كتاب مفتوح إلى بايدن وماكرون: الأمن والسلم مهددان في لبنان!

الثورة اللبنانية

تحيّة إحترام وبعد، ربّما أنّ الرّئيس ايمانويل ماكرون الشّاب، لا يعرف شيئاً عن لبنان قبل عام 1975، عندما بدأت الحرب الأهليّة فيه. وبالطبع، هو لا يعرف شيئاّ عن إتفاق القاهرة المشؤوم لعام 1969. لكنّني آمل أنّ الرئيس جو بايدن الذي ندعو أن يمدّ الله بعمره، ما زال يذكر أنّ لبنان كان يسمّى “سويسرا الشرق”. لبنان الذي كان قبلة العالم الغربي والحرّ وكل الهاربين من الإضطهاد في الدول الديكتاتوريّة المجاورة، وكان ملجأ العائلات اللّاهثة لتقديم أعلى مرتبات العلم لأبنائها، أو السّاعية لأفضل مستشفى طبّي في هذا الشّرق، أو الرّاغبة بمعرفة معنى الإنفتاح الثّقافي، والتمتّع بحرّيات الإنسان ونعم الله الطبيعيّة والتاريخيّة فيه. 

إقرأ أيضاً: علي الأمين في «المؤتمر الوطني اللبناني»: على الإنتفاضة الإنصراف الى انتاج قيادة بديلة!

هل نسيتما أنّ لبنان كان الجسر الثّقافي لكما لولوج العالم العربي؟ هل نسيت سيد بايدن أنّ المدرسة الإنجيليّة التي تأسست فيه عام 1862، تحوّلت إلى أهمّ جامعة أميركيّة في الشّرق. وقد قال روبيرت كينيدي في الستّينات، أنّ عدد الخرّيجين منها من العاملين في الأمم المتّحدة، زاد عن عدد الخرّيجين من أيّة جامعة أخرى في العالم، بما في ذلك هارفرد؟ هل نسيت سيد ماكرون أنّ بيروت كانت مركز الإشعاع للفرنكوفونيّة في هذا الشّرق؟ هذا عدا المدارس والجامعات الأخرى، التي نقلت التّراث الثّقافي لكلّ الحضارات الأخرى في العالم، كجامعة البلمند في الكورة التي ضمّت طلّاباً من كلّ أنحاء العالم، والجامعة العربيّة وهايكازيان الأرمنيّة وغيرها؟

هل نسيتما أنّ لبنان الدّيموقراطيّة والحريّات العامّة كان مدخلكما إلى العقل العربي؟

هل نسيتما أنّ لبنان الدّيموقراطيّة والحريّات العامّة كان مدخلكما إلى العقل العربي، وأنّ مصارفه كانت الطريق لأموال العرب إلى مصارفكم؟ وأنّ شواطئه وجباله وسهوله المزروعة، شواهد للتّحوّل البشري ومعالمه التاريخية منذ الفينيقيّين قبل خمسة ألاف سنة، كانت قبلة العلماء والباحثين واللّاهثين خلف أسرار الطّبيعة والتّاريخ والإنسان؟

هل نسيتما أنّ العهد القديم أشار إلى لبنان وأرزه أكثر من خمسة وسبعين مرّة، وأنّ أرزه كان أغنية الكتب السماويّة، وركيزة صناعة السّفن التجاريّة التي مخرت البحار كأوّل إشارة إلى أهمّيّة التّجارة للسلام العالمي؟ ثمّ هل نسيتما ما قاله القدّيس يوحنا بولس الثّاني إبن بولونيا عام 1997، بأنّ لبنان هو أكثر من وطن وأنّه رسالة للبشريّة؟ وهل نسيتما أنّ أسلافكما ولا سيّما الرّئيسين جورج بوش الإبن ونيكولاي ساركوزي قالا في مؤتمرهما في واشنطن عام 2007، بأن لبنان حاجة للغرب الدّيموقراطي؟ ألم يقل الرّئيس بيل كلينتون في مؤتمر دالاس عام 2015 عن القيادة، بأنّ نجاح القيادة في واشنطن، يعني القدرة على المساعدة في إعادة الإستقرار لهذا الوطن الصّغير، النّموذجي في الشّرق الأوسط؟ 

صاحبا الفخامة،

لبنان إلتزم اتّفاقية الهدنة مع إسرائيل منذ عام 1949. هو لم يدخل في أيّ حرب ضدّها بعد ذلك. لماذا عليه أن يستمرّ بدفع هذا الثّمن الباهظ من إنسانه وكرامته ودوره ومستقبل أبنائه؟ سيّد بايدن، لبنان شارك مع الرئيس روزفلت في إنشاء الأمم المتّحدة عام 1945. كما شارك مع السيّدة روزفلت في كتابة شرعة حقوق الإنسان عام 1948. فهل يجوز أن يُترَك لعذاباته بهذا الشّكل المقيت؟ سيّد ماكرون، لبنان شارك في إنشاء مجموعة الفرنكوفونيّة وكان معكم منذ ألف سنة، وطوال تلك الحروب العديدة، لإقامة هذا الشّرق. أنتم من ساهم في إقامة لبنان الكبير. فكيف تتركونه الآن لمصير الظّلّاميين الأسود؟ 

اللّبنانيون في بلديكما ساهما مساهمة ناشطة وفاعلة في تقدّمهما وازدهارهما، فهل يجوز أن تديرا الظّهر لأهلهم في وطنهم الأم؟

لبنان ليس الآن خيارا بين إسرائيل وغيرها. لم تعد المسألة تتعلّق بأمن إسرائيل وبقائها، بل أمنها وبقاؤها صارا مرتبطين إرتباطا كبيرا بأمن وبقاء لبنان الوطن. المسألة الآن هي بين حياد لبنان الإيجابي واتفاق الهدنة، وبين إيران التي تهدّد دول الشّرق الأوسط برمّته، وليس إسرائيل فحسب، وتسيطر عليه وتحتلّه من خلال سلاح حزبها في لبنان. أيّ بلد في العالم يقبل أن يخضع لحزب يتباهى كلّ يوم بأنّه تابع لدولة أجنبيّة فكرا وسياسة ومالا وسلاحا؟ أليس هذا الأمر قمّة الخيانة الوطنيّة والعمالة في مفاهيمكم القانونيّة الوطنيّة والدوليّة؟

هل المطلوب صفقة على ظهر وطننا وشعبنا، إرضاء لرغبات إسرائيل في بعض مياهه ونفطه

ما هو المطلوب؟ هل المطلوب صفقة على ظهر وطننا وشعبنا، إرضاء لرغبات إسرائيل في بعض مياهه ونفطه؟ ألا يجدر بكما أن تدافعا أوّلا، عن القيم التي قامت عليها بلداكما وزرعتماها في ميثاق الأمم المتّحدة؟ تساهلكما بهذا الشّأن دفع روسيا وسوريا إلى التمدّد في مياه لبنان الإقليميّة ونفطه في الشمال. صفقتكما ستؤدّي إلى نهاية لوركما، فمن يزرع الريح يحصد العاصفة.

كلّ الذي نطلبه منكما أن تقودا مجلس الأمن لاستكمال تنفيذ قراراته بشأن لبنان. أنتما تقودان قوّات الطّوارئ اليونيفيل، فأكملا دورها لتحرير لبنان وفقا للقرار 1701 وما قبله، ومساعدة شعبه للإتتقال إلى الحالة الطبيعية. شعبنا لديه كلّ القدرات اللّاحقة لإعادة لبنان إلى قمّة دوره وازدهاره. هذا القرار هو استكمال لاتّفاق الهدنة، وعليه فإنّه منبثق من الفصل السابع المادة 40 من الميثاق،  التي نصّت عليها صراحة تلك الإتّفاقيّة التي يلتزم لبنان والأمم المتّحدة بها. وهذا يعني استخدام صلاحيّة مجلس الأمن، لتحويل قوّة الطّوارئ الدوليّة إلى قوّة فاعلة تنفيذيّة تحقّق القرارات المتّخذة ولو بالقوّة.

لبنان يناشدكما التدخّل. واجبكما حماية الأمن والسلم الدّوليين المهدّدين في لبنان

لا تقولا هذا أمر مستحيل. لا أبدا. نحن نتمنى أن لا تعترض روسيا أو الصين على مثل هذا القرار في مجلس الأمن. لكن إذا اعترضتا فهناك القرار 370 “الإتّحاد من أجل السلام” لعام 1950، الذي يسمح للجمعيّة العامّة باتخاذ القرار. هل نسيتما كم مرّة استخدمتما هذا القرار في صراعكما مع الإتّحاد السّوفياتي؟ إنّ أوّل قوّة للأمم المتّحدة في لبنان عام 1958، كانت وفقا لهذا القرار، أليس كذلك؟ 

لبنان يناشدكما التدخّل. واجبكما حماية الأمن والسلم الدّوليين المهدّدين في لبنان. واجبكما حماية حقوق الإنسان المنتهكة بأقصى حدّ في لبنان. واجبكما حماية النّظام الدّيمقراطي في العالم، وهو مهدّد في لبنان بأوضح شكل. واجبكما حماية شعب قدّم لكما عبر التّاريخ كلّ الخدمات لنشر قيمكما، فلا تخذلانه في هذه المحطّة المصيريّة.

السابق
المؤتمر الوطني اللبناني يستأنف فعالياته غداً
التالي
لبنان يخسر دانيل عبد الخالق.. شيخ الثورة والإعتدال والحوار!