لقمان سليم يعود الى «الدار البيضاء».. ومحبوه يُسقطون الحدود والمحرمات!

لقمان سليم

في تلك “الدار البيضاء” في منطقة الغبيري، ووسط حديقة مزهوة بالخضرة، رقد لقمان سليم منطلقاً الى مثواه الأبدي اثر عودته الأخيرة الى دارة العائلة بعد أسبوع من الغياب المفجع.

اقرأ أيضاً: إغتيال لقمان.. الدم يُقارع الحجة!

رقد الكاتب والناشط السياسي وسط ساحته وعائلته في ضريح اعتلاه نصب تذكاري من الرخام الابيض، وقد خُطّ بحروف ذهبية ببيت شعر من قصيدة للمتنبي،”وقفت وما في الموت شكّ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم”، كما أرفق هذا البيت بعبارة ” هنا يحيا في الفردوس الأعلى بطل من لبنان”.

لقمان حي دائماً
لقمان حي دائماً

مراسم غير تقليدية

يوم الخميس الحادي عشر من شباط 2021، كان يوم المراسم الوداعية للقمان، مراسم غير تقليدية، تشبه الراحل في فرادتها، حيث أقيمت صلاة اسلامية مسيحية لراحة نفسه، كان فيها من التأمل والالهام الوطني والخطاب الانساني ما حمله لقمان في حياته سعياً وراء إقامة لبنانه لا لبنان من خافوه وكتموا صوته. كما حملت تلك الصلوات بآياتها القرآنية ومجلسها الحسيني وبتراتيلها المريمية وبصلاة الأبانا والدعاء المشترك، رسالة صارخة أراد ذوو لقمان تعميمها الى ما هو أبعد من تأبين ابنهم، مفادها أن حقيقة الخلاف العقائدي هو خلاف سياسي لا ديني طالما أن المعبود واحد والقيم الدينية واحدة والانسانية جامعة.

لقمان سليم

 وبين تلك الصلوات، كان النصب ينطق بصمت بليغ كلمات لقمان وآرائه ومفاهيمه في الحق والحرية ورفض الارهاب وثقافة الحقد الطائفي وحلم بناء الدولة القوية.

معركة صامتة في دارة لقمان

دارة لقمان سليم كانت أشبه بمعركة صامته، أعلن خلالها كل من حضر حرباً شعواء بلون الغضب وطعم الألم على كاتم الصوت الذي أخذ منهم من أحبوا وصادقوا. ففي يوم الوداع الأخير استقبل لقمان محبيه ممن تحلّقوا حول ضريحه ورفعوا صوره وشعاره ” صفر خوف”. لفيف من الاصدقاء والاعلاميين والمفكرين والمثقفين والمحبين والمؤيدين والغاضبين وحتى رجال الدين، حضروا لوداعه وشحذ الأمل من المناضل لاكمال مسيرته في حرب الكلمة والموقف العالي السقف ضد المنظومة التي لا تعرف سوى لغة القتل سبيلاً لتحقيق مشروعها.

أسقط حدث تأبين لقمان سليم كل المحرمات والحدود الجغرافية المرسومة بخطوط حزبية

أسقط حدث تأبين لقمان سليم كل المحرمات والحدود الجغرافية المرسومة بخطوط حزبية، ففتحها أمام أناس كثر لم يسبق لهم أن زاروا الضاحية الجنوبية. كما فرض قواعد جديدة في تحركات سفراء الدول الاجنبية، الذين حضر منهم كل من  السفيرتين الاميركية والسويسرية والسفير الالماني وألقوا كلمات في المناسبة، في سابقة لم تشهدها أراضي الضاحية، فلطالما تجنب هؤلاء السفراء تلك البقعة ومحيطها ضمن حساباتهم الأمنية، باعتبارها منطقة خاضعة لنفوذ حزب الله الذي اضطر الى غض الطرف أمام هذا الحدث الجلل.

وبين الجموع الحاشدة، يتناهى الى السمع الآراء والتحليلات حول مصير الكتّاب وأصحاب الأقلام الجريئة، كما التساؤلات عن خطورة المرحلة وسبل المواجهة في كيفية رص الصفوف وتوحيد كلمة الثورة بدلاً من بعثرتها. وحول نصب لقمان المقام، عيون تدمع وصرخات تطلق وقلوب اسودت وآمال تلوح وتمتمات تسابق كلمة والدته الحزينة المتماسكة، كما كلمات المحبين والسفراء الأجانب، حول التحقيقات في مقتله وما إذا كانت هذه المرة ستُخرج الحقيقة الى العلن وتكشف كل المعلوم المستور قبل أن توضع الاوراق في الأدراج المقفلة.

والدة لقمان لـ “جنوبية”: لضرورة الالتزام بالقلب والعقل كمدخل للحوار والمناقشة وحتى الجدل

 والدته السيدة سلمى مرشاق وشقيقته رشا الأمير تجوبان بحزنهما العميق بين الحضور، مصغيتان الى ما تعرفانه حق المعرفة، من حديثهم عن خصال لقمان، وفكره ومواقفه الجريئة الرافضة لكل مشاريع الهيمنة والداعية الى استقلال لبنان وحريته وسيادته والمكرسه لمفاهيم الانسانية، تلك التي أكمل مسيرتها لقمان عن والده النائب الراحل محسن سليم. وهو ما عبرت عنه والدة فقيد الحرية مرشاق لـ “جنوبية” حيث أكدت على “ضرورة الالتزام بالقلب والعقل كمدخل للحوار والمناقشة وحتى الجدل، في مسؤولية بناء دولة محترمة لا مزرعة تعمها الفوضى”، مشددة على “الحفاظ على بيتها بعد تعهدها لزوجها الراحل بألاّ تهدمه بنيوياً وفكرياً”.

خلال تشييع لقمان سليم
خلال تشييع لقمان سليم

في احدى زوايا الدار وضع كتاب لتدوين التعازي، سُجلت على   صفحاته للتاريخ، رحايا الأمل وعهود البقاء على درب شهيد الفكر الانساني الحر، الذي نام نومته الابدية في قلب الضاحية الجنوبية ليبقى في صلب المواجهة.

صَمَتَ لقمان. لكن صدى صوته وصرير قلمه ومكنونات الذاكرة المُتعَبة يصدحون

خلُد لقمان الى جانب مكتبته وأبحاثه ودراساته ومقالاته وأفلامه الوثائقية ودار الجديد ومركز أمم للأبحاث والتوثيق وجمعية “هيا بنا “، رقد حيث خلًد ذاكرة البلاد وتاريخها وحروبها العبثية، وحيث قصص المضطهدين واللاجئين والمعتقلين وضحايا النزاعات والحروب الذين ما انفك يساند قضاياهم ويبعث بأصواتهم الى ما بعد المدى.

صَمَتَ لقمان. لكن صدى صوته وصرير قلمه ومكنونات الذاكرة المُتعَبة يصدحون حتى وسط سكون الليل وهمسات البشر ومكائد الحاقدين.

السابق
«كورونا» يواصل حصد الأرواح في لبنان: كم بلغ عدد الاصابات والوفيات اليوم؟
التالي
لم يمتلك المال الكافي للعلاج.. رحيل مرير للفنان المصري علي حميدة بالسرطان