حصار اقتصادي محتمل بعد العراق

يعاني المراسلون الأجانب في إيران، بمن فيهم مراسلو الإعلام العربي، شحاً في الأخبار السياسية، وهنا تبدو إيران وكأنها تنتظر ما سيحل بالعراق على يد الرئيس بوش، فتعود أنديتها السياسية إلى تداول احتمالات المستقبل، خاصة لجهة العلاقة (الحوار أو القطيعة مع الولايات المتحدة). ويبقى كثيرون أو الأكثر في التيار الإصلاحي على رأيهم بضرورة الإسراع في هذا الحوار تجنباً لاستحقاقات المستقبل، ويجاهرون بخوفهم، أو توقعهم، من أن تكون إيران من ضمن الاستهدافات الأميركية اللاحقة، منطلقين من أن الهدف الاقتصادي الأميركي هو الأساس في الحركة الأميركية، وما يتوقعونه في هذا الإطار لا يخرج عما يُهمس به في الأوساط العربية والدولية من أن نية أميركا تتجه إلى زيادة إنتاج النفط العراقي والكويتي إلى 4 ملايين برميل في اليوم، وفي الضغط على السعودية لرفع كمية إنتاجها تمهيداً لخفض دراماتيكي في الأسعار وتفكيك منظمة أوبك. ما يعني حصار إيران اقتصادياً باعتبار أن النفط يستأثر بمجمل إنتاجها الاقتصادي تقريباً.

اقرأ أيضاً: طهران وواشنطن… التنازل عن التفاصيل حفاظاً على الأصول

غير أن المحافظين ينتبهون في هذا المجال إلى أهمية السجال مع الإصلاحيين في المسألة، ليعملوا على تعبئة جماهيرهم في الاتجاه المضاد. وتشهد شوارع طهران وسائر المدن تظاهرات حاشدة، رافعة شعارها الذي بدا وكأنها هجرته منذ سنوات (الموت لأميركا، الموت لإسرائيل) في ذكرى استيلاء الطلبة على السفارة الأميركية خريف 1989، ويصدر قرار قضائي وينفذ اعتقالاً ومحاكمة لعباس عبدي الذي تزعّم حركة الطلاب المعادية للولايات المتحدة وكان على رأس المقتحمين للسفارة. ثم عاد بعد تجربة طويلة لينضم إلى التيار الإصلاحي باندفاع لا يقل قوة عن اندفاعه السابق وفي الاتجاه المعاكس، بحيث تجرأ على إجراء استطلاع كانت نتيجته أن 75% من الإيرانيين يريدون الحوار مع الولايات المتحدة.

وإذا ما وصلت المسألة إلى العراق، فإن الخطاب العلني للإصلاحيين والمحافظين لا يختلف، وإن كان المحافظون يرعون، بقبول إصلاحي ملحوظ بوضوح، القوى العراقية المتفاهمة مع الولايات المتحدة حول العراق، إلى حد أن يبادر السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة في العراق والطرف الأقوى والأقرب إلى الدولة الإيرانية وإلى شقها المحافظ من المعارضة، إلى دعوة أطراف هذه المعارضة إلى اللقاء والتفاهم حول المستقبل بعد العملية الأميركية (في طهران) من دون معارضة نهائية للاقتراح المطروح بعقد هذا اللقاء في بروكسل. وفي حين يستبشر الإصلاحيون بالانتخابات التركية ونتائجها معتبرين أنها تكرار تركي للثاني من (خرداد) أي انتخاب الرئيس خاتمي، في رئاسته الأولى، ويستبشر المحافظون بإسلامية النتائج، يتجاوز الجميع التوجهات التي عبّر عنها أردوغان مبكراً والتي تشير إلى أن هناك تفاهماً في العمق بين تركيا الإسلامية وبين المجتمع الدولي والولايات المتحدة خصوصاً، (التفاهم مع الجيش التركي، قبول الجيش للنتائج بإيجابية وطمأنينة ملحوظة، عدم التخلي عن سعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، عدم الإشارة إلى أي تعديل محتمل في علاقات تركيا بإسرائيل، عدم نية أردوغان وحزبه في تقديم أمثولة وطنية أو قومية تركية في حكم إسلامية وإصراره على تقديم أمثولة تركية إسلامية في التعاطي مع الدول الأجنبية والمؤسسات الدولية… إلخ).

المشهد الإيراني

ويمكن الاستمرار في وصف المشهد الإيراني الحافل بالتعقيد والتشابكات والالتباسات التي تنتظر حلاً أو رسواً على حال بإيراد أمور تقترب من المفارقة شكلاً ومضموناً… ففي حين سعى الإيرانيون إلى تدبر امرهم بشيء من المرونة بعد وفاة الإمام الخميني في ما يخص فتواه بقتل سلمان رشدي، لم يتردد الإيرانيون في الدفاع عن نصر حامد أبي زيد، حتى بدا وكأن الفقه الشيعي مختلف مبنائياً عن فقه المذاهب الأخرى في خصوص حرية التعبير عن الاختلاف في فهم النص أو المعتقد غير أن الأستاذ الجامعي (آغا جري) تلقى حكماً بالإعدام من إحدى محاكم مدينة همدان على ما اعتبر إهانة للإسلام في خطاب له في الجامعة.

الحدثان، (اعتقال عباس عبدي والحكم على آغا جري)، حصلا في غضون أربعة أيام. خلال أسبوع شهد إخبار عبد الله نوري وزير الداخلية السابق بإمكان بقائه خارج السجن بمناسبة وفاة شقيقه النائب في البرلمان، لتعود وبعد يوم واحد من ذلك، جهود بعض النواب مع الشيخ هاشمي رفسنجاني، في هذا الصدد فتتبلور في رسالة من عدد منهم إلى المرشد السيد علي خامنئي تتضمن طلباً في العفو عن الشيخ عبد الله نوري ومن دون إلحاح كان يمكن أن يؤدي إلى إغضاب القائد وامتناعه عن توقيع العفو ومن دون أن يطلبوا، على جاري العادة، من الشيخ نوري أن يتقدم باسترحام إلى القائد، لأنهم يعرفون يقيناً بأنه لن يسترحم وهو المشهور بالصلابة وإصراره على تقييد موقع القائد بالدستور والقانون، فكان أهم أسباب دخوله إلى السجن، وهو الذي كان يتمتع بثقة الإمام الخميني الذي ولاّه رعاية مؤسستين من أهم مؤسسات الدولة والثورة، معاً، هما جهاد البناء والحرس الثوري، ممثلاً واسع الصلاحية للإمام فيهما.

وكانت مناسبة العفو عنه منطلقاً للسؤال عن إمكان ترشحه للانتخابات الرئاسية في الدورة المقبلة بعد نهاية رئاسة خاتمي الثانية باعتبار أن فوزه شبه مضمون، خاصة وأن الجميع يشهدون له بالاستقامة والشجاعة، وقد كانت وفاة أخيه مناسبة يعبّر الجميع تقريباً عن احترامهم للرجل من الجواب عن هذا السؤال يأتي القول إنه رغم أن عبد الله نوري لم يتضمن الحكم بسجنه حرمانه من حقوقه المدنية، إلا أن معارضي رئاسته يمكن أن يتذرعوا بأنه غير صالح بسبب سابقة الحكم بسجنه، هذا إلا إذا نجح الإصلاحيون في تمرير موقفهم وتحويله إلى قانون ضد (النظارة الاستصوابية)، التي تقدم مجلس صيانة الدستور بمشروع قانون لإقرارها في المجلس الذي شرع في نقاشها فعلاً، ومعناها أو مؤداها أن لهذا المجلس صلاحيات واسعة في رفض المرشحين للنيابة أو المناصب المختلفة أو قبولهم. ما يراه الإصلاحيون مخالفاً لمواد صريحة في القانون الأساسي للجمهورية ولما جرى عليه العمل في الدورات التشريعية السابقة… وقد استراح الإصلاحيون من حيرتهم بالنسبة إلى انتخابات الرئاسة المقبلة بالعفو عن عبد الله نوري ما أتاح لهم تداول اسمه كمرشح للتيار الإصلاحي الذي يعاني أزمة مرشحين للرئاسة بعد خاتمي، من دون أن يعني ذلك أن احتمال خسارتهم للمعركة قوي، ولكنهم يريدون رئيساً يتابع خط خاتمي بانسجام ويزيد عليه بأن يحقق بعض الوعود التي لم تتحقق خلال دورتين من الحكم الإصلاحي. (هناك أسماء محتملة ولكن طرحها لا يخلو من ضعف (مهاجراني وزير الإرشاد السابق الذي يميل إلى الضعف تدريجاً وكروبي رئيس المجلس النيابي الذي ليس من المؤكد أنه أكثر إقداماً من خاتمي إن لم يكن أقل).

اقرأ أيضاً: إيران والمقاومة وفلسطين والانتفاضة: ذاكرة العلاقة واحتياطات المستقبل

هذا في حين أن التيار المحافظ قد صرف نظره عن احتمال ترشح وزير الخارجية السابق الدكتور علي أكبر ولايتي (الذي عاد يداوم في عيادته لطب الأطفال لمدة ست ساعات يومياً، ويعطي بعضاً من وقته للعمل في فريق عمل القائد خامنئي، وقدم استقالته منذ أسبوعين تقريباً من رئاسة مجمع اهل البيت العلمي الذي يعتبر منصة كبيرة للحراك السياسي واستقطاب التأييد الشعبي). ويبقى اسم علي لاريجاني مدير الإذاعة والتلفزيون التي يرشح البعض لها الدكتور الأكاديمي المحافظ المعتدل في محافظته (حداد عادل). ويستبعد البعض ذلك لأن لياقته الإدارية ليست بمستوى أهليته العلمية.

(2004)

السابق
قصي خولي و 2020.. قصة نزاع طويلة!
التالي
لقاح للأطفال قد يساعد في مكافحة «كوفيد 19»