جورج جرداق.. المرأة في حياتي طوفان من الفتنة

جورج جرداق

ولد في جديدة مرجعيون العام 1935، ومنها انطلق وهو بعد في الرابعة عشرة من عمره إثر تمثيل مسرحيته الشعرية الأولى التي شاهدها معظم أهالي المنطقة. ومرجعيون في تلك المرحلة كانت منارة يهتدى بها، إذ كانت صحفها (المرج، القلم الصريح، النهضة المرجعيونية) ومطابعها ومدارسها التي كانت تؤم من كل المناطق، تنير عقول الكثيرين وإحدى صلات المنطقة مع كل ما يدور على مختلف الصعدان.

تعلَّم قواعد اللغة العربية وآدابها على يدي أخيه الشاعر فؤاد جرداق وقرأ القرآن ونهج البلاغة الذي فتنه فكتب الكثير عنه وعن الإمام علي(ع).

جرداق: أنا لست صحافياً بالمعنى الذي تدل عليه هذه الكلمة، أنا كاتب أتخذ من الصحف وسيلة لنشر ما لدي من مادتي الشعر والأدب

أصدر كتابه الأول في السابعة عشرة من عمره بعنوان “فاغنر والمرأة، ثم كرَّت السبحة. صدحت أم كلثوم بشعره فأطربت كلماته الملايين. أعجب به طه حسين ودعاه إليه وهو في السادسة عشرة، بعد أن قرأ له قصيدة بإحدى الصحف، وفي رحاب عميد الأدب العربي أشعل سيجارته الأولى.

اقرأ أيضاً: الوطنية والفخر في شعر بولس سلامة ونثره

سمير كبار الأدباء والفنانين في كل أنحاء الوطن العربي. ربطته بمصر صداقات يعتزّ بها، من طه حسين إلى محمد عبد الوهاب وأم كلثوم. في لبنان كان صديق الجميع، من الرحابنة وفيروز إلى سعيد عقل والأخطل الصغير… إلخ.

ربطته بكبار رجالات الجنوب صداقات وذكريات جميلة وبخاصة النائب والوزير الراحل علي بزي والراحلين عبد اللطيف وموسى الزين شرارة وعبد الحسين العبد الله.

وأنت جليسه تحار من تخاطب فيه: الصحافي العتيق أم الأديب الساخر أم الشاعر أم الباحث.

  • كيف يصف جورج جرداق نفسه: أديب هو، أم شاعر، أم صحافي؟

في ديارنا التي تكثر فيها الأوصاف، ويكثر الواصفون والموصوفون.. لا أشعر بأي ميل لأن يُدَلَّ علي بأكثر من اسمي، أما الأدب والشعر، فإني أصاحبهما منذ طفولتي، أما في ما يتعلق بالجانب الصحافي، فأنا لست صحافياً بالمعنى الذي تدل عليه هذه الكلمة، أنا كاتب أتخذ من الصحف وسيلة لنشر ما لدي من مادتي الشعر والأدب، تماماً كما اتخذ من الكتاب وسيلة للنشر.

بداية المشوار

  • كيف بدأت مشوارك في كل من الشعر والأدب والصحافة؟

كما يُبدأ مشوار أي إنسان أعدّ طبعاً واكتساباً للاهتمام بهذا الموضوع أو ذاك، وللسير في سبيله، وعلى هذا أقول أنني كنت منذ الطفولة شديد الميل إلى كل ما يتعلق بالأدب شعراً ونثراً. كان هذا الميل طبعاً بي زادته رسوخاً سيرة شقيقي الأكبر الشاعر والعالم اللغوي فؤاد جرداق.

ومن الدلائل المحسوسة على هذا الطبع وهذا الميل منذ الطفولة، أنني في الرابعة عشر من عمري، ألَّفت مسرحية شعرية بعنوان “السَّحَر” مُثّلت على مسرح بلدتي “جديدة مرجعيون” وشاهدها جميع أهل البلدة ومعظم أهالي المنطقة، وكرَّت السبحة.

وما يُقَل في شأن الشعر يُقَلْ في شأن الأدب النثري، ففي السابعة عشرة من عمري صدر أول كتبي بعنوان “فاغنر والمرأة”، وفاغنر هو الشاعر والموسيقار والفيلسوف الألماني الشهير، وقد وصف طه حسين كتابي هذا بأنه “فتح جديد في أدب السيرة”.

المرأة في حياتي طوفان من الفتنة يُغرف فيه البحر مدِّه وجزره، وتجمع فيه الطبيعة كل ما فيها من جبال ووديان، وشطآن وخلجان، وأنهار وأشجار، وكأن عناصر الكون وأحلام الحياة وجمالات الوجود من الأزل إلى الأبد كلها تبدأ بهذا الكائن الجميل وإليه تنتهي

  • ما الكتب التي صدرت لك حتى الآن؟

فاغنر والمرأة، قصور وأكواخ، صلاح الدين وريكاردوس قلب الأسد، شاعر وجارية في قصور بغداد، عبقرية العربية، مفاتن باريس، حديث الغواني، حديث الملاهي، حديث الحمار، بنت السلطان، أبو نواس وإبليس في الخمّارة، صبايا ومرايا، ليالي الطرب، على طريقتي، نجوم الظهر، أميركيات، حكايات، الموسوعة العلوية بعنوان “الإمام علي صوت العدالة الإنسانية” وتتألف من المجلدات التالية: علي وحقوق الإنسان، بين علي والثورة الفرنسية، علي وسقراط، علي وعصره، علي والقومية العربية، روائع النهج”. هذا بالإضافة إلى أكثر من عشرة كتب أخرى.

  • على سيرة المسرحية الشعرية التي ألفتها في الرابعة عشرة من عمرك، ماذا كتبت للمسرح بعد ذلك؟

المسرحيات التالية: فضية وحرامية، المطرب، رقصة الحرامية، الوالي، وزارة من النسوان… إلخ.

  • نعود إلى الكلام على الصحافة: متى كانت بداياتك في الكتابة بالصحف؟

بدأت الكتابة في الصحف بصورة متقطعة في الرابعة عشرة من عمري، وفي العشرين منه بدأت الكتابة فيها بصورة منتظمة.

الساخر

  • امتاز أدب جورج جرداق بالأسلوب الساخر الضاحك، هل تعتقد أن هذا الأسلوب أقرب إلى قلب القارئ وإلى ذهنه؟

لا شك في أن الأسلوب الساخر الضاحك أقرب إلى قلب القارئ وإلى ذهنه، وأشد تأثيراً فيه. لذلك هو أكثر الأساليب نفعاً لأنه أقدرها على إيصال الخواطر والمشاعر والصور والمعاني التي يخزنها الكاتب، إلى القارئ وأريد منك أن تعرف أن الأسلوب الساخر في مضمونه البعيد، أجفل بالجدية من الأسلوب الجاد في مظهره، فالسخرية، في ظاهرها، تركيب لحًى على صورة تدعو إلى الضحك. أما في حقيقتها، فهي ذروة الجد، إنها الجدار الذي يصطدم بع كل من أعدَّته الصغائر لقتل الجمال في الإنسان والطبيعة، ولإخفاء الحقائق تحت ستار من التلفيقات. السخرية، في جوهرها وغايتها، نوع من تحمُّل الأذى ومحاربة الظلم والقبح والشرّ عن الآخرين، وطلب الطمأنينة والسعادة لجميع الناس. السخرية هي ضحكة الهارب من دروب الشر والقبح إلى حدائق الخير والجمال والحياة.

  • ألا ترى أن الساخر تنقصه الشفقة في بعض الأحيان؟

العكس تماماً هو الصحيح، السخرية تنبع من أعلى درجات الشفقة والعطف على الحياة والأحياء. إنها الدرع التي تتكسّر عليها نصال الطغاة، والنور الذي يكشف الظلمة عن المعذّبين في الأرض.

السخرية والشفقة، الأولى تخلق الابتسامة من قلب اليأس وتجعل الحياة مشرقة محببة. والثانية تُبكي فتجمل الحياة مقدسة. والسخرية إذ تتهكم بالمظالم والمفاسد والصغائر والتفاهات، إنما تغذي الشفقة على الحياة والأحياء، وتنميها، وتجعلها مدار غاياتها من دون أن تتظاهر بها.

  • هل هنالك من يخالف السخرية؟

كثيرون هم الذين يخافونها، وفي طليعتهم الظالم والغاشم والمدَّعي والجاهل وعدوّ الحياة والخير والجمال.

  • ماذا يعني لك الحب؟

هو حركة الحياة الحرَّة الفرحة تنشط في قلبك وحناياك فتزرع الدنيا جناناً وتملأها حناناً، هو ضباب هفَّاف شفَّاف يحف بك وينتشر حولك أحلاماً تبدو الدنيا من خلالها نشوة دائمة. ويبدو لك العالم وكأنه تخلَّص من كل ما يُثقله. ويسعدك شعورك بأنك كائن حيّ.

  • المرأة في حياتك؟

المرأة في حياتي طوفان من الفتنة يُغرف فيه البحر مدِّه وجزره، وتجمع فيه الطبيعة كل ما فيها من جبال ووديان، وشطآن وخلجان، وأنهار وأشجار، وكأن عناصر الكون وأحلام الحياة وجمالات الوجود من الأزل إلى الأبد كلها تبدأ بهذا الكائن الجميل وإليه تنتهي.

اقرأ أيضاً: النبطية في حقبة الأربعينات والخمسينات تجاذبات فكرية ودينية أَثْرَتِ الجنوب ومحيطه

الشعر والموسيقى والرقص

  • من المعروف أن لك قصائد كثيرة مغنَّاة من هم الذين غنّوا من شعرك؟

أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، نجاة الصغيرة، وديع الصافي، حليم الرومي، ماجدة الرومي، فدوى عبيد، مروان محفوظ، جوزف عازار، باسكال صقر، سميرة توفيق، فاديا نجم، شمس، نورا رحال، إلهام عبود، كارولين راضي… إلخ.

  • ما هو آخر أعماليك الشعرية؟

مغنَّاة، أي أوبرا، بعنوان “أنا شرقية” تمجّد المرأة بوصفها ينبوع الحب والجمال، والأوبرا، كما تعلم، توحّد بين الفنون الجميلة الثلاثة إذ تجعلها فنّاً واحداً يتألف من ثلاثة عناصر متداخلة متفاعلة هي الشعر والموسيقى والرقص، عُرضت هذه المغنّاة على مسرح الأونسكو ببيروت، ثم في افتتاح “الأسبوع اللبناني” بالأردن، وسوف تُعرض في سائر العواصم العربية ثم تعود لتُعرض طويلاً في لبنان. وقد وضع موسيقاها وجدي شيَّاً، وغنَّتها المطربة السورية نورا رحال ومعها جوقة كبيرة من المغنيات، مصحوبة برقص تعبيري لفرقة تتألف من ثلاثين راقصة.

(مجلة شؤون جنوبية العدد (0) كانون الثاني 2002، ص32)

السابق
«حزب الله».. لسان ضدّ «الصندوق» وعين على «النقد»!
التالي
بعد تعيين مستشار دولي لإعادة هيكلة الديون.. لبنان يدفع 71 مليون دولار فائدة سندات دولية!