الريّس غالب بين خبايا الذاكرة وخوابي التجربة

غالب ياغي
في معجم المعاني، الخابية هي وعاء كبير من الطين يحفظ الماء أو الزيت أو النبيذ، وإذا لجأنا إلى الصرف والنحو، لوجدنا أن الفعل من خبايا هو خبّأ أو يخبئ، وغالب ياغي متهم أمامكم أنه ارتكب جرم إخفاء ما لديه من ماء أو زيت أو نبيذ طيلة ثمانين عاما ونيف.

وهو في ثمانينه، يحرجك الريس غالب في حركته، وفي دأبه وإصراره، لا يكل ولا يتعب، كأنه للتو دخل في أربعينه، ويقول المتصوفة في وصف الأربعين، أن يدخل الإنسان سن الأربعين، فإن ذلك يعني أن يدخل مرحلة النضج التي تؤهله لسلوك طريق العرفان والحق. وفي بلادنا هناك من تجاوز عمره الثمانين ولكن لم يبلغ بعد أربعينه. لم ينضج لا سياسيا ولا انسانيا وهو طبعا يَحيدُ عن طريق الحق.

أما الرفيق غالب في ثمانينه، كَمن أتم حوّلين أو دخل أربعينه مرتين، في الأولى أعلن عن انتماءاته، أصاب وأخطأ، تراجع ولكنه لم يتخل، أصيب بخيبات وصدمات دفعته لإجراء مراجعة مبكرة، حمته من السقوط في العصبيات العقائدية والحزبية، فنجا مبكرا من عوارض القومية الشوفينية والقطرية الاستبدادية.

اقرأ أيضاً: توقيع “خبايا الذاكرة”: سيرة ثمانية عقود من حياة غالب ياغي اللبنانية والعربية

أما في الثانية، أي أربعينه الثانية، فقد قرر سرد تجربته بأن يعترف بما له وما عليه، أن يروي لنا ما رآه وسمعه وفعله، واضعا صحيحه بين أيدينا، جامعا فيه أحاديث عن زمن الثورات والانقلابات، والقادة الأشرار والإخوة الأعداء. صحيحه هذا المسند بالتجربة والوقائع، في زمن كَثُرَ فيه المدلسون للماضي والحاضر، وكثرت فيه الأحزاب والفرق والانشقاقات والحركات التصحيحية، التي رفعت شعارات التصدي للمؤامرة ولكنها تصدت لشعوبها، وورثتها أحزاب رفعت مصاحفها ذريعة للقتل والتخوين والإلغاء بإسم الله ونبيّه وأوليائه، في صحيحه أحاديث مسندة تؤرق من يحاول التدلس على حاضرنا من قلعة بعلبك إلى قلعة الشقيف، حيث هناك من يريد أن يكتب التاريخ_ تاريخنا _ بقوة السلاح.

وفي خبايا ذاكرته، جولة على احادث تارخية مهمة جرت في لبنان والمنطقة بداية من تجربته الحزبية ومرحلة تاسيس حزب البعث وما جرى من تحولات داخل بنية الحزب أزمة  ١٩٥٨ ومرحلة فؤاد الشهاب. نشأة الجمهورية العربية المتحدة بضغط من النظام العسكري المصري الذي قاده عبد الناصر.

من ثم رفضه للحرب الاهلية اللبانية وتجربته في حركة 14 اذار ومحاولات تاسيس خيارات مدنية بديلة عن الخيارات الطائفية.

بيني وبينه أربعون حولا، فهو عندما دخل ثمانينه دخلت أربعيني، بيني وبينه بعثان واحد سقط وآخر يحفر قبره بيده، بيني وبينه بغداد التي يتحسر على ماضيها وأتحسر على مستقبلها، لكننا مازلنا نؤمن بأن سلامة العراق هي قيامة لبنان.

السابق
من سارة نتنياهو الى «سارات» لبنان: العدل أساس الملك
التالي
النائب السيّد يهاجم القضاء ووزارة الإتصالات.. وشقير يردّ: إنها أحقاد دفينة!