اليونان وفنزويلا والأرجنتين «يُسلمون» على لبنان!

لبنان

في أواخر عام 2019 وصل إلى لبنان كارلوس غصن المدير المطاح به لتحالف “رينو-نيسان” لصناعة السيارات، والذي كان ينتظر المحاكمة في اليابان بتهم تتعلق بالفساد. وبعدها بأيام، اشتعلت صفحات التواصل الإجتماعية بين مرحب به وبين منتقد له، وبعضهم طرح إسمه كمنقذ للبنان، نظراً لسيرته الذاتية التي يستحق من خلالها لقب “الأسطورة”.

أضحكتني اللافتات والشعارات التي وضعت أمالها بكارلوس غصن كرجل أعمال ناجح عالمياً لإنقاذ لبنان مالياً. هل باستطاعة أنجح علماء الإقتصاد والمال في التاريخ، أمثال آدم سميث وجون كينز وميلتون فريدمان، إنتشال لبنان من إفلاسه؟ هل هي مشكلة تقنية وتتعلق بعدم أهلّية المسؤولين عن السياستين المالية والنقدية حتى ننظر إلى المشكلة من هذه الزاوية!؟ قطعاً لا…

اقرأ أيضاً: الدولار يُفجّر الشارع و«الكورونا ».. وحكومة دياب تبطش بالثوار!

علاج جذري

كمؤشر إنتشار الفيروس سريع الإنتشار، يبدأ من شخص ثم عشرة ثم مئة إلى أن يصبح مليار ولن يتوقف إلا اكتشاف لقاح، وهكذا سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، فإنه لن يتوقف صعود مؤشره إلا بعلاج جذري، سياسي قبل أن نطرح نظريات تتعلق بالسياستين المالية والنقدية. من توقع وصول سعر صرف الدولار إلى 20 ألف ليرة لبنانية، لماذا توقف عنده؟ هل توقع مثلاً أن يُصبح لبنان بلداً مصدراً حين الوصول إلى هذا السعر، أو بلداً نفطياً بالفعل، وأن الميزان التجاري سيحقق فائضاً وبالتالي سيبدأ بالإنخفاض؟ أم أن السلطة ستوافق على شروط صندوق النقد الدولي، وبالتالي نحقق نوع من الإستقرار النقدي؟

المشكلة في لبنان سياسية بحتة، وكل ما تبقى تفاصيل يمكن معالجتها بسهولة لمجرد الوصول إلى علاج سياسي، يفرض منطق الدولة الحقيقي، دولة القانون والحوكمة والشفافية والعدالة الإجتماعية

لا يمتلك لبنان أي ميزة إضافية عن الدول التي واجهت مثل تلك الظروف: اليونان وفنزويلا والأرجنتين؛ بل إن حالته أسوء بمراحل من تلك الدول. بلغ التضخم في فنزويلا نحو 10 آلاف في المائة رسمياً في 2019 و200 ألف في المائة وفقاً لتوقعات صندوق النقد، مع العلم أنها تملك أكبر إحتياطي نفطي في العالم!
اليونان تملك قطاعاً سياحياً ضخماً، لو أن بمقدوره انتشالها من أزمتها، لفكت ارتباطها بالإتحاد الأوروبي متسلحةً بالإستفتاء الشعبي عام 2015، أكثر من 60%؜ موافقة على عدم الإلتزام بالخطة المقترحة من الموفضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الدولي، ولعادت إلى عملتها الوطنية، وشرعت في برنامج مستقل للتعافي.الأسباب التي أدت إلى انهيار النظام المالي في اليونان، هي بعض من الأسباب التي يعاني منها لبنان وسبب العجز في الميزان التجاري: نظام المعاشات التقاعدية المدمر، والبيروقراطية المكتظة بالعمالة جراء المحسوبية والزبائنية و”نموذج العملاء” الذي فضل الروابط السياسية المزروعة على كل مستوى للحصول على وظائف في القطاع العام وفرص العمل ومشاكل التهرب الضريبي المتجذرة.

الأرجنتين رغم إمتلاكها قطاعات صناعية وزراعية ملفتة، وكانت من أهم إقتصاديات العالم تاريخياً، فإن عمليات التهرب من الدفع الضريبي وغسل الأموال الكثيرة بتحرك التمويل إلى البنوك الخارجية وانعدام الثقة في القطاع المصرفي، جعلها مهددة بانهيار كامل لمنظومتها المالية.
أما إذا أردنا في لبنان اختصار الأسباب الأساسية التي أدّت إلى الإفلاس والإنهيار والإنكشاف، فإنها تتلخص بمسبب واحد فقط لا غير: سياسي. أما عجز الميزان التجاري والديون والإقتراض والمساعدات والفساد والزبائنية والمحسوبية والتهرب الضريبي والإكتظاظ في القطاع العام والتعدي على الأملاك البحرية والمعابر غير الشرعية والسياستين المالية والنقدية الكارثية، كلها خرجت من رحم الإنحطاط السياسي.

اقرأ أيضاً: سفينة لبنان تغرق مع رياض سلامة.. ومن دونه!

النموذج الفنزويلي

هل تنتظر السلطة اللبنانية هِبة من السماء، وقد تقاتل شعبه لسنوات طويلة بإسم الدين!؟ هل تنتظر السلطة مساعدات من دول خليجية، وقد ألحقها الفريق الحاكم لمحور معاد لها!؟ هل تنتظر خروج النفط من البحار، والنموذج الفنزويلي حاضر أمامنا!؟ هل تنتظر مساعدات من صندوق النقد الدولي وتصنيفنا الإئتماني “تعثر إنتقائي”!؟
المشكلة في لبنان سياسية بحتة، وكل ما تبقى تفاصيل يمكن معالجتها بسهولة لمجرد الوصول إلى علاج سياسي، يفرض منطق الدولة الحقيقي، دولة القانون والحوكمة والشفافية والعدالة الإجتماعية. العلاج السياسي يكون بفرط عقد النظام القائم على المحاصصة والطائفية والأهواء الإقليمية. علاج يطال تعريف الهوية من جديد حتى لا تبقى الدولة أسيرة المحاور الإقليمية، ودور الدولة في بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد مؤسساتها الشرعية واستعادة قرار السلم والحرب.

كيف الوصول إلى الحل السياسي؟شعب لبنان أمام مسؤولية بقاء دولتهم وعدم زوالها تماماً. وصل اللبنانيون إلى مفترق طريقين، إما أن يتسلحوا بالعقل والحكمة ويضعوا نصب أعينهم السلطة ورموز الأحزاب باعتبارهم المسؤولين عن تهديد كيانهم، فيتم القضاء عليهم ومسحهم عن بِكرة أبيهم، ليصنعوا لبنان جديد بأيديهم. وإما أن يقعوا في متلازمة الحرب الأهلية والطائفية، كل طائفة تتهم أخرى أنها السبب، وعندها نكون قد حكمنا على كيان لبنان بالزوال.

السابق
«الأعلى للدفاع» يُمدد «التعبئة» لأسبوعين..وتخفيف تدريجي لها على 5 مراحل!
التالي
«الكورونا» يلاحق اللبنانيين في الخارج ايضاً..4 اصابات في الكويت!