النزوح السوري بين الحلول و«العنصرية»!

النزوح السوري

ثمة مشاكل حقيقية يواجهها لبنان، المثقل بأعباء الازمات والمشاكل الكُبرى، التي يُعاني منها على مدار سنوات، ومن السلطات المتعاقبة، والتي هي وليدة هذه الطبقة السياسية الحاكمة، منذ ما بعد الطائف، التي اظهرت عجزها لا بل عقمها، في التوصل لحلولٍ جذرية لمشاكل وازمات لبنان.
ازمة النزوح المتفاقمة، لم تكن لتصل الى ما وصلت اليه اليوم، لو تسنى للبنان رجالات دولة، تحكم وفق الدستور وما تقتضيه القوانين، من مساراتٍ سياسية يمكن من خلالها، الوصول الى حلول ناجحة وناجعة في آن.

لو تسنى مواجهتها ومعالجتها بمسؤولية ووحدة موقف ما كان لبنان ليصل الى ما وصلت اليه اليوم من ازمة حقيقية


النزوح السوري الى لبنان، ومنذ ان بدأت الثورة السورية في العام ٢٠١١، لو تسنى مواجهتها ومعالجتها بمسؤولية ووحدة موقف، ما كان لبنان ليصل الى ما وصلت اليه اليوم من ازمة حقيقية، تطال جوهر مشكلة لبنان في وجوده، وإمكانية بقائه، فحين طرح البعض إقامة مخيمات للنازحين على الحدود مع سوريا، وتأمين وتوفير الحماية والمراقبة الامنية مع كل متطلبات الحياة، لكان الوضع مختلفاً جداً ، لكن كباقي الملفات التي تُدار بذهنية المحاصصة، وكيفية الاستفادة في الحصص وتوظيف الازلام والمحاسيب، وبوسائل وتصريحات شعبوية وعنصرية في بعض الاحيان، دون وجود ادنى متطلبات وحدة الموقف، في هكذا قضايا ملحة وطارئة تُهدد الكيان واهله.
واليوم وبعد ان تفاقمت الازمة واصبح انتشار النازحين على مختلف الاراضي اللبنانية، وتحولت بعض المخيمات الى بؤر تحوي بعض الارهابيين، وما يتسرب من معلومات عن تخزين اسلحة وعتاد حربي، ومنهم من هو مرتبط بتنظيمات ارهابية، والبعض الاخر من ازلام النظام، ففي كلا الحالين يُشكلان ازمة وجودية للبنان.
اذن، لم يعد الحل ممكناً، وفق اساليب السلطة السياسية، وما تقوم به من آلاعيب ومسرحياتٍ سمجة، تُطيل الازمات ولا تجد لها حلولاً.
فالمطلوب البحث عن حلولاً علمية تُراعي مصلحة لبنان وشعبه قبل أي شيء، فيجب النظر للنازحين بشيءٍ من الواقعية، وعدم النظرة لهم بفوقية وعنصرية، بل بنظرة علمية واضحة، وفق تصنيف عملي، يُراعي الحقيقة من خلال تصنيف النازحين.
فالنازحون ليسوا كتلةً واحدة ولا من بيئة واحدة، بل هم متنوعون كباقي شعوب الارض. فمنهم رجال اعمال يُفيدون الاقتصاد الوطني، ومنهم من خسروا ودائعهم وهي كبيرة في المصارف اللبنانية، ومنهم عمال موسميين كان بعضهم يُقيم في لبنان، ما قبل الازمة بعشرات السنين، ويحتاجهم الاقتصاد اللبناني في بعض المهن والحرف، كقطاعي البناء و الزراعى منذ عشرات السنين.

لم يعد الحل ممكناً وفق اساليب السلطة السياسية وما تقوم به من آلاعيب ومسرحياتٍ سمجة


كما من بينهم النازحين الأمنيين من المناطق السورية، نتيجة بطش النظام بكل معارضيه، وهؤلاء يجب على المنظمات الدولية، ان توفر لهم الرعاية، كباقي اللاجئين والنازحين في كل اصقاع الارض. اما النوع الاخر وهم من نزحوا نتيجة الوضع والازمات الاقتصادية التي يُعاني منها النظام السوري.

هذا التصنيف يُسهل على الدولة اللبنانية، ان تحضر ملفاً متكاملاً لعرضه على كل الدول والمنظمات، المهتمة برعاية النازحين وتوفير الامن والسلام لهم.
هذا الامر يتطلب وحدة بالموقف اللبناني لاتخاذ القرار الصائب والسير به، على ان لا تُلقى كامل اعباء ملف النزوح على الاجهزة الامنية، والتي تقوم بمهامها على اكمل وجه، وفقاً لامكاناتها البشرية واللوجستية، والتي لها الحق بالاستفادة من كل الهبات والمساعدات التي تأتي للبنان، لتقوم بكامل متطلبات حفظ امن اللبنانيين والنازحين على ارضه.

هذا الامر يتطلب وحدة بالموقف اللبناني لاتخاذ القرار الصائب والسير به

يضاف الى ذلك، ضرورة سلوك مسار عملي وعلمي مع المفوضية السامية لحقوق النازحين، وان تقوم العلاقة معها على الندية، لان عملية النزوح تُلقي باعبائها على لبنان كل لبنان، هذا الامر يتطلب مباشرة السلطات مجتمعة من بلدية وامنية وسياسية، لإجراء إحصاء فعلي وحقيقي على الارض، لمسح مناطق انتشار النازخين والاطلاع على كافة المعطيات، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب في ترحيل من تنطبق عليه شروط الترحيل الى بلاده، والتي فيها مناطق آمنة، وخصوصاً النازحين الذين يذهبون ويعودون لبلادهم بشكل منتظم، كما انه يجري التنسيق مع المفوضية وباقي الدول، في ترحيل الاخرين لبلد ثالث، كي لا يتحمل لبنان وحده الجزء الاكبر من الازمة، في ظل ازماته المتلاحقة والصغبة وعلى كل المستويات.
إذن، مطلوب مقاربة علمية وسياسية بوضوحٍ تام وعقلانية، تعود على لبنان والنازحين بحلولٍ متكاملة وليست مجتزأة.

السابق
لبنان وفلسطين ضحية «المُتحكمين».. و«قواعد إشتباك» إسرائيل!
التالي
متأثراً بجراحه.. حزب الله ينعى مقاتلا جديدا