في مقولة شهيرة لرئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل وصف فيها مستقبل بريطانيا فقال “لا خوف على بريطانيا مادام فيها قضاء مستقل”.
لا يمكن لمن يسمع أو يقرأ الخبر من اللبنانيين الذي تناقلته وسائل الاعلام بشأن الحكم على زوجة رئيس حكومة العدو الآنف الذكر، الا وأن يسأل نفسه أين نحن من هذا العدل وهذا القضاء، هل يجرؤ القضاء في لبنان أن يبتّ بأي شكوى تنال نجل أو زوجة أو حفيدة هذا الرئيس أو ذاك، بل هل يجرؤ مواطن ما أن يتقدم بدعوى ضد أحد هؤلاء المحظيين حتى لو ثبت أنه استولى على المال العام أو الأملاك العامة بغير وجه حقّ؟
اقرأ أيضاً: القضاء في غيبوبة والدولة غائبة..!
القضاء الذي لم يزل في كثير من أوضاعه الإدارية خاضعاً للسلطة السياسية، هو قضاء من الصعب أن يحقق العدالة إذا كان الخصم هو السلطة السياسية، ولا يخجل بعض القضاة من الجلوس في حضرة هذا المسؤول أو ذاك، من أجل السعي الى الحصول على موقع قضائي في هذه المنطقة أو تلك.
بالتأكيد أن القضاء في لبنان فيه كثير من الشوائب التي تعرقل تحقيق العدالة، لكن هذا لا يقلل من شأن قامات قضائية عالية، تنأى بنفسها عن الاستزلام للسياسي، وتدرك قيمة ما تمتلكه من سلطة، فلا سلطة فوق سلطة القاضي حين يجلس ليصدر حكمه في أية قضية، وهؤلاء لا يزالون موجودين في الجسم القضائي ومفاصله، لكن ما تحتاجه العدالة في لبنان، أن تحمي القوانين وتعزز استقلالية السلطة القضائية، بل أن تحمي لبنان الذي بلغت فيه الاستهانة بالمال العام وحقوق الدولة، مبلغا لم تبلغه في السابق.
اقرأ أيضاً: قضاءٌ قيدُ التحقيق
العدل أساس الملك و”مدار السياسة كلها على العدل والانصاف، فلا يقوم سلطان لأهل الايمان والكفر الا بهما”. هذا ما قاله قبل أربعة عشر قرناً الامام علي بن ابي طالب، والذي أضاف من جواهر حكمته، “حسبكم دلالة على فضيلة العدل أن الجور الذي هو ضدّه لا يقوم الا به، ذلك ان اللصوص إذا اخذوا الأموال واقتسموها بينهم، احتاجوا الى العدل لاقتسام ما سرقوه”.
لا مناص من العدل والقضاء العادل في تطور الدول وارتقاء المجتمعات، فالقضاء الذي يستطيع أن يحكم على زوجة الحاكم، هو قضاء يطمئن له الناس ويطمئنون أنٌ حقوقهم في ظلاله محمية، وأنهم سينالون العقاب فيما لو أخلّوا بواجباتهم تجاه الدولة والمجتمع. فهل من سمِع ووعى؟