حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: الطريق الى معراب هل يحمل الاجوبة!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ان يصدر عن إجتماع لقوى سياسية متعددة، وحشد معتبر من النواب والوزراء الحاليين والسابقين بيان من معراب، هو أمر جيد وإيجابي، لان هذا البيان صدر ليعلن موقفه من امرين؛ الاول موقف من الحرب المحدودة، التي أعلنها “حزب الله كمعركة مساندة لغزة ومشاغلة لجيش الاحتلال الاسرائيلي، بزعم تخفيف الضغط عليها، وهي حرب لم تنفع غزة بأي امر، ولم تثن اسرائيل عن المضي بجرائمها الموصوفة، فهل منعت حرب المساندة التدمير الشامل لعمران المدن والجامعات والمساجد، و هل خففت تجويع السكان وحصارهم ومنع الغذاء والماء والوقود والكهرباء عنهم، وهل اوقفت تدمير المستشفيات واستهداف العاملين في الصحة والاغاثة، و هل عرقلت استباحة مدارس وكالة “الاونروا” الدولية التابعة للامم المتحدة، التي لجأ اليها النازحون من البيوت المدمرة، وهل ردعت جيش الاحتلال عن قتل اكثر من ٣٤ الف نسمة وجرح ٧٥ الف آخرين؟ والجواب هو نفي بالمطلق!!
اما ما فعلته هذه الحرب، فقد تسببت بدمار كثيف في ٣٠ قرية لبنانية جنوبية، وبخسائر اقتصادية طالت مواسم الجنوب وخلقت ركودا اقتصاديا في بقية لبنان.

اهمية هذا البيان انه يأتي مترافقا مع زيارة وزير الخارجية الفرنسية الى لبنان، حاملا مبادرة لإعادة الهدوء الى جنوب لبنان

الموقف الذي صدر من معراب، برفض هذه الحرب، يتدرج لكي يؤيد مقترحا غربيا ودوليا، باعادة الاعتبار للقرار الدولي ١٧٠١، والذي سعى اليه لبنان وقبله “حزب الله” في نهاية حرب تموز سنة ٢٠٠٦، و بالمطالبة بتكليف الجيش اللبناني، باعادة انتشاره مع القوات الدولية “اليونيفيل” لتطبيقه، اما الموقف الثاني فهو متصل بازمة النزوح السوري، وآخر مظاهر تفجرها سلسلة من الجرائم السافرة، كان أبرزها قتل واختطاف المسؤول القواتي باسكال سليمان، اهمية هذا البيان انه يأتي مترافقا مع زيارة وزير الخارجية الفرنسية الى لبنان، حاملا مبادرة لإعادة الهدوء الى جنوب لبنان، عبر امرين ؛ فك الارتباط بين جبهة لبنان وجبهة غزة، وإعادة الاعتبار للقرار الدولي عبر تطبيق الصيغة الاخيرة لقرار مجلس الامن، بالتمديد لقوات “اليونيفيل” في الجنوب القرار رقم 2695، ويترافق كل ذلك مع سعي المبعوث الاميركي هوكستاين، للاستفادة من تزامن محتمل، بين هدنة مأمولة في غزة وارساء اتفاق حدودي لبناني اسرائيلي…

في الظاهر، يبدو البيان محاولة لمواكبة المبادرة الفرنسية والحراك الاميركي، وتسهيل تدحرجها نحو آليات تنفيذ لبنانية، في الحقيقة والباطن هو اول إعلان لقوى سياسية لبنانية، برفض الصورة التي تتعامل بها دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية مع لبنان، منذ عقد من الزمن وأكثر.

الصورة الغربية غير المصرح بها، عن لبنان، لكنها واقعية، انه ليس دولة ذات سيادة، وانه في خريطة التوازنات الاقتصادية الاقليمية، لم يعد له دور او وظيفة اقتصادية اقليمية، وان مصالح الدول الغربية في الشرق العربي، يمكن ان تدار بمعزل عن لبنان ودون المرور في تعقيداته، وهذا ما يفسر انحسار الاهتمام الاوروبي التقليدي، بمسيحيي الشرق ولبنان خاصة، وان كل ما بقي من لبنان امران ؛ متراس يمكن ان يتحصن به من يريد قتال اسرائيل، وفي الظروف الراهنة ايران واذرعها المختلفة، ومخيم لاجئين يعفي اوروبا من استقبال ملايين السوريين، وأعبائهم وتداعياتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية…

العلاج الغربي لمعضلة المتراس، فهو قرارات دولية وقوات “اليونيفيل” تضمن أمن اسرائيل ولو بالحد الادنى

اما العلاج الغربي لمعضلة المتراس، فهو قرارات دولية وقوات “اليونيفيل” تضمن أمن اسرائيل ولو بالحد الادنى، وتسويات وصفقات مع ايران وجماعتها، حيث يتحول المتراس الى طاولة دلالة وبازار على اثمان متبادلة.

واما علاج استدامة مخيم اللاجئين، فهو مساعدات عينية ومالية، وبضع مليارات من الدولارات تتقاسمها أطراف السلطة الفاسدة، وتديرها مجموعات من الناشطين المدنيين و الشركات، وكلا الجهتين تتربح من عائدات النزوح، ولا تناهضه او تسعى للحد من توسعه، بل استدامته الى وقت غير منقطع!!..

هل يكفي بان تعلن فئة لبنانية وازنة، بانها لا تقبل بان يتقلص حضور لبنان ودوره ومعناه، الى متراس ومخيم لاجئين، وهو واقع مرير ومهين! ام ان الحد الادنى الذي لا يمكن التراخي تحت سقفه، هو الدفاع عن لبنان كدولة كاملة السيادة والاوصاف، وعن لبنان كوطن يلعب دورا وازنا في اقتصاد المنطقة، ويتولى وظائف جيوسياسية واقتصادية خطيرة ومفصلية.

ذلك سؤال وازن ومصيري يستحق بحثا لصياغة امور هامة عديدة:

اولها، رؤيا لاستعادة دولة فؤاد شهاب، اي دولة تستند فقط الى الشرعية الدستورية، وتلتزم سيادة القانون كل قانون، وتعيد بناء الادارة والقضاء، وهيئات الرقابة والاجهزة الامنية على أسس مهنية، مبنية على معيار الكفاءة والجدارة والخبرة والتجرد من الولاء السياسي، ف” خلاص لبنان باعتماد نتائج الامتحان”، وليس بتقاسم مواقع الدولة بين احزاب الطوائف وزعمائها، وتتبنى لغة جديدة خارج إطار سرديات الحرب الاهلية وشعاراتها وابطالها وتشكيلاتها…

الاستعصاء اللبناني اليوم واستمرار المأزق، هو استعصاء شيعي بالضرورة، ولا حل للاستعصاء الوطني الا بحل الاستعصاء الشيعي

وثانيها، يستحق توصيفا دقيقا لواقع الازمة وابعادها، وتحديد الحلقة المركزية الاقوى التي تستديم الواقع المأساوي الراهن… وفي هذا الامر فان الاستعصاء اللبناني اليوم واستمرار المأزق، هو استعصاء شيعي بالضرورة، ولا حل للاستعصاء الوطني الا بحل الاستعصاء الشيعي، ولا يمكن ادارة لبنان اليوم دون شريك شيعي متجاوب، وحل الاستعصاء الشيعي مرتبط اولا، بتغيير موازين القوى داخل الجماعة الشيعية، لاتاحة تعددية سياسية داخل الطائفة، تنفتح على تعدديات سياسية في الطوائف الاخرى…

وثالثها، تفترض وضع خارطة طريق للخروج من الاستعصاء الوطني الراهن، الى رحاب تغيير مطلوب وخارطة الطريق هذه، تتضمن ثلاثة عناوين شكلت اطارا لقيم ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩: سيادة_ مساءلة_ تعافي، وتندرج تحتها عشرات المهمات والإجراءات:

  • السيادة اولا دولة سيدة على حدودها وداخل حدودها
  • المساءلة وهي اداة للمحاسبة وإعادة البناء، ولاستتباب العدالة وسيادة القانون، وقيام سلطة قضائية مستقلة توقف فضيحة الإفلات من العقاب جزائيا وماليا.
  • التعافي الاقتصادي عبر اصلاح مالي وخطة نهوض اقتصادي واعادة هيكلة القطاع المصرفي.

ورابعها، من هي القوى القادرة وصاحبة المصلحة باعادة بناء لبنان كدولة سيدة، وبصياغة وظيفة جديدة، ودور فاعل ل لبنان في اقتصاد المنطقة…

وخامسها، ما هي نقطة البداية، وعلى اية مدماك تأسيسي تقام هذه العمارة التأسيسية؟!

هل الطريق الى معراب يتضمن اجابات عن هذه الاسئلة، ام ينبغي البحث فيها على طرق أخرى؟!

السابق
«سيدة الجبل» لدوائر القرار الدولية والاقليمية : نتمسك باحترام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني
التالي
خلف: طفح الكيل