الوطني الحر ضد الرئيس سعد الحريري وأكملته القوات اللبنانية برفضها تكليفه تشكيل الحكومة في تقاطع سياسي غريب قد يكون نتيجة المزايدات السياسية داخل البيت الماروني الذي عانى منه لبنان كثيرا في السنين الأخيرة.

تشكلت الحكومة بعد تجاذبات عدة وصراع على المكاسب داخل الصف الواحد وخاصة من قبل الأطراف السياسية المحسوبة على النظام السوري أمثال المردة والحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الديمقراطي بزعامة طلال أرسلان بشكل كاد أن يهدد عملية التشكيل ما حدا بحزب الله للضرب بيده على الطاولة عبر إعلانه سحب يده من محاولات التوفيق بين الأطراف المتنازعة ما أعاد الأمور إلى نصابها وظهرت التشكيلة بقدرة قادر، الأمر الذي أثار التساؤلات والحديث عن صراع خفي بين جناحي قوى الممانعة الإيراني والسوري المدعوم روسياً خاصة بعد الضربة التي تلقاها الجناح الإيراني بإغتيال قاسم سليماني، والزيارة المفاجئة للرئيس الروسي إلى دمشق بعد عملية الإغتيال بأيام قليلة. 

الهجوم على الرئيس بري

الجديد واللافت في الموضوع كان أنه وبعد صدور مراسيم تشكيل حكومة اللون الواحد التي حققت مبتغاها بعزل أو إستنكاف ما كان يسمى بقوى 14 آذار كالمستقبل والقوات اللبنانية والتقدمي الإشتراكي، بدأ الهجوم هذه المرة على الرئيس نبيه بري أحد طرفي الثنائي الشيعي الذي هو في الواقع يمثل التحالف بين جناحي الممانعة الإيراني والسوري منذ ما قبل أحداث لبنان عام 2005 التي أخرجت الجيش السوري من لبنان وإستمر بعدها ولو بأفضلية وأرجحية لحزب الله هذه المرة بعد تغير موازين القوى بإنسحاب سوريا من لبنان بحيث إنقلبت المعادلة التي كان فيها السوري يقرر والإيراني يدعم، هذه المعادلة معطوفة على إتخاذ الرئيس بري موقفا وسطيا نسبيا بين قوى 14 آذار والنظام السوري بحيث جعل بينه وبين هذا النظام مسافة معينة تعززت مع إندلاع الأحداث في سوريا عام 2011 وعدم إنجراره لها على غرار حزب الله وهو ما قد يكون أوجد لدى النظام السوري إستياءً منه وحقدا عليه بدأ يترجم عمليا اليوم في محاولة لإضعافه مستغلا الظروف في ظل الثورة والحملة على الفساد خاصة وأنه ظهرت محاولات عدة من بعض الأطراف  لتحييد وتبرئة حزب الله والتيار الوطني الحر من تهم الفساد وإلصاقها حصرا بالثلاثي بري – جنبلاط – الحريري على إعتبار أنهم كانوا في السلطة منذ العام 1992، وقد يكون هذا تمهيدا ربما لإحلال شخصية أخرى مكانه تكون أكثر طواعية له وملائمة للمرحلة الجديدة خاصة مع تقدمه في السن وعدم وجود شخصية حركية بارزة قد ترثه سياسيا، في محاولة ربما لإستعادة الدور الذي فقد منذ الإنسحاب من لبنان، ولا يخفى على كل متابع ومراقب طموح اللواء جميل السيد للوصول إلى هذا المنصب الذي بات أقرب إليه بإعتباره نائبا في المجلس، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن ردة فعل حزب الله الذي أتى بالسيد نائبا على لائحته، وموقفه من محاولة إضعاف بري الواضحة والهجوم المستجد عليه والذي كان قد مهد له اللواء جميل السيد منذ زمن عبر تغريداته شبه اليومية مستغلا إندلاع الثورة ومطالبتها بعزل الطبقة السياسية والتي كان يغمز بها من قناة “الفساد والفاسدين” في الدولة وتركيزه على أن المقاومة قامت بما عليها في شق التحرير بينما “الدولة” قصرت في شق الإصلاح والتنمية وهو يشير هنا إلى الرئيس نبيه بري، فكان أن أول تصريح بعد تشكيل الحكومة يستهدف الرئيس بري جاء على لسان وئام وهاب الذي إتهم ولأول مرة  بري بـ”تفخيخ” الحكومة عبر توزيره لأحد الحزبيين، وجاءت حادثة مجلس الجنوب التي إعتدى فيها أنصار لحركة أمل على مسيرة سلمية لبعض أطراف الحراك المدني ليصعد اللواء السيد من هجومه ونعته من قام بهذا العمل بـ”الزعران”، لتلاقيه جريدة الأخبار ورئيس تحريرها إبراهيم الأمين بالهجوم القوي على بري، مع مواكبة دائمة من قناة الجديد التي لها ثارات كثيرة وقديمة مع الرئيس بري، بإستضافتها للمسؤول السابق في حركة أمل محمد عبيد الذي أطلق سهامه أيضا بإتجاه بري وحركة أمل وتصرفاتها متخذا هو وغيره من الدفاع عن الحراك الشعبي ذريعة لهذا الهجوم الذي تصاعد لدرجة غير مسبوقة عندما طالب اللواء السيد الرئيس بري بالإسم كي “يضب” أحمد بعلبكي مستشاره الأمني على خلفية محاولة عناصر من حركة امل التظاهر أمام منزله بلهجة تهديدية عبر إستعماله كلمة “أحسنلو“، وهو الأمر الذي يطرح علامات إستفهام عديدة وأسئلة عن التوقيت خاصة وأن هذه التصرفات لحركة أمل ليست بجديدة وهي تصرفات قام بها وأكثر جماعات من حزب الله تهجمت على الناس في الساحات فضربت  وقمعت الكثيرين وأحرقت خيما وقبضات ترمز للثورة إلا إذا كان المقصود تحميل كل هذه الموبيقات لحركة أمل بإعتبار أن جسمها “لبيس”.

الهجوم على الرئيس تمهيدا ربما لإحلال شخصية أخرى مكانه تكون أكثر طواعية وملائمة للمرحلة

وراثة العهد

يجري كل هذا في ظل عهد يذكرنا بعهد إميل لحود بنزقه ونرجسيته، يسيره صهر طموح لا هم له سوى ولاية ووراثة العهد مهما كلف الأمر من أثمان، مدعوما بوهج وتغطية من حزب الله داخليا مقابل تغطية حزب الله خارجيا “هل يقدر؟” وهو ما يضعه في تحالف موضوعي مع الجناح الإيراني في محور الممانعة وهو ما جعل أنصار النظام السوري يستميتون في محاولتهم عدم منحه الثلث المعطل في حكومة دياب التي هي في رأي البعض  حكومة كسب الوقت أو تقطيعه وهي مجرد تفصيل صغير في مجريات الأمور في المنطقة وتطوراتها حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في سنة حافلة عالميا وإقليميا بالإستحقاقات من الإنتخابات الإسرائيلية وصولا للإنتخابات الأميركية مرورا بصفقة القرن وبتطورات الحراك في كل من العراق ولبنان وتطورات الملف السوري ومدى إرتباطه بالوجود الإيراني ومستقبله في هذا البلد الذي إنحصرت الأمور فيه ميدانيا في قضية إدلب في ظل التفاهم الروسي التركي  الذي إمتد ليشمل التفاهم على موضوع ليبيا.

ثورة الشعب صرخة مدوية لا تحتمل التأويل حين تبنت شعار كلن يعني كلن

الشطارة اللبنانية

طبعا القول بوجود صراع بين جناحي الممانعة لا يعني ضعف التحالف بينهما أكثر مما هو محاولة لتعزيز المواقع السياسية بإنتظار تبلور الأمور في المنطقة لمحاولة كسب أكبر قدر ممكن من المكاسب بعد التضحيات التي بذلت في سوريا والتي ساعدت ببقاء النظام السوري وإستعادته زمام المبادرة، وهذا أمر طبيعي ومشروع في الصراع السياسي خاصة وأن النظام السوري يقف بين شقي رحى حلفائه الروسي والإيراني وكذلك حزب الله المتواجد على الارض في سوريا ما يجعل منه – أي النظام السوري – الحلقة الأضعف في هذا التحالف الأمر الذي قد يدفعه لتحصيل بعض المكاسب في لبنان عبر حلفائه والإمساك ببعض الأوراق ما يدعو للتساؤل عن موقف حزب الله من هذه المسألة التي قد يكون لها علاقة بالهجوم السياسي على توأمه الشيعي المتمثل بالرئيس نبيه بري وحركة أمل، فهل ما يجري اليوم هو محاولة للعودة بالوضع إلى ما قبل العام 2005 وإزالة آثار ما يسمى “الحريرية السياسية” والمقصود بها الفترة الممتدة من العام 1992 إلى العام 2005 بكل رموزها السياسية التي كان الرئيس بري أحد أعمدتها، وهل هذا الأمر يحظى برضى الحزب وبضوء أخضر منه لتوجيه بوصلة إتهامات الفساد بإتجاه هذه المرحلة وجعل رموزها كبش محرقة للثورة والشارع؟ أم أن الأمور مجرد زكزكة سياسية ولعب في الوقت الضائع على الطريقة اللبنانية لا يسمن ولا يغني من جوع لتحويل الأنظار عما يجري في الشارع ومحاولة ركوب الموجة من بعض الطامحين والمتسلقين؟

اقرأ أيضاً: دمغة «حزب الله» و«نظام الأسد» على «حكومة لبنان»

في الوقت الذي أعلنتها ثورة الشعب صرخة مدوية لا تحتمل التأويل حين تبنت شعار كلن يعني كلن، بعد أن بات الوضع لا يطاق ولم يعد يحتمل المزيد من “الشطارة اللبنانية” في ممارسة السياسة وألاعيبها التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم من فساد وكساد وإنهيار.   

السابق
بعد طردها طلابا لعدم تسديد الاقساط.. جو معلوف يتحرك ضدّ هذه المدرسة!
التالي
رد ناري من الحجار على السيد: «توقف عن القاء محاضرات في الوطنية والعفة.. يا جميل»!