وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: رسائل انتخابية برسم حزب الله

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

كانت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بمثابة مفاجأة بل صدمة لحزب الله، بادر بسرعة إلى استيعابها والالتفاف حولها لغرض التخفيف من آثارها ووقعها على جمهوره، من خلال اعتراف رئيس كتلته بالتركيبة النيابية الجديدة بشرط عدم التورط بعمالة أمريكية-إسرائيلية.  هو تصريح يحمل تعالياً وتهديداً ظاهرين من أن نتائج الانتخابات لن تغير من موازين القوى الداخلية ومن تموضع لبنان الإقليمي والدولي، لكنه تصريح يختزن غضباً وقلقاً باطنيين من نتائج الانتخابات الصادمة.

اقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: المشهد السياسي لما بعد الإنتخابات النيابية

وقد أعقب هذا التصريح إطلالة أمين عام حزب الله، ليكرر معزوفة حيازة حزبه وحلفائه على الأكثرية الشعبية، مقابل حيازة خصومه على الأكثرية النيابية. وهي معزوفة لا أساس قانوني لها، أي لا يترتب عليها أية أثار قانونية أو سياسية. كما إنها لا قيمة إحصائية لها بحكم أن الكشف عن الأكثرية الشعبية، لا يمكن التعرف إليه إلا في حال جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة وعلى أساس غير طائفي.  فالإنتخاب على أساس طائفي ليست معركة أكثرية شعبية بقدر ما هي معركة داخل كل طائفة، لحيازة أكثرية المقاعد في داخلها. ما يجعل  أكثرية حزب الله في ظل قانون الانتخاب الحالي، مجرد أكثرية شيعية كاسحة معزولة ومنفصلة عن المكونات اللبنانية الأخرى. 

كانت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة بمثابة مفاجأة بل صدمة لحزب الله بادر بسرعة إلى استيعابها والالتفاف حولها لغرض التخفيف من آثارها ووقعها على جمهوره

مهما يكن من أمر، فنتائج الإنتخابات كانت هزيمة معنوية لحزب الله، تحمل في طياتها رسائل سلبية عدة ضد حزب الله وسلاحه. لكن هذه النتائج لا يمكن ترجمتها هزيمة سياسية له، بحكم أن موازين القوى في لبنان لا تقوم على قاعدة التمثيل النيابي، ولا يحددها حيازة الأكثرية في المجلس النيابي، بل تتحدد بمعطيات قوة ونفوذ على أرض الواقع، يشكل فائض القوة والسلاح والجهاز العسكري الضخم، الذي يمتلكه حزب الله أهم مظاهرها وعلاماتها. 

وقد أعقب هذا التصريح إطلالة أمين عام حزب الله ليكرر معزوفة حيازة حزبه وحلفائه على الأكثرية الشعبية مقابل حيازة خصومه على الأكثرية النيابية

هذا يعني أن خسارة حزب الله للأكثرية النيابية ستكبح طموحه في التحكم في قرار السلطة، لكنها لن تهزمه ولن تقلص نفوذه الميداني ولن تغير من معادلة فائض القوة التي يتمتع بها.  كما إن الأكثرية النيابية المعادية لسلاحه لن تفضي إلى نزع سلاحه، لأن سلاحه نشأ وتشكل وتضخم وفرض نفسه من خارج أية شرعية قانونية أو سياسية.  هو قوة الأمر الواقع التي تعجز مؤسسات الدولة الحالية، الأمنية والقانونية، عن ضبطها أو التحكم بها.  لهذا كان تأكيد مسؤولي حزب الله قبل الإنتخابات النيابية وبعدها، بأن نتائج الانتخابات ستكون ذات أثر هامشي أو شبه ملغي إزاء معادلة القوة الموضوعية التي رسخها حزب الله في لبنان. 

خسارة حزب الله للأكثرية النيابية ستكبح طموحه في التحكم في قرار السلطة لكنها لن تهزمه ولن تقلص نفوذه الميداني ولن تغير من معادلة فائض القوة

لذلك فإن رهان كتل السيادة والتغيير، في حال توافقها على العناوين العريضة والتي في مقدمها السيادة ومرجعية الدولة والقانون، هو أن تكشف غطاء الشرعية عن سلاح حزب الله، أي إخراج هذا السلاح من أي اعتراف رسمي أو قانوني. وهو الحد الأدنى المطلوب لمعركة السيادة، والترجمة المباشرة للتغيير الحاصل في مزاج أكثر مكونات المجتمع اللبناني.  

رهان كتل السيادة والتغيير في حال توافقها على العناوين العريضة هو أن تكشف غطاء الشرعية عن سلاح حزب الله وهو الحد الأدنى المطلوب لمعركة السيادة

حملت الانتخابات النيابية رسائل عدة تتعلق بخط الممانعة، الذي يشكل حزب الله قطب رحاه ورأس حربته:

  • أولها: نهاية معنوية وسياسية لكل مظاهر النفوذ السوري في لبنان. فالانتخابات حملت رسالة رفض مدوية لكل الشخصيات ذات الغطاء والولاء السوريين. ما يعني تقلص بل بالأحرى إقفال ملف الوجود السوري في لبنان، الذي راهن على استمرار نفوذه السياسي بعد انسحاب جيشه من لبنان. 
  • ثانيها: رغبة شعبية سنية بإظهار قيادات سنية أكثر صلابة وجرأة في مواجهة حزب الله، للتعويض عن الترهل والضعف اللذان تسببت بهما سياسة سعد الحريري. تبين أن رهان الحزب على اختراق الساحة السنية مع انكفاء تيار المستقبل كان رهاناً حالماً ومغامراً يفتقد إلى القراءة الدقيقة لمزاج البيئة السنية وتطلعاتها وتحولاتها.

نهاية معنوية وسياسية لكل مظاهر النفوذ السوري في لبنان

  • ثالثها: تحول هائل في المزاج المسيحي تجاه حلفاء حزب الله المسيحيين، وتجاه سلاح الحزب والعلاقة مع إيران. هو تحول ترجم في الانتخابات النيابية برفع الغطاء المسيحي عن هذا السلاح، والنظر إليه بسلبية مطلقة كانت البطريركية المارونية أهم معبر عنها. هذا يعني خسارة الحزب للورقة المسيحية في معاركة السياسية بخاصة الرئاسية والتفيذية والتشريعية، بالتالي لم يعد يملك الكلمة الأخيرة والحاسمة، في ميدان السياسة وصناعة القرار في الداخل اللبناني، على الرغم من حيازته تفوقاً هائلاً في قدراته الأمنية.

رغبة شعبية سنية بإظهار قيادات سنية أكثر صلابة وجرأة في مواجهة حزب الله

  • رابعاً: اكتساح وليد جنبلاط للمقاعد الدرزية في الشوف وعاليه والبقاع الغربي، إضافة إلى الاختراق الدرزي في لائحة حزب الله الجنوبية، وسقوط مهين لحلفاء الحزب من الدروز. ما يدل على تحول الطائفة الدرزية إلى كتلة رفض صلبة ومتماسكة لسياسة حزب الله وسلاحه. 

تحول هائل في المزاج المسيحي تجاه حلفاء حزب الله المسيحيين وتجاه سلاح الحزب والعلاقة مع إيران

  • خامسا:  تقلص هائل في مساحة الاعتراف بسلاح حزب الله كسلاح مقاوم، داخل مكونات المجتمع اللبناني ما عدا الشيعية. ما يعني أن السلاح فقد اعترافا وطنياً بوظيفته وحقيقته وهويته، وبات سلاحاً مذهبياً منعزلاً ومغلقاً داخل بيئته. بالتالي لم يعد بالإمكان إدراجه سلاح مقاومة، بحكم أن المقاومة عنوان وحقيقة عابران للطوائف والمذاهب. فالسلاح بات ينظر أكثر اللبنانيين مصدر خوف وتهديد لا عنصر أمان وحماية.

اكتساح وليد جنبلاط للمقاعد الدرزية في الشوف وعاليه والبقاع الغربي إضافة إلى الاختراق الدرزي في لائحة حزب الله الجنوبية

  • سادساً:  الرفض المجتمعي لسلاح حزب الله، مع الإتيان بأكثرية موزعة بين العداوة له والخصومة العالية له، وضعت هذا السلاح تحت المجهر السياسي والرصد الإعلامي، وضيق حرية نشاطه المحلي والإقليمي، بخاصة تفرده في خوض معارك وحروب لا يمكن تأمين الغطاء السياسي والرسمي والشعبي لها في الداخل.  هو قيد قد لا يعترف به حزب الله ولا يلتزم به، ولكن ضيق هامش المناورة في الداخل، يفرض عليه الحذر الشديد والحسابات فائقة الدقة لأي عمل أمني، حيث لم يعد يكفيه الغطاء الشيعي له. 

الرفض المجتمعي لسلاح حزب الله مع الإتيان بأكثرية موزعة بين العداوة له والخصومة العالية له

  • سابعاً: أما حسم الحزب للمعركة الانتخابية داخل مجال نفوذه الشيعي لكامل المقاعد النيابية، فهذا علامة ضعف سياسي وتغييب كامل لكل مظاهر الديمقراطية والتعدد داخل البيئة الشيعية. سبب ذلك يعود إلى ممارسات الترهيب والعنف والتخوين التي مارسها الحزب وحلفاؤه ضد اللوائح المنافسة التي قدمت شخصيات وطنية جديدة ونزيهة وواعدة. الأمر الذي ألغى شروط المنافسة الفعلية، وحول العملية الانتخابية داخل البيئة الشيعية، إلى مظاهر بيعة وولاء للحزب الحاكم والقائد الملهم.

حسم الحزب للمعركة الانتخابية داخل مجال نفوذه الشيعي لكامل المقاعد النيابية فهذا علامة ضعف سياسي وتغييب كامل لكل مظاهر الديمقراطية

فالإتيان بشخصيات لا يعرفها الناخب الشيعي ولا يعرف كفاءتها وقدراتها، بل ينتخبها لأنها في لائحة صدر فتوى أو تكليفاً بانتخابها، ليس خياراً شعبياً بل هو إملاء وإكراه مبطنين. كما إن المجيء بنفس الطاقم النيابي نسبياً على مدى ثلاثة عقود تقريباً، مع غياب جزء كبير منها عن المشهد السياسي، فضلا عن ضحالة بعضها وتفاهة بعضها الآخر، هو اختزال مهين لطاقات وكفاءات الطائفة الشيعية من جهة، ودليل على وجود قبضة وصاية خانقة، تخنق أي مسعى تغييري أو تجديدي داخل البيئة الشيعية، وتشل أية دينامية مجتمعية لها، وتعطل أية مبادرة حرة ومستقلة. 

كشفت الانتخابات النيابية الأخيرة عن انسداد فعلي، لكل مظاهر الحياة السياسية داخل البيئة الشيعية، الذي امتد ليشمل الحياة الثقافية والمبادرات المجتمعية، وعلامة جلية لا على غياب الديمقراطية فيها فحسب، بل على غياب السياسة بكل مظاهرها وتفاعلاتها.  ما حصل كان علامة موت حقيقي لكل ما هو شأن عام.

الإتيان بشخصيات لا يعرفها الناخب الشيعي ولا يعرف كفاءتها وقدراتها بل ينتخبها لأنها في لائحة صدر فتوى أو تكليفاً بانتخابه ليس خياراً شعبياً بل هو إملاء وإكراه مبطنين

هي رسائل لا ترفض حزب الله كحزب سياسي، لكنها تنبهه إلى ضرورة أن يعيد حساباته ويراجع ثوابته، ويرتب أولوياته من جديد، لتتقدم فيها الضرورات الوطنية على الإلتزامات الإقليمية والخصوصيات المذهبية والمطلقات العقائدية.  هي رسائل ما يزال حزب الله يتجاهلها في بياناته وتصريحاته، ويطلق النعوت والتهم في كل الإتجاهات، ويعمد إلى حماية صورة الحزب المتفوق والفائق القدرة، صورة الحزب الذي لا يهزم في كل حملاته ومعاركه.  لكنه نكران نرجسي، ثقة متضخمة، تفصمه عن مجريات الواقع وتحولاته، وتنتهي به آخر الأمر، إما إلى العزلة الخانقة عن الواقع أو المواجهة المدمرة معه.

السابق
إسرائيل تهدد لبنان: أي ضرر بمنصات الغاز سينظر إليه على أنه إعلان حرب!
التالي
مداهمات الجيش في الشراونة مستمرّة.. وهذه آخر التحركات العسكرية!