لنتذكر السيد هاني فحص (١٩٤٦ -٢٠١٤)

بداية ساستعير هذه الحادثة وانقلها كما رواها الأستاذ فخري كريم صاحب مؤسسة المدى قال : (يوم زارني في بغداد السيد فحص ذهبنا سويا إلى عرس جماعي نظمته مؤسسة المدى، ومع بدء الفعالية شعرت بالاحراج وقد بدا الرقص والغناء، شاورته: هل احرجتك؟ أجاب بعفوية: بلا حرجت نفسك، فالمؤمن المغصوب على معصية ليس بعاص،بل له ثواب ونصف، ثواب لانه تحمل الغصب ونصف هداك لتعتذر، مع أنني لا ارى في المشهد مايخدش لولا التقويل المسي).

درس السيد هاني فحص في النجف وتلقى علومه الفقهية والثقافية والفكرية المختلفة فيها، يقول السيد فحصعن هذه الفترة :(هناك تعرفت إلى الآداب والفكر والعالم، فيالنجف حوزة تقليدية اساس عمارتها الحرية، منفتحة علىرياح خارجية وفي محطات كثيرة كان للنجف دورها الرائد،وانفتحت على ادب المهجر واتيح لي أن اقرا السيابوادونيس ومحمود درويش وارغون واليوت)، ويقول أيضا عنهذه الفترة: (تعلمنا في النجف ان ننغمس في السؤال ونقرأماركس وسارتر ومجلة الطليعة والهلال وان نناقش الأموروننشغل بين الثابت والمنهج وقرانا نهج البلاغة كما قرأنا لابنعربي والحلا).

اقرأ أيضاً: السيد هاني فحص ودرب «السهل الممتنع».. لا «المتاح»!

كان السيد هاني فحص يؤمن بالانفتاح الفكري على العالمالمتقدم والتفاعل الخلاق مع عوامل تقدمه، مع صيانة الحريةالفكرية وإشاعة ثقافة الاستنارة المدنية المعتمدة على العقل والعلم وحرية الإبداع في كل مجالاته وهو يقدم لنا مثلا للفكر الأصيل خصوصا في احترامه لحق الاختلاف وتشجيع محاوريه ومريديه على أن يختلفوا معه، وكان يرغب في أن بكون الدين بوابة للحياة الجميلة والعدالة والسلام والتاخي والتحاور، وكذلك في أن تعاد صياغة المواقف من منطق حداثي إنساني يناى بالاديان كلها والطوائف اجمعها عن الانغلاق والتعسر لتؤسس من أجل الإنسان تقاليد تيسرالحياة وتهذبها وتثريها وتتبنى الحوار المنفتح على المختلف وتتقبل الآخر، كان السيد (رحمه الله) يردد دائما :(لبثتاحلم بالعدالة من زمن سبارتكوس حتى اليوم).

كتب الأستاذ الدكتور سعيد عدنان مقالا عن السيد هاني فحص جاء فيه: (كان في النجف أديبا فقيها يكتب الشعر وينشر بعضه في الصحافة الأدبية ويقرا كتب الأدب والفكر ولا يحجزه حاجز عن كتاب، وربما وجد في بعض أهل الفقه ما لا يرضيهم من انغماس في الأدب واقبال على الموسيقى، لكنه يقف من الدين على مقاصده السامية في المحبةوالصدق والاخلاص ويعرف الله في خلقه وحسن مودتهم،وكان يجد من بعض شيوخه في الحوزة عونا على هذا المنحى فيزداد رسوخه عنده، ويرجع إلى تراثه ويلتقط منهما يعلي من شان الإنسان وحفظ كرامته من دون الالتفات إلى دين او مذهب، فيستقيم له نهج واضح يتسع مع الزمن)

كان السيد هاني فحص محبا للعراق وشعبه، إذ كتبموضوعا في صحيفة السفير اللبنانية عنوانه :(تمرين عراقيعلى حماية التعدد العربي جاء فيه :(على ان المفارقة العظيمة والجميلة والحضارية التي يجب على الجميع أنيسعوا إلى تحقيقها في العراق لتكون علامة على مستقبل العراق وقفا على ماضيه المعقد والملتبس هي أن يكون الأكراد والتركمان والاشوريون معا شأنا عربيا اولا وان يكونالشيعة شأنا سنيا وان يكون السنة شأنا شيعيا، سواء علىمستوى الأشقاء والاصدقاء العرب والمسلمين او علىمستوى الداخل العراقي)، كان السيد هاني فحص يعشق الشعر والأرض والشجر والثمر وأغاني عبد الوهاب، هوالمثال العصري للتحديث الديني والانفتاح على الاديان كلهاوالحلم بالحياة المدنية المتكاملة بدمقراطيتها وعدالتها وتنوعها وتعدديتها فهو من دعاة الحوار المستمر بين المختلفين من مفكرين او رجال دين او مثقفين، سجن وهوشاب للمرة الأولى بسبب دفاعه عن مزارعي الجنوب اللبناني وهو الذي رفضه المتزمتون ذوو التدين الظاهري المتصل واحتفى به الحداثيون والمتنورون واليساريون، وكيف لا وهوالذي علق صورة جيفارا والمطران كابوجي على جدار غرفته عندما أقام في النجف لدراسة علوم الدين، سئل السيد فحص مرة عن الحوار عند السياسيين قال :(ان الحوار مثلزراعة النخل، النخلة تحتاج وقتا طويلا لتثمر لكنها راسخةأكثر، اما السياسي فإنه يشتغل على اليومي بندوره وخيارورز، من يتحمل انتظار ثمار النخل فليفعل فليحاور)، كانالسيد هاني فحص وطنيا لانه يضع وحدة الوطن معيارا لكلسلوك سياسي في ظل التحديات والهجمات التي تهددوحدة الأوطان في كل مكان على الكرة الأرضية، يقول أحدأصدقاء السيد الفقيد :عند السيد هاني فحص مزيتان في شخصيته: الأولى رهافة الروح وطرافة الحديث وعمق وإناقة الحضور والابتسامة الدائمة وهي إرث من الجذر الحضاري، والثانية: هي عشقه للهجة العراقية وهو يتحدث بها ويورد الأمثلة والحكايا والتعليقات والاستشهادات الأدبية والفكرية.

اقرأ أيضاً: السيد هاني فحص..حين تتحول العمامة إلى مدينة

كتب عنه المفكر الأستاذ الدكتور عبد الجبار الرفاعي قائلا: (رحم الله العلامة السيد هاني فحص الصديق الصدوق،رسول المسلمين للسلام، ورسول السلام للمسلمين، رسول الإسلام للمسيحية ورسول المسيحية للاسلام، رسول الشيعة للسنة ورسول السنة للشيعة، رسول الثورة الإسلامية في إيران إلى فلسطين ورسول فلسطين إلى الثورة الإسلامية، رسول لبنان في العراق ورسول العراق في لبنان، رسول النجف إلى العالم ورسول العالم إلى النجف، رسول لبنان في العالم العربي ورسول العالم العربي في لبنان، هاني فحص مرآة كنت أرى فيها المثقف الأديب الشاعر الفنان المتمرد خارج فلسفات العدمية والعبث، القلب الفوار بعشق الإنسان، الثائر العابر للايديولوجيات، رجل الدين العابر للاديان، الإمام خارج المسجد، الخطيب خارج المنبر، القديس خارج الصومعة، الراهب خارج الدير، المحاضرخارج الجامعة، المعلم خارج فصول الدراسة، المربي خارج المنزل، يجتمع تحت جبته محمد وعيسى وفي قلبه فاطمة الزهراء ومريم العذراء، وفي ضميره الحسين الشهيد والمناضل جيفارا من دون أن تطرد شخصية أخرى اوتنفيها، ذلك لأن رؤيته للعالم على الدوام أرحب من ضيق المعتقدات وانطواء الايديولوجيات وكراهية التعصبات، انه يتذوق كل ما هو جوهري في الاديان ويعبر كل ماهو مضيء ويتلذذ بكل ماهو رؤيوي ويعشق كل ماهو جميل من مزايا وخصائص وحالات الإنسان، كانت قضايا الناس ومتاعبهماهم انشغالاته يهرعون اليه من كل الطوائف من المؤمنين وغيرهم، لايفرق بين احد منهم يحتفي بهم ويرعاهم يتفهم الامهم، يتحسس جروحهم العنيفة ونزيف قلوبهم وعذاب أرواحهم واشتعال ادمغتهم، الله في فؤاد هاني فحص هو المحبة لا الكراهية، السلام لا الحرب، الرحمة لا العذاب،الجمال لا القبح، الحياة لا الموت، كان يرى صورة الله في الفقير الجائع العريان المحروم المعذب الضحية…..)، هكذا وصفه الدكتور الرفاعي في مقال له بعد أن سمع خبر رحيله.

سيبقى فكر السيد هاني فحص سندا حيا لدعاة الأملوسوف يسترشد المتحاورون وعشاق العدالة بمواقف المستنيرة في هذا الزمن الدموي الذي أمسى فيه كثرةالمتدينين ورجال الدين دعاة فرقة وحروب.

السابق
رحلة البحث عن «الهوية اللبنانية»!
التالي
التأييد الجنبلاطي يُعزز أسهم أزعور..وحزب الله «يبتز» الكويت بعد السعودية!