إغتيال لقمان.. الدم يُقارع الحجة!

لقمان سليم

إغتيال لقمان سليم حمّال أوجه. والوجه هنا يعني القراءة لخلفيات الاستهداف ، الذي اودى به على نحوٍ خطيرٍ مرفوض، ومدان بشدة. فالقول بأن فعل القتل قد جاء لمجرد الانتقام العنفي لشخصية قد اقتربت من الخطوط الحمر، التي يُرد عليها بالعنف المادي المباشر بعد أن عجز العنف المعنوي عن تحقيق الغرض أي الردع والاسكات، هو تحليل منطقي، أو أن القتل جاء في سياق الاغتيال السياسي المباشر، الذي يسعى في كل زمان ومكان الى تكريس غلبة الخطاب الالغائي الذي يعجز عن مقارعة الحجة بالحجة، فهو أيضا يأتي في سياقه الطبيعي، وهناك الكثير من أوجه الاحتمالات التي يمكن أن تؤخذ في الاعتبار.

اقرأ أيضاً: بعدسة «جنوبية»..تشييع لقمان سليم في حديقته وبين محبيه

إنما كل تلك التحليلات لا يمكن أن تخرج عن كون واقعة الاغتيال نفسه قد استهدفت الدور الذي كان يلعبه لقمان سليم كمعارض، يملك ما يملك من القيمة الفكرية والثقافية والرأي الحر، الذي استطاع أن يمزجهم بشجاعة لا حدود لها، حين رفض أن يضع في حسبانه الخطر الوشيك الذي قد يتعرض له، فظل يتنقل كفرد عادي دون حماية امنية تذكر، في حين كان يتخذ المواقف الجريئة من خلال تصريحات لها تاثير من نوع خاص، وفيها من النقد المباشر والصريح بسقوف عالية جدا، حيث كان دائما يردد بسخرية أنه لا يحب النميمة السياسية بحق من ينتقدهم، ما جعل منه خصما شريفا يُصرح بما يراه ويقتنع به دون خوف او مواربة. يمكن هنا إعطاء العينات الواقعية عن المقصود باغتيال الدور، فسمير قصير وجورج حاوي، وجبران التويني وبيار الجميل ومحمد شطح، كل هؤلاء تم استهدافهم لأنهم شخصيات قادرة أن تعلب الدور المؤثر الذي لا يمكن مواجهته الا بقرار الازاحة الجسدية عن المشهد الوطني السياسي.

ميزة الوضوح في الخصومة المشروعة التي أصرّ عليها لقمان سليم في كل تصريح او موقف اشتدت وضوحا بعد موته، فتداعيات الاغتيال شكلت استكمالا للحيوية الفائضة لدى لقمان سليم، رافضة أن تتقوقع في الاطار القانوني القضائي الذي له ميدانه الخاص، فمن أعطى لنفسه الحق في تخوين الاخرين وممارسة اقصى مراتب العنف المعنوي، تجلت في اقتحام منزله وتهديده تصريحاً لا تلميحا ً دون أي اعتبار للتبعات التي يفرضها القانون، يكون هو نفسه من مهد الطريق للفكرة القائلة بأن طرفي المعركة معروفان ومعلنان، وأن الاتهام بالتخوين الذي مورس قبل الاغتيال سيقابل بالتصويب المباشر والاتهام في السياسة بعد الاغتيال.

اغتيال لقمان سليم هو اغتيال الدور الحيوي المستشرف المحصن بتجربة يومية

إن الحالة الديقمراطية والثقافية التي شكلها لقمان تجاوزت السياسة بمعناها المحلي الممجوج، بحيث لم تكن يوما جزءاً من الصراع الداخلي بل ناقدة لها، بمعنى أخر لم يستطعْ أحدٌ من القوى المحلية أن يوظفها لحسابه او اجنداته، كان حراكه محصناً امام شبهة السلطة وتوظيفاتها، ميدانه كان الحراك الثقافي الذي وأن سيأخذ وقتاً ومساراً على المدى البعيد، الا ان تأثيراته حتماً ستفرض نفسها لاحقاً تغييراً في الثقافة السياسية، ليس في البيئة القريبة له بل بالبيئات الأخرى. لقد ملء الشهيد لقمان وعاءً من صدق المواقف ما عزز حضوره وتأثيره اكثر بكثير ممن يملك السلطة السياسية وادواتها. فالخطاب الذي كرسه في معرض توجيه مواقفه تفوق إعلامياً وثقافياً ووطنياً، فهو أولاً يمتلك المقدرة اللغوية كصاحب مفردة في اللغة العربية مع أسلوب في الحديث مقنع جداً، بحيث يبدي وجهة نظر متماسكةً مضافاً اليها ميزة التواصل والحوار. إنه المواطن اللبناني المحلي المنتشر خارجياً، والمتابع من المشاهد العربي الذي استطاع أن يضعه لقمان في صلب السياسة اللبنانية، ببعدها الاقليمي من خلال نقده ورفضه للمشروع الإيراني التوسعي، رابطا ما بين الحراك الشعبي العراقي بثورة 17 تشرين في لبنان، فمن وجهة نظره إن كل ما سيحدث في العراق سيجد صداه في لبنان والعكس صحيح.

الحالة الديقمراطية والثقافية التي شكلها لقمان تجاوزت السياسة بمعناها المحلي الممجوج، بحيث لم تكن يوما جزءاً من الصراع الداخلي بل ناقدة لها

اغتيال لقمان سليم هو اغتيال الدور الحيوي المستشرف المحصن بتجربة يومية، وبعد نظر يظهر من خلال تحليلاته التي تصل بقليل من الكلام الى كثير من الوقائع. لقمان لا يملك الحشود الشعبية القادرة على إحداث فتنة رداً على مقتله، قوته كانت أنه يعرف أين تكمن قوته التي يجهلها على ما يبدو من قام بعملية الاغتيال الاثمة.

قصارى القول، إن عدم التحفظ في ردات الفعل الشاجبة لاغتياله كان شديداً ومباشراً، كشف مكانة المغدور وحضوره الفاعل قي يوميات الشعب اللبناني، وشكل دعامة لمسار من تحدي الخوف ورفض لتكريس منطق الرصاص ضد منطق الحوار والكلمة، الذي ظهر جلياً لحظة انتشار خبر اغتيال لقمان سليم، الذي سوف يستمر بزخم اكبر واكثر صراحة وجرأة. فقد كان هناك لقمان واحد، والان أصبح هناك مئات ينطقون بلسانه ويقولون بقوله، فمن هو القادر على الغاء كل هؤلاء.

السابق
لقمان سليم لم يتعرض للتعذيب..وإجتماع أمني جنوبي لمتابعة التحقيقات!
التالي
«حزب الله» يدين اغتيال سليم.. ويهدّد بالملاحقة!