من كان يصدق ان شيئاً يجمع حزب الله بـ«أعدائه»

بين تبريرات دخول حزب الله الحرب السورية وتبريرات الإدارة الأميركية في إجتياح العراق عام 2003 وجوه شبه عديدة، وأهمّها أنّ الطرفين دخلا الحرب وحجتيهما واحدة: أن يبعدا عن بلاديهما خطراً كان سيدخل داريهما لو لم يشنا الحرب الإستباقية.

أعيش في المكان الصحيح والأكثر سوءاً في الوقت عينه، هذا المكان الذي يحاذيه بحر جزيرة قبرصية تصرّح اليونان أنها من أملاكها الخاصة، وعلى بعد أميال توجد إيطاليا، الملاذ الكئيب للاجئين الهاربين من الحرب القائمة هنا. يحمل كتاب أطلس تفاصيل دقيقة حول الساحل الممتد على طول البحر المتوسط، من أطراف إسكندرون التركي وصولاً إلى يافا، غير أنه خالٍ من هوامش تتناول أسماء القواعد العسكرية المنتشرة على طوله. من يعلم كم عددها؟ أو ما هو الدور الموكل إلى السفن التابعة لقوات اليونيفل قبالة شاطئ صور والناقورة، فأهلاً وسهلاً بكم في الشرق الأوسط.

اسرائيل لم تُردع واستمرت طائراتها الحربية بالتحليق فوق جنوب لبنان والبقاع وبدوره ذهب حزب الله إلى الداخل الفلسطيني مرتين وآلاف المرات باتجاه سوريا

تتزايد قصص الخروقات والحاجة الدائمة إلى قوة دولية. نموذج من القوة يمنع عناصر حزب الله من تخطي الحدود، وتدمير ناقلة جند عسكرية تابعة لإسرائيل وفي الوقت عينه تردع اسرائيل عن تكرار خروقاتها واعتداءاتها على لبنان. لكن اسرائيل لم تُردع واستمرت طائراتها الحربية بالتحليق فوق جنوب لبنان والبقاع وبدوره ذهب حزب الله إلى الداخل الفلسطيني مرتين وآلاف المرات باتجاه سوريا.

بعد قرار اجتياح العراق، عبرت البوارج الحربية الأميركية مضيق هرمز متوجهة إلى هنا. جاؤوا لتعليمنا الديمقراطية، إذ كان ثمة أمل لتعليمنا اياها وعودة السلام. حينها قامت أغلب الإذاعات ووكالات الأخبار العالمية بشحذ همة الجيوش القادمة بكامل عتادها وعدديها وتطميننا. ما فعلناه في الفيتنام وأفغانستان لن يتكرر. نحن قادمون من أجل التخلص من الدكتاتور، مدمر العراق على مدى عقود من الزمن. يا لها من أخبار سارة. وبطبيعة الحال، صدق العرب النبؤة الأميركية. ومن سلوكياتهم تصديق كل شيء.

حرب العراق

سنتان وأرسلت إدارة بوش مساعدة وزير الخارجية للدبلوماسية العامة في الشرق الأوسط كارين هيوز. كانت غايتها التوضيح إلى هذه الشعوب المتخلفة أنهم لا يفهمونها على نحو حقيقي وأن حكومتها تحبهم.

إن معظم الأشخاص المولعين بخوض الحروب يحلمون ويتقدمون في حروبهم وهذا يبرر ما حصدته جحافله من أرواح داخل القصير السورية

لطالما اهتم حزب الله بالتعبير عن حبه للشعب السوري، لقد ذهب إلى أرضهم بدافع «محبتهم» ومن أجل «حمايتهم» من الإرهابيين والمتأسملين، ومن الضروري لديه تذكير الملتحين المتواجدين في ريف دمشق كيف يكونوا ديمقراطيين. كانت السيدة هيوز ترمي إلى شيء شبيه لهذه الفكرة، تعليم سكان لبنان وسوريا والعراق والأردن ومصر المتخلفين، وإعطائهم دروس حول حرية يفتقدونها. كذلك الأمر في ما يتعلق بـ«من يريد محاربة حزب الله فليحاربنا في سوريا». برر بلير دخول جيشه إلى العراق بأنه ذهب إلى معقل الإرهابيين قبل أن يأتوا إلى وطنه. بمن يذكركم هذا الكلام؟ مؤكد بـرجل متهور اسمه حسن نصرالله.

من غير المجدي ان يخبرنا السيد نصرالله أنهم «لن يقدروا على ضرب سوريا» وأن «سوريا ستصمد بجيشها وشعبها وقيادتها»، إنهم نجحوا في تدمير سوريا وفي تقليب الرأي العام العالمي ضده. كانت الفيديوهات المسربة – بداية الثورة – من داخل السجون السورية كافية حيث يظهر فيديو كيف يقوم جندي سوري بتمزيق رؤوس من اعتبرهم ارهابيين وهو يرطم وجوههم بعنف نحو الحائط والدم يسيل في كافة ارجاء الغرفة.

لقد تم التعامل مع الفيديوهات بأسلوب مثير للشفقة. لقد امتلأ الانترنت بمشاهد لعناصر حزب الله وهي تقتحم المدن والقرى السورية بعد نداء يا «زهراء» ويا «زينب» وكأننا أمام اقتحام مواقع اسرائيلية. إن سوريا لا تشبه اسرائيل، إذ أن المقاتلين الغيورين على أبناء بلدهم، ـ المتنوعين بين دروز ومسيحيين وسُنّة ـ وعلى وحدة أرضهم القادمين منها؛ يمزقون أعدائهم بعد هتافات طائفية. وأين؟ إنهم يغزون أرض شعبٍ شقيق كما يقول قائدهم ويقتلون كل فرد تصفه الحكومة السورية بالإرهابي ويريدوننا أن نقتنع بعدم وحشيتهم، على الرغم من مساندة عدد كبير من رجالات الدين الشيعة من قم إلى النجف، مركزا ثقل هذه الطائفة. أنقول الأمر نفسه على جبهة النصرة السنية التي تمركزت في أكثر من تلة عند الحدود اللبنانية؟ أشك في ذلك.

من المؤكد أن جبهة النصرة تختلف عن حزب الله. فهو لم يجلد النساء في الساحات العامة ولم ينفذ أحكام الإعدام بحق المخالفين للتعاليم القرآنية وأحاديث محمد، لكنه يتمتع بسيرة ذاتية مهمة كذلك. فهو كان قد وزع سابقاً ـ أوائل الـ82 ـ منشورات يهدد فيها النساء السافرات في حال استمروا على سفورهن وطالبهن بارتداء الحجاب، ويحذر المواطنين من خطورة شراء البضائع الأميركية، زاعماً أن أرباحها تستخدم في تسليح الجيش الاسرائيلي مقوض السلام.

ومما لا شك فيه أن السيد نصرالله يؤمن بالسلام، فهو لا يكف عن إخبارنا عن السلام. ولو أنه لم يكن كذلك، فما الذي يفعله الآن جيشه داخل سوريا؟ وعلى ما أظن، لقد راوده حلم دفعه للمضي قدماً في حربه كما حصل مع السيد بوش.

غايتها التوضيح إلى هذه الشعوب المتخلفة أنهم لا يفهمونها على نحو حقيقي وأن حكومتها تحبهم

إن معظم الأشخاص المولعين بخوض الحروب يحلمون ويتقدمون في حروبهم وهذا يبرر ما حصدته جحافله من أرواح داخل القصير السورية. لقد حلم صديقي المؤيد لحزب الله بأنه رأى نصرالله بأبهى حلة له وهو يلقي خطاباً بجموع “مؤمنة” من داخل مسجد كبير في دمشق، ثم استيقظ عند الساعة الرابعة فجراً وكان صوت آذان مسجد الإمام الرضا الكامن في بئر العبد يأكل الصمت، مكتشفاً أن نشوة الغبطة التي عاش داخلها أثناء نومه كانت مجرد انبعاث حلم. حتى هيوز حلمت بعالم أفضل للمرأة والأمومة، ففي أغلب جولاتها في الشرق الأوسط رَجَت أن نفهم جمال تحول العالم إلى مكان آمن لكل أم. صدقوا هذا. اُخذ بلير بالأحلام أيضاً. عودوا إلى مذكراته؛ الحلم بعراق جديد وحلم القضاء على الحكومات الديكتاتورية والقاعدة وطالبان ومنع الحكومة الباكستانية من اقتراف خطأ في السياسة وتقدير المصالح المشتركة، ولم تتوقف هواجس الأحلام عن ملاحقته حتى بعد توليه منصب مبعوث سلام في الشرق الأوسط.

سمعت مرة شخصاً يصرخ على شاشة التلفاز «إن ما تفعله جبهة النصرة مقزز ومقرف ومخيف وهو نفسه ما فعلته الجيوش الغربية في أكثر من مكان في الشرق الأوسط وعلينا ان نردعه بأجسادنا وأرواحنا قبل أن ندفع ثمن خمولنا عن محاربتهم». وعلى ما يبدو فإن ثمن الخمول والحرب في الأعوام المقبلة سيكون باهظاً.

السابق
لاجئات الزلزال صيدٌ لشبكات الدّعارة
التالي
العميد نقدي: الحصار على اليمن اكبر فضيحة لحقوق الانسان في القرن الـ 21