الدور الإيراني في اتجاه أوروبا والعرب والتسوية

هل يمكن، أو هل هناك ضرورة للبحث عن موقع معدّل لإيران في سياق الصراع مع إسرائيل؟ قد تكون وقائع هذا الصراع الآن ومؤشراته ومآلاته المحتملة من موجبات هذه الضرورة؟ لقد أسهمت إيران في هذا الصراع وبأساليب مختلفة، أهمها دعمها لحزب الله في لبنان والمقاومة. ولا يمكن للعارف أو المراقب أن يلمس نية إيرانية في الابتعاد عن ورشة العمل ضد الكيان الصهيوني. ولكن الجميع قرأوا كلاماً إيرانياً عن عدم النية في تخريب عملية السلام، التي خرّبها نتنياهو، وقد يعود فيخربها إيهود باراك أو غيره إلى آخر القيادات الصهيونية الخالية من موروثات العقل المؤسس الذي يضاعف مكاسبه من خلال التسويات التي يعود إلى تخريبها حرباً أو سلماً أو بينهما، ومنذ أشهر كتب صحافي إيراني كبير (زيد أبادي) كلاماً مطولاً حول التسوية وآفاقاها البعيدة بلهجة القبول والدعوة إلى التعامل مع المسألة بأفق مفتوح، ولم يلق اعتراضاً.

اقرأ أيضاً: حصار اقتصادي محتمل بعد العراق

عناية إيرانية مركزة

يأتي كل ذلك متزامناً ومتأثراً بانتهاء حربي الخليج ومؤشرات نتائجهما الخطيرة، مع عناية إيرانية مركزة بالشأن الداخلي، جعلت إيران تسعى لإعادة بناء علاقاتها الدولية على نسق مختلف، ويظهر ذلك في حركة إيران كلها، بمحافظيها وإصلاحييها، نحو الغرب عموماً وأوروبا خصوصاً، مروراً بتركيا والدول العربية المشغولة أكثر من غيرها، في إنجاح التسوية وهندسة ممراتها وجسورها وأنفاقها (الأردن، قطر.. والمغرب في وقت مبكر جداً) إلى طموح إيراني ملحوظ في حل إشكالية العلاقة مع مصر، وانخفاض ملحوظ في منسوب التوتر إزاء السلطة الوطنية الفلسطينية… هل يمكن لإيران إذا وسعت رؤيتها لتتجاوز اللحظة الراهنة الحرجة، أن تحتل موقعاً أكثر فاعلية في مسار الصراع واحتمالاته المستقبلية؟ بناء على قناعة العقلاء بأنه صراع مفتوح لا يملك أحد أن يقفله لأنه قائم على التناقض الذي يحفز كل من الطرفين على تدمير الآخر .. ثم يقتنع الطرفان بعد انكشاف الإيديولوجية وانسداد طريقها انه لا بد من تسوية تاريخية يتم التنازل المتبادل فيها وتبقى بحاجة الى تسوية أو تسويات أخرى في ظروف ومواعيد مختلفة . هل يمكن حصر التسوية المفروضة، في مفاعيلها، على مساحة الضرورة؟ ونعمل معاً على تدبر امر استمرارنا بالصراع طبق معطيات وأولويات مختلفة، في الفكر والسياسة والاجتماع والتنمية؟ فترجع أفكارنا إلى فحص حالها وقياسها على مستلزمات المعركة الطويلة؟

وتضع التقدم في رأس أولوياتها وضروراتها وشروط بقائها ونموها، باعتبار أن التقدم والتنمية الشاملة والتكامل شرط للتضامن، الذي هو شرط المواجهة المجدية.. بعد التسليم بأن المتخلفين لا يمكن أن يتضامنوا، إذ يذهب كل طرف منهم إلى البحث عن أمنه فينتهي إلى حتفه.. ولا نظن أن إسرائيل تسلم أو ترتاح لإيران متقدمة وقوية، تحول التقدم والقوة إلى عدوى في محيطها أو بالأحرى الى نفوذ لها قد يساعدها أن تجترح مع اسرائيل تسوية لصالحها بصرف النظر عن خيبات الأشقاء العرب .. لو كانت اسرائيل تدرك ذلك لعملت له .. ومن قال أنها لا تدركه ولا تعمل له .. بأسلوبها لا اسلوبنا ؟ ومن قال ان العداوات التي تأتي الى بلد أو شعب ما من موقع التضامن مع شعب صديق أو شقيق على خلاف تاريخي عميق ، كعداوة ايران لاسرائيل لصالح العرب ظاهراً وحتى باطناً ، من قال ان هذه العداوات لا تهدف في النهاية الى تسوية ؟ … وإذا همس الإيرانيون أو جاهروا او أنصتوا لهذا الهاجس، فإنهم لا تعوزهم البراهين على مبررات اختيارهم، بعدما أقر الجميع بأنه لولا الدعم الإيراني للمقاومة بعد اجتياح لبنان 1982 وشرائها للموقف السوري ، لكان الموقف العربي في منتهى الهزال، ولأملت إسرائيل على العرب أضعاف شروطها التي تحاول إملاءها الآن.

إن بحث إيران عن تجديد دورها طبقاً لمستجدات كثيرة، من شأنه أن يحفظ لنا ولها ما قدمته من خدمات للقضية شرط أن لا تلجأ الى ابتزاز العرب والفلسطينيين وتساعد جماعات نفوذها في بلاد العرب على إلغاء دولهم وتفتيت مجتمعاتها لأن ذلك هو عين المصلحة الصهيونية العدوة فرضاً على حساب الأصدقاء فرضاً أيضاً … ولبعض الحريصين أن يتوقعوا تثميراً عالياً للعطاء الإيراني ، إذا امتدت الرؤية الإيرانية إلى آفاق المستقبل الصعب.

ماذا يصنع حزب الله والمقاومة في لبنان؟

ماذا يصنع حزب الله والمقاومة في لبنان إذن؟ من دون توهم لإمكان المطابقة بين حسابات الحقل وحسابات البيدر، يمكن أن نحقق ربحاً مجزياً ونقلل الخسائر، إذا كان لنا توجه جاد نحو مشروع لبنان نهضوي حواري وسلمي شامل، يشارك فيه جميع اللبنانيين، تقف فيه المقاومة رافعة وحدة وطنية، يكفيها شعوراً بالنصر ما حققت، وشعوراً بالانسجام ما يمكن أن تسهم فيه من إعادة لبنان إلى دوره، من دون أن تقيس دورها، قوة وضعفاً، بحصتها من هذا القرص أو تلك السلة… إن الهمس العربي واللبناني، فضلاً عن الكلام الجهير حول التسوية، وكيفما اتفق، يكشف كم بلغ هذا الخطاب في الازدواجية والمراوغة، التي تنذر بانهيارات عظمة في الأفكار والقيم على طريق التسوية، إن لم يبادر الشجعان العقلاء إلى عقلنة وعي التسوية، وتهذيب الاندفاعات العربية على طريقها، بحيث يبدو البعض وكأنه يؤسس ويبشر ويعمم إرادة التخلي والاستقالة!

اقرأ أيضاً: إيران والمقاومة وفلسطين والانتفاضة: ذاكرة العلاقة واحتياطات المستقبل

في لقاء السيد خاتمي مع السيد حسن نصر الله شدد الأول على حزب الله بـ”أن يقبل بروح التسامح، بالتنوع داخل حركته وشدد على تحرير القدس كهدف مشترك لنا جمعياً ولن نسمح للمؤامرة والضغوط التي يمارسها أجانب بشق صفوفنا”. هل يمكن اعتبار هذا الكلام مؤشراً على رؤية أشد تركيباً وأقل تبسيطاً؟ وهل معركة السياسية والثقافة والتنمية أدنى مردوداً وفاعلية من غيرها؟ .. ولكن خاتمي ليس مسموع الكلمة في حزب الله.

(المستقبل 14 تشرين الأول 1999)

السابق
إنتكاسة «كورونية»..وفاة مصاب و3 حالات حرجة!
التالي
«حزب الله» يُحارب أميركا بـ«قرار مازح»..عقد الدويلة يكتمل بالقضاء!