«حزب الله».. لسان ضدّ «الصندوق» وعين على «النقد»!

صندوق النقد الدولي
يستنفر "حزب الله" كل "طاقاته" الكلامية وأدبياته الخطابية، وتركيب اللبنانيين على موجته المتلاطمة في بحر صندوق النقد الدولي، وإيهامهم بالموقف ونقيضه.. كي لا يسلمهم رأياً خالصاً يكون بمثابة مستمسك "إستسلامي" عليه حول ما إذا كان يريده أو لا يريده، في ظل "منهبة" السلطة التي يرعاها.

آخر “إبداعات” الحزب هو ما جاء على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي “أفتى” برفض حزب الله “الخضوع” لتوجيهات صندوق النقد الدولي بشأن الأزمة اللبنانية، وفي الوقت عينه موافقة حزبه على الاستشارات التي تقوم بها الحكومة مع هذا الصندوق، وهو موقف يعكس حال من التردد والتمهل قبل اقدام الحكومة اللبنانية على السقوط في حضن الصندوق والتسليم بشروطه للخروج من الأزمة الخانقة، أو التمنع والدخول في الانهيار والتداعي للدولة في ظل سلطة النهب والمحاصصة التي تحكم لبنان.

حصيلة سياسات السلطة

وصول الدولة اللبنانية الى أعتاب صندوق النقد، هو حصيلة سياسات السلطة التي تحولت الى أداة نهب واصبح الناس موضوع نهب، وإزاء عدم استعداد هذه السلطة بكافة مكوناتها لوقف النهب والتخلي عن سياسة تدمير الدولة، فان هذه السلطة تدرك من النتائج التدميرية المتوقعة أن الدولة ستقف على باب “صندوق النقد” مخلعة البنيان ومهشمة تستجدي وتستعطي، ولن تأخذ بعض ما تحتاج من دون شروط قاسية على مجمل المؤسسات والشعب.

اقرأ أيضاً: محمد علي مقلد لـ«جنوبية»: الثورة تستعيد قوة اليسار.. والعهد القوي بإحترام الدستور

فرض “حزب الله” على لبنان صيغة “الدولة المقاومة” وخلاصتها دولة المليون صاروخ اكثر أو أقل، لكن من دون أن يوفر الحدّ الأدنى للصمود

حزب الله في موقع الخداع للناس

بهذا المعنى يبدو “حزب الله” إمّا في موقع الخداع للناس أو في موقع لا يدري ما يقول. كل الخبراء ومن ضمنهم نواب ووزراء يؤكدون أن لبنان يحتاج الى كتلة نقدية تتراوح بين عشرة مليارات وخمسة وعشرين مليارا من الدولارات يجب ان تضخ في نظامه المالي والمصرفي لمنع الانهيار الكامل، وهذا التفاوت في الأرقام يختلف بين وجهة نظر وأخرى بين من يتطلع الى وقف الانهيار وبين وجهة أخرى تذهب نحو خطوات المعالجة المالية والاقتصادية. الثابت أن لبنان يحتاج الى حجم من الأموال لا يبدو أنّ أحداً مستعد لتقديمها مجاناً، لا الأصدقاء ولا الأعداء، بارقة الأمل هي في صندوق النقد الدولي، رغم كل ما يحيط به من اتهامات.

الفساد المستشري

الفساد الذي ينخر الدولة منذ عقود، ليس نتاج الطبقة السياسية الحاكمة اليوم، والازمة التي يعانيها لبنان لم تتأت من سلوكيات السلطة المتمادية في الفساد وحسب، ولا في السياسة النقدية التي حوّلت المصارف الى ناهب إضافي للدولة بالتواطؤ والشراكة مع القوى السلطوية، ليست نتاج كل ذلك فحسب، بل جوهر السلوك الذي هزّ الهيكل اللبناني، هو الخلل السياسي في بنية السلطة ومؤسساتها السيادية والدستورية، وفقدان الدولة لسيادتها على حدودها وداخل حدودها. وهذا ما استتبع فقدان لبنان لدوره التقليدي كمركز إقليمي للاستثمار والتسوّق والسياحة، بعد أن تحوّل متراساً متقدماً لـ”حزب الله” الذي مارس غلبته الداخلية ليستسهل الانخراط في حروب إقليمية وعداوات دولية وعربية متعددة، كل ذلك أنهك اقتصاد لبنان وترنّحت قطاعات لبنان الإنتاجية، وفقد لبنان القدرة على خلق فرص عمل كافية لاستيعاب موارده البشرية، وخسر ميزان المدفوعات اللبناني فائضه التقليدي منذ استقلال لبنان، تأسس ذلك خلال الوصاية السورية واستمر بشكل سافر بعد اتفاق الدوحة وانتقال لبنان الى الوصاية الإيرانية.

دولة المليون صاروخ

فرض “حزب الله” على لبنان صيغة “الدولة المقاومة” وخلاصتها دولة المليون صاروخ اكثر أو أقل، لكن من دون أن يوفر الحدّ الأدنى من الشروط الاقتصادية والمالية والاجتماعية لهذه الدولة، شعب نصف قوته العاملة بلا عمل ومعظم شبابه طامح للهجرة، شعب تُسلب مدخراته عمليا في البنوك، دولة تستورد بما يفوق العشرين مليار دولار من السلع وتصدّر بما يزيد قليلا عن المليارين، هذه بعض المؤشرات السلبية التي تفضح السلطة التي تتمسك بمشجب المقاومة لتبني نفوذها وسلطتها بـ”التشبيح” والقوة الأمنية والديماغوجية، هذه المؤشرات وحدها كافية للقول أن السياسة السلطوية وانتصار محور المقاومة في لبنان، مع ارضاخ الجميع لسلطة الوصاية، والامساك بكامل القرارات الاستراتيجية من قبل “حزب الله“، أنهى كل عناصر قوّة لبنان وحوّله الى دولة عاجزة أن تقاوم ايّ خطر جدي وحقيقي، في ظل المأساة التي يعيشها المواطن اللبناني على كل المستويات.

الدولة ستقف بفضل فساد السلطة على باب “صندوق النقد” مخلّعة البنيان ومهشمة تستجدي وتستعطي، ولن تأخذ بعض ما تحتاج من دون شروط قاسية على مجمل المؤسسات والشعب

بيت القصيد

ما يريد اللبنانيون وينتظرونه من حزب الله ليس التحذير من صندوق النقد الدولي فيما هو يجر الدولة الى حباله، ولا الخطابات التي تحذّر من أن يدفع لبنان من مخزون السيادة بضغط الجوع، ما لم يدفعه في زمن الضغط العسكري، المطلوب ان يجيب على سؤال من اين ستأتي الدولة بالمال؟ وكيف يتحول لبنان الى نموذج الدولة المقاومة بوسيلة أخرى غير سياسة النهب للمال العام والفساد. 

اقرأ أيضاً: «التوتاليتارية» اللبنانية.. لا ترحب بكم! 

الشيخ نعيم قاسم أحد قادة “حزب الله” يفترض انه لم يُفاجأ بما وصل اليه لبنان اليوم، لأنه ينتمي الى حزب استراتيجي والى محور ايران الذي خبر المقاومة والمواجهة مع “الشيطان الأكبر” وبالتالي فانه يمتلك مسبقا خطة المواجهة وسبل إنقاذ لبنان وهو ما يريد اللبنانيون سماعه، إلاّ اذا كان الهدف إنهاء لبنان الذي نعرف، وهنا بيت القصيد وبيت الداء في “خطاب النعيم”.

السابق
إصابة ثانية.. هل يتفشى «الكورونا» في لبنان؟!
التالي
جورج جرداق.. المرأة في حياتي طوفان من الفتنة