عن «دعاية» الحقوق العونية!

التيار الوطني الحر
لبنانيون كثر يطالبون بإعادة تعريف منظومة الحقوق، التي تتصدر النقاش السياسي وفقا للمعيار العوني، الذي حصر المسألة بحقوق جزء من الطائفة التي يمثلها، مع انه يشاكس في الحياة السياسية من خلال التعريف بنفسه على انه تيار وطني حر.

لإصرار العوني على تلك الحقوق يدفعنا للدعوة لاعادة تعريف كلمة وطنية، لا  لكي نثبت  تهافت السلوك المتناقض بين وطنية ملتبسة وطائفية متعجرفة، تلوث كل حراك سياسي يعتبره العونيون خطرا عليهم، بل لتحصين تلك العبارة من الاستعمال الرخيص. فاختصار معاناة اللبنانيين،  برفع المطالب الطائفية  لجعل مناصريهم ينظرون بعين الرضا، لاداء رئيس الجمهورية وصهره المتفرد، بعد تلك السلسلة من النكبات السياسية والاقتصادية التي أوصلت الى شفا الدولة الفاشلة.

المنهج العوني في تسخيف الخصوم والتقليل من قيمتهم السياسية، ومستندين في ذلك على اعتبار انفسهم انهم القدوة الوحيدة، في ادعاء السيادة والاستقلال ومحاربة الفساد دون منازع، تزامن ذلك مع عودة الجنرال بصفقة مع خصومه، الذين نفوه طيلة 15 عاما الى الخارج، فاستقر في مواقع خلف خطوط الحلفاء الذين اختلفوا مع الوصاية السورية قبل استشهاد رفيق الحريري، فمكث الحراك العوني بين منزلتين، الأولى انتظارية كي يغير البوصلة، كون التكويعة التي قام بها ميشال عون تتطلب انتقالا تتقدمه اجندة تمويهية، لحصر التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد وكل تلك العدة الدعائية بالتيار العوني، فاستعان أولا بمقولة الوطنية، حيث قام بابراز عدد من الطامحين ببعض الطوائف، فاتحا لهم المجال من خلال الاطلالات الإعلامية، كي يحصلّوا “مصداقية” التي تمنحها الشهرة التفزيونية، وبالتالي إعادة تجييرها لصالح التيار.

اقرأ أيضاً: كتاب مفتوح إلى بايدن وماكرون: الأمن والسلم مهددان في لبنان!

فبعض الشعب يعتبر كل من يخوض في مقابلة تلفزيونية انه صاحب رأي مؤثر. انه تأثير الشهرة الناتجة عن تفاهتين: الأولى سطحية، تفكير الجمهور وسرعة تاثره من خلال برامج “التوك شو”، اما الثانية،  فتتمثل بغياب الثقافة السياسية،  التي تلعب دور المناعة ضد الانقياد الاعمى خلف الاقاويل والترهات.

وبما ان الكثير من القوى السياسية في لبنان جسمها لبيس، استطاع العونيون في حشر حلفاء الامس خصوم اليوم، في زاوية الفساد من خلال مقولة انهم شاركوا في السلطة منذ 1990 حتى تاريخه، وهذا القول فياضٌ في الدلالات التي جعلت  الخطاب العوني، اقرب الى طهرانية تفتقد الطهارة، ورؤية تفتقد المصداقية: انها الدعاية السياسية التي تسعى للنيل من الخصوم للجلوس مكانهم، لا لتكريس التغيير الحقيقي. هذا مع العلم، ان كي تتم المساءلة الجدية والشاملة من خلال  التدقيق الجنائي، يجب ان تبدأ من العام 1988 الى الآن. 

استطاع العونيون في حشر حلفاء الامس خصوم اليوم في زاوية الفساد من خلال مقولة انهم شاركوا في السلطة منذ 1990

ان العونيين مثال ساطع على هزال الفكر السياسي في لبنان، فشرذمة منهم تتظاهر احتجاجا على الاوضاع، وهم موجودون في السلطة بكل تفاصيلها، فضلا عن تواجدهم في حلف سياسي مهم، ومع ذلك يحرّفون بوصلة المحاسبة، فبدلا من مسائلة قيادتهم عن خياراتهم السياسية ومحاسبتهم على النتائج الصفرية، نراهم يحاسبون الاخرين متسلحين بمقولاتهم السياسية الركيكة والمعتادة: “ما خلونا” وحقوق الطائفة، التي استقرت حقوقا للعائلة والتيار.

العونيون مثال ساطع على هزال الفكر السياسي في لبنان

اما فقدانهم حس المسؤولة، فقد تجلى في رفضهم لاتفاق الطائف دون تقديم اي فكرة تصلح للمناقشة، سوى القول انه سلب صلاحيات رئيس الجمهورية، مع ان الواقع يكذب تلك المقولة.

فرئيس الجمهورية لا يزال شريكا في السلطة وصاحب اليد الطولى في ذلك، فها تشكيل الحكومة يقف على توقيعه، وها مرسوم التشكيلات القضائية  يقبع في الادراج بعد ان رفض توقيعه. فلسنا هنا في صدد تقديس اتفاق الطائف، فكل نص معرض للتعديل وكل نص قابل للنقاش، انما مسألة اتفاق الطائف تدخل في الحساسية اللبنانية، التي تتطلب نسبة مرتفعة من العقلانية السياسية المترفعة عن المصالح الضيقة.

رئيس الجمهورية لا يزال شريكا في السلطة فها تشكيل الحكومة يقف على توقيعه ومرسوم التشكيلات القضائية  يقبع في الادراج بعد ان رفض توقيعه

فالتعاطي مع الاتفاقات ما بعد الحروب والنزاعات، مسألة غاية في الخطورة ولا يمكن مقاربتها في خضم صراع سياسي على المصالح الحزبية لا الوطنية، وكون اتفاق الطائف هو من قبيل تلك الاتفاقات، الذي جاء بعد حرب اهلية اكلت الاخضر واليابس، يصعب الحديث عن تغييره قبل تطبيقه كاملا، لتعيين مكامن الخلل فيه انطلاقا نحو الدولة المدنية، دولة الحق والمؤسسات.ما وصل اليه لبنان يعود اولا، الى حقيقة ماثلة في علم السياسة، ان تجاوز سلطان  الدولة واجهزتها من قبل احزاب طائفية، يعني ان التماسك السياسي لم يعد موجودا، وان اي هزة سياسية او اقتصادية او اجتماعية، ستكشف الواقع كما هو، وها نحن نعيش لحظة انكشاف عجّل فيها الاداء الارعن لهذا العهد وصهره المتهور.

السابق
تدهور الحالة الصحية للفنانة دلال عبد العزيز وهذا جديد الوضع
التالي
إليسا رداً على منتقدي حفل الرياض: «شفنا العز أيام السعودية وعم نشوف الذل أيام إيران»