في حضور علمائي وثقافي وإعلامي حاشد.. مؤسسة الخوئي بالنجف الاشرف تحتفي بذكرى العلامة الراحل الامين

لقاء النجف عن السيد محمد حسن الامين
نظم مركز البلاغي في دار العلم للامام الخوئي، حفلا تكريميا في مدينة النجف الاشرف مساء أول أمس الاربعاء، احتفاء بالذكرى الثانية لوفاة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين، وقد حضر الحفل حشد من العلماء والادباء والشعراء من لبنان والعراق، ومنهم الأصدقاء الخلّص الذين جمعتهم حوزات النجف منذ الصبا وأسرتهم بمجالسها الادبية السنيّة.

حضر الحفل، الى نجل العلامة الراحل رئيس تحرير موقع “جنوبية” الصحافي علي الأمين، علماء وادباء واعلاميون من لبنان على رأسهم العلماء الشيخ حسين شحادة والسادة محمد مرتضى وكاظم ابراهيم ومحسن احمد شوقي الأمين ومهدي محمد حسن الامين والشيخ خليل كوثراني والشيخ علي نعمة والشيخ علي مديحلي، ومن العراق كان منظم الحفل الامين العام لمؤسسة الامام الخوئي في النجف والسيد زيد بحر العلوم وثلة من العلماء الادباء.

الراحل العلامة السيد محمد حسن الأمين

وقد أبى سماحة العلامة الجليل الشيخ محمد الخاقاني، وهو الفقيه والاديب ذاكرة النجف وحامل مشعلها الثقافي، الا ان يقوم شخصيا بتقديم حفل تكريم صديقه الراحل السيد محمد حسن الامين، فتحدث بإيجاز عن علاقته الاخوانية الوثيقة التي جمعتهما معا في الحوزة وفي المجالس الادبية الثقافية ايام الشباب، ثم قام بتقديم المتكلمين تباعا في الحفل.

اقرأ أيضاً: بعدسة «جنوبية»: لقاء «السيد محمد حسن الأمين في الذاكرة» ينطلق في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي

السيد محمد علي بحر العلوم تحدث بداية فقال: نشأ السيد الامين وترعرع في مدينة النجف حيث كانت ساحة دينية علمية فكرية، فكان هناك اتجاهان اتجاه محافظ واتجاه ثوري الاسلام هو الحل. وكان السيد من الخط الثالث الذي كان يبحث في سبب تخلف الامة وعوامل نهضتها بعيدا عن التيارين”.

وأضاف”: وجد السيد ان استبداد السلطة كان احد الاسباب الاساسية للتخلف ومنع التفكير، وكانت الكتابات لخدة السلاطين وتدعيم الاستبدادهم، وعدم التفكير في مصلحة الامة، فكانت رؤيته ان السلطة شأن بشري، وانه يجب ان يكون للامة سلطة في تقرير مصيرها، وانطلق من ثوابت الاسلام والقران للدعوة الى الدولة المدنية التي تأخذ شرعيتها من الشعب.

وختم: كان السيد الامين بما يمتلك كثير من العلم والمعرفة صاغهما نثرا وشعرا وكان لصوته القوي الخالد اثر كبير في بعث الوعي بين الناس، ونحيي اليوم تلك الروح التي نمت وترعرعت في النجف شاكرين مؤسسة الامام الخوئي”.

اما صديق العلامة الراحل المفكر الدكتور عبد الجبار الرفاعي فقد قال في كلمة مطلعها وجداني عاطفي، قاطعتها دموعه اكثر من مرة: “رحم الله أخي العلامة السيد محمد حسين الأمين، فقد غرقت في حالة ذهولٍ أنستني الكلمات وعطلت قلمي عن الكتابة، لم أكابدْ مثلَ هذه الحالةِ من قبل. كنت أفتش عن دمعةٍ تطفئ جمرةَ القلب، فلا تسعفني عيناي، البكاءُ المؤجلُ أقسى أنواع البكاء مرارةً. لم أكن أدرك حجمَ حضورِ هذا الإنسان النبيل بداخلي، ولم أتحسس قبلَ ذلك ما يفرضه رحيلُه المفاجئ المفجع من صدمة عنيفة تكفُّ فيها الكلماتُ عن الإصغاء لوجع القلب، وتصمت الحروفُ عن النطق. أعرف غزارةَ ما تجودُ به عيناي من دموعٍ لحظاتَ الحزن وحتى الفرح، لكن لم أكن أعرف كيف تحتجبُ الدموع. كان الأمينُ أمينًا على الأخوة بلطفٍ وذوق متفرّد يختصّ به.كنت أتذوقُ الجمالَ في طريقة تفكيره وعقله الخلّاق، ولطفه، ومشاعره الدافئة، ولغته الآسرة، وأدبه وشعره الرقيق. هذا رجلٌ كبير، خسرتُ برحيله صديقًا صدوقًا لا يمكن أن يعوضني شيءٌ بفقدانه”.

وأضاف”: “مازالت بصمةُ بعض رجال الدين اللبنانيين مضيئةً، لم تنطفئ آثارُها تمامًا في الحياة العلمية والأدبية والثقافية في مدرسة النجف. طالعتُ معظمَ أعدادِ مجلةِ النجف الصادرةِ نهايةَ ستينيات القرن الماضي عن كلية الفقه، رأيتُ هيئةَ تحريرِ هذه المطبوعة تألفت من: السيد محمد حسن الأمين، والسيد هاني فحص، والسيد عبد الهادي الحكيم. اكتشفتُ أن كلمةَ تحريرِ مجلةُ “الأضواء” كان يكتبها في بعض أعدادها السيدُ محمد حسين فضل الله. نحن مدعوون لإعادة اكتشافِ فكرِ العلامةِ الأمين غيرِ المنشور، وتوجيهِ طلاب الدراسات العليا في كليات الشريعة والعلوم الإسلامية للكتابة عن آثاره. أشهدُ أن فكرَه يمكن أن يُحدِثَ أثرًا إيجابيًا طيبًا في إيقاظ الحياةِ الروحية والأخلاقية للشباب، وتقديمِ صورةٍ ناصعةٍ للدين، الجيلُ الجديد في عالَم الإسلام بأمسّ الحاجة إليها اليوم.كان الأمين مفكرًا شفاهيًا، لم يحرص على تدوينِ أفكاره، والتعريفِ باجتهاداته في الفقه والقضاء، ولم يجمع شعرَه الغزير في ديوان بحياته”.

السيد كاظم إبراهيم: أهم ما كان يؤمن به العلامة الأمين واتفقنا بشأنه ان الدولة المدنية ليست مناقضة للدين، فهي بالعكس تنقي الدين من الشوائب

السيد كاظم ابراهيم من اخوان السيد الامين الخلص الذين رافقوه فترة الصبا على المقاعد الدراسية في النجف ولم تنقطع الصلة الحميمة حتى اخر ايام عمره الشريف، تحدث في الحفل فقال: تعرفت على صديقي السيد محمد حسن الامين في النجف على مقاعد الدراسة الحوزوية، وكان والدي ايضا صديقا لوالده رحمهما الله، الصلة بيننا لم تنقطع ابدا. كانت بيننا دائما حوارات ادبية فكرية ثقافية، واهم ما كان يؤمن به واتفقنا بشأنه ان الدولة المدنية ليست مناقضة للدين، فهي بالعكس تنقي الدين من الشوائب، وكنا متفقين على ان النظام الطائفي الذي ابتلي فيه لبنان هو اسوا انواع الانظمة . وكان السيد الامين كبيرا في عيون الناس وصاحب مواهب فكرية وشعرية، وكان يتواضع للشباب ويشجعهم”.

الشيخ حسين شحادة: كان العلامة الأمين يقف في وجه الغلو والتطرف الديني، وكان شائعا تبسيط الواقع الاسلامي الذي تحول الى تمجيد للذات

الشيخ حسين شحادة

ومن رفاق النجف الاشرف ورجال الدين العامليين الذين واكبوا السيد محمد حسن الامين الشيخ حسين شحادة، الذي حضر الى العراق رغم مرضه ليتحدث في تكريم اخيه السيد الامين فقال: انه كان يقف في وجه الغلو والتطرف الديني، وكان شائعا قبل عقود تبسيط الواقع الاسلامي الذي تحول الى تمجيد للذات، دون الالتفات الى الاخفاقات في مجابهة النموذج الغربي للحداثة، لذلك كان همه تحرير الوعي الاسلامي من الاستبداد الديني وهيمنته على احتكار المعرفة في الاسلام، وكذلك العشوائية في الاجتهاد وعدم التمييز بين الوهية الشريعة وبشرية التشريع، هذه هواجس كونت شخصية السيد المعرفية رحمه الله”:

وختم”: نقل وصيته كنت في جبل قاسيون وسالته لو الفت كتابا ماذا سيكون عنوانه قال سيكون عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام”.

وألقى السيد مهند مصطفى جمال الدين جاء فيها:

الحرّ الأمين

(ايّها الأمين: يا من آمنتَ بالعقلِ والحبّ والجمال، وأقمتَ على ضفاف الاسئلة لتسبرَ أغوارَ المعرفةِ وترتوي من نمير الفكر والشعر، ها هي اسئلتي تقف على تخوم وعيك لتستنطقَ اجوبتها في ذكراك الثانية)

وقفت القصيدة في قاعة مدرسة العلم للسيد الخوئي في النجف الاشرف في الذكرى الثانية لرحيل العلامة الشاعر السيد محمد حسن الأمين ..

أراكَ كثيرًا في طريقكَ تسألُ
الى اين تمضي، أو متى أنت ترحلُ؟
وفي أيّها تمشي، ودونكَ ترتمي
مساراتُ شتّى والمتيهُ مضلّلُ
وفي أيّ أرضٍ يسكنُ القلبُ، ينطفي
به الضوءُ والدنيا بعينيكَ تُقفلُ
وماذا ستلقى بعد رحلتكَ التي
حملتَ بها لُغزًا، وأنتَ ستُحملُ
وماذا، متى، أم كيف، أم أين، كلّها
تريدكَ حرًّا، إذْ عليكَ المعوّلُ
كشفتَ بها سرّ الطريقِ ، وكنتَهُ
كتابًا قرأنا فيه ما نتأمّلُ
وكنتَ بهِ في آخر المتنِ كلْمَةً
محكّمةّ توحي بأنّكَ أوّلُ
….
ويا آخرَ الأقلام رأيكَ لم يزلْ
أمينًا وحرّاً ، وهو لا يتبدّلُ
نطقتَ بهِ أيامَ حاصركَ الدجى
لتكشفَ زيغاً كان في الدرب يوغِلُ
ويُسلبُهُ فكرًا، ويُشعلُهُ لظىً
ويذبحُ فيهِ كلّ ضوءٍ ويقتلُ
مضيئًا سرى فيكَ التجدّدُ وانبرى
فما أنتَ الّا في الحداثةِ أجملُ
تشعّ على طول الزمانِ قصيدةً
ويعضدُها منكَ البيانُ المنزّلُ
تعثّرَ رهطٌ حين ضاقتْ عيونهمْ
فمالوا على هذا الجمالِ وأشكلوا
وما قدّروا يومًا بأنكَ واجدٌ
ضلالاً سيحميهِ الضياعُ المسلسلُ
فلم تنزلقْ رجْلاكَ في كل ما ترى
ولم تنحرفْ مهما عليكَ تقوّلوا
فكنتَ بلبنانٍ عصارةَ أرزهِ
وصوتًا ( بشقرا) لم يزل يتجمّلُ
وفي النجف المرموقِ قد كنتَ آيةً
وأمطارها من قمة المجد تهطلُ
ففي كل حقلٍ من رياضكَ زهرةٌ
وفي كل قلبٍ عاشقٍ لك منزلُ
….
ويا جيلَ من صاغَ الحياةَ سؤالهمْ
فضاقَ بهمْ حتفٌ وآخرُ مقبِلُ
ستنشرهمْ دنيا العفاف مواسمًا
فذكرهمُ أبهى وأسنى وأكملُ
وكلٌّ بدا حول الصفاء معلّماً
بمدرسةٍ فيها الفناءُ مؤجّلُ
تآخوا على سدّ الثغورِ بوعيهمْ
ورأيهمُ في كفّةِ العدل أعدلُ
وقد نشروا فكرا أصيلاً منضّرًا
تخطّتْ بهِ أخلاقهمْ وتنقّلوا
وإذْ شتّتَ الموتُ المحتّمُ جمعهَم
وفرقهمْ من كان يطغى ويجهلُ
تناثرَ عزمٌ واستعضنا بغيرهِ
وبدّدنا ليلٌ طويلٌ وأليلُ
ورحنا نداوي عِلّةً بضياعنا
بأنْ سوف نحيا في النعيمِ ونأكلُ

وقصيدة للشيخ عبدالله الخاقاني:

لحظة حالم

أرى الْآنَ وجهاً مُقبلاً مِن غَياهبِهْ

يُفتِّشُ عندَ الماءِ عنْ ظلِّ صاحِبِهْ

على شفتيهِ تَمْتماتٌ حَبيسَةٌ
وفي لَمْحِ عينيهِ اشْتعالُ مآرِبِهْ

لقدْ جاءَ مملوءاً غموضاً وهيبةً
يراقبُ شيئاً مّا يَطيرُ بجانِبِهْ

أَرى في يديهِ خُرْزَتَيْنِ وقَبْضَةً
مِن الضَّوءِ تَحكي النَّجْمَ في لَمْعِ ثاقِبِهْ

وفِي مقلتَيْ عينيهِ تَفترُّ أَحرفٌ
هِلالِيَّةُ المَرْأى كَتَقْويسِ حاجِبِهْ

رَثتْهُ ببعضٍ مِن صَداهُ فأَطْرَبَتْ
بِدَيْرِ الهَوى الشِّعْريِّ أَعطافَ راهِبِهْ

ولَمْ يَكُ حُزناً كانَ مَحْضَ تَأمُّلٍ
لِهذا انْجلى عَنْ فكرةٍ دَمْعُ نادِبِهْ

وها هُوَ حيٌّ بَعْدَ أَنْ غابَ لحظةً
تَشُعُّ رُؤاهُ مِن جميعِ جوانِبِهْ

أَضِئْ لِيْ بَهيَّ الشِّعْرِ لحظةَ حالمٍ
يَرى الكونَ مَسْكوناً بِزاهي رغائِبِهْ

يَمُدُّ يديهِ يَستقي ماءَ وقتِهِ
فيملؤُ كفَّيْهِ النَّدى مِنْ سَحائِبِهْ

صباحاتُهُ يَنضحنَ بالعشقِ والمُنى
وأَسحارُهُ يَمْشُطْنَ شَعْرَ حبائِبِهْ

تَناهتْ الى أَبعادِهِ نجمةُ الهوى
تَبوحُ لهُ عن سِرِّ نَجوى كواعِبِهْ

فيحضنُها في مقلتيهِ ويَنتشي انْـ
ـتشاءَ رضيعٍ يَستقي مِن مَحالِبِهْ

لقدْ كانَ قَبْلَ اليومِ مُمْتَلِئَ الصَّدى
يُغَنِّي فينسابُ الشَّذى مِن أطايبِهْ

يُحَدِّقُ في المِرآةِ سَبعينَ مَرْفَأً
يَرى غيرَ عينيهِ ورَسْمَةِ شارِبِهْ

تَوَزَّعَهُ حزنُ الفُصولِ وصاعقٌ
مِن الرَّفضِ يُنْميهِ لِجمرِ مصاعِبِهْ

ولَم أَدْرِ فِيمَ اخْتارَ للرَّفضِ مَركَباً
غَضُوباً وأَمْضى العُمْرَ ضدَّ مُغاضِبِهْ

قِفِ الْآنَ حَدِّقْ في الفضاءاتِ هلْ تَرى
سوى قَمرٍ هِمْنا بِطُولِ ذوائِبِهْ

يُضيئُ لنا أَحلامَنا نُورُ وَحْيِهِ
فنَمْضي بعيداً في سُفوحِ مَلاعِبِهْ

نُفَتِّشُ بيْنَ العشبِ والماءِ عَن لِقىً
لِخِلٍّ تَوَلّى البَدْرُ رَزْمَ حقائِبِهْ

عن الرُّؤيةِ الأَبهى لإيقاعِ شاعرٍ
يُطلُّ بِوَجْهٍ صامتِ الّلونِ شاحِبِهْ

يُفتِّشُ عنْ بَحْرٍ بحجمِ امْتدادهِ
فيرجع والأمواجُ تَلهو بِقاربِهْ

فنَلقى بقايا مِنْ دموعِ قصيدةٍ
مخضَّبَةٍ تَروي عميقَ تجاربِهْ

وحُلْماً أَلِفْنا وَمْضَهُ بَيْنَ عاشقٍ
مُريدٍ وبَرْقٍ في مَدى الشَّوقِ جاذِبِهْ

أَعِرْني صديقَ الشِّعْرِ فانوسَ بهجةٍ
لَعَلِّي أرى فجري أطاحَ بحاجِبِهْ

فقدْ شاقني وجْهُ الضُّحى بَعْدَ غُرْبةٍ
يُطلُّ على الدنيا بدُنيا عجائِبِهْ

ووجهُ الضُّحى وجهانِ في يَقظةِ المُنى
ووجهُ الضُّحى في شرقِهِ لا مغارِبِهْ

هما وجهيَ السِّرّيُّ قبل اغْتيالِهِ
ووجهُ انْهياري تحتَ هَوْلِ خرائِبِهْ

أَكُلُّ المَدى بَحرٌ لِيَمضيَ قاربي
الى ساحلٍ قدْ مَلَّ فَوْضى قوارِبِهْ

أفرُّ بِشعري نحوَهُ وهوَ آسِري
وأرغبُ عن كأسِ الأماني وساكِبِهْ

أُحدِّقُ في جَنْبيَّ عَلَّ تميمةً
تُعيدُ الهوى المسلوبَ مِن رُمْحِ سالِبِهْ

تُعيدُ لِقلبي نَجْمتينِ وضحكةً
وتَخلعُ عِن وجهي قِناعَ مَتاعِبِهْ

رَحِيلُكَ بيْنَ الظلِّ والماءِ مُبْهِرٌ
ونَأيُكَ عنْ طَوْقِ النَّدى مِن غِرائِبِهْ

ودمعُكَ حينَ الجمرُ بالجمرِ يَلتقي
كتابُ تواريخٍ تَلا وَحْيَ كاتِبِهْ

تَرُوحُ وتَغدو وَقْدُ عينيكَ قِصَّةٌ
تُحَدِّثُ عن عصْرٍ رَهِينِ مَخالِبِهْ

تَبَدَّلَت الأسماءُ فيهِ وأَوْشَكَتْ
غَرابيبُهُ تَغتالُ شمسَ مناقِبِهْ

لِتَكبرَ في صدرِ القصيدةِ حسرةٌ
تُطيحُ بقلبٍ عشقُهُ مِن مَعايِبِهْ

وتِمتدُّ بيْنَ الماءِ والعشبِ والنَّدى
على غِفْلةٍ مِنّا جيوشُ عقارِبِهْ

فلا النَّبْعُ صَفْوٌ مِن وُلُوغِ كلابِهِ
ولا الكَرْمُ سِلْمٌ مِن خِداعِ ثعالِبِهْ

وسادَ انْطفاءُ الّلونِ قبلَ انْدثارِهِ
وصارتْ أُسُودُ الغابِ أَسرى أرانِبِهْ

وأَمسكَ بالقيثارِ مَنْ لا يَظنُّهُ
سوى خَشَبٍ يَرْتجُّ في كفِّ حاطِبِهْ

تَداخلت الأشياءُ في ظلِّ بعضِها
وما عادَ حتى الماءُ ماءً لِشاربِهْ

أَضِئْ كرنڤالَ الشِّعرِ فالشعرُ لمْ يَمُتْ
وإن أَحدقتْ بالنَّبعِ فَوْضى طَحالِبِهْ

مَحابرُهُ لاعَدَّ يُحصي ائْتلاقَها
على صفحاتٍ مِن مِرايا مَواهِبِهْ

تَكَثَّرَت الألوانُ في قامةِ النَّدى
وسالَ الشَّجا مِن بَيْنِ عُودٍ وضارِبِهْ

وَوَقِّعْ كما قَدْ كنتَ حزناً تَعَمَّدَتْ
قوافيكَ فيهِ بَيْنَ طِينٍ وَلازِبِهْ

فأنتَ بِمِرآةِ الغَرِيَّيْنِ صورةٌ
مُنَقَّحةً عَن مُبْدعِ الشِّعْرِ واهِبِهْ

تَديفُ بهِ مِن وَحْيِ عامِلَ صرخةً
هي العَزْمُ يَجري في دماءِ مُحارِبِهْ

وأنتَ بآفاقِ الجنوبِ سحابةٌ
مِن النجفِ ازْدانَتْ بِلمْعِ كواكِبِهْ

وأنتَ انتماءٌ لانْبلاجاتِ رؤيةٍ
تفيضُ سَناً عنْ دائمِ الشِّعْرِ دائِبِهْ

وجِيلكُمُ جيلٌ تأنَّقَ لفظُهُ
ومعناهُ وانشقَّ المَدى عنْ مَناكبِهْ

اذا رامَ إيقاظَ الحياةِ بِغُنْوةٍ
جَرى شَرَرٌ مِن بينِ واهي تَرائِبِهْ

وَمَدَّ الى كلِّ اتِّجاهاتِهِ فَماً
لِيَنزفَ كلَّ الشَّوْقِ مِنْ جَمْرِ لاهِبِهْ

وقصيدة ألقاها الشاعر عباس عياد

نداءات ضوئية إلى الراحل الكبير السيد محمد حسن الأمين رحمه الله

إعطف على الشعر… غافٍ دونك الألق         وصغ له الشمس حرفاً… أيها الأفق

وخل ركب الضحى يجري على شغفٍ           إذا القصيدة من عينيك تنبثقُ

وخلّ سرّي على إيقاع خاطرة           يراك كيف مدار الغيب تخترق

وانشر أساريرك البيضاء خلف مدى     بصرته وجبال الريح تصطفق

محمّلاً بأغاني الأرض في سفر          من السوانح.. خيّال به الرمق

يا سيد الكلمات الزهر أنجمها            تضيء مسرى المعاني وهي تأتلق

ترنحت شمخة من عزّةٍ وإباً             والمصغيان دم الأحرار والفلقُ

فإن نطقت جمال الكون منبسط          وإن كتبت تشهّى أنه الورق

تأتي على جدبنا إبان حالكة              فتزرع الضوء حتى ينحني القلق

كأنك الماء واهتزّت هوى ورمت        ضفافنا ومداك الطيب والعبق

يمشي بك الحب أو تمي به فسرت       ركائب الوصل من آذوا ومن عشقوا

سكينة ووقار في مهابته                 لطفٌ تحيّر من أسراره الخلق

ويا نجيّ السواقي كل رقرقةٍ             تشتاق همسة حبّ منك تسترق

نديمها أنت… كما سالت سرائرها       خوالجاً في قوافي الشعر تنغدق

أنِمت عنها؟!… آراها الآن باكية        وبعدك الورد لا طيب ولا نسق

فعد عليها بما عوّدتها شُرَفاً              من الأصائل يحلو عندها الشفقُ

يا أيّها القلم المجبول من شرفٍ          إذا تقطّر نبل الفكر يندفق

أمين كبر على مجد الأُلى سلفوا         ولم يخنك جبين والدنى حُرق

يا أنت.. يا (لم تكن إلاّك) يا شمماً       عليه ما ختلفوا لكن قد افترقوا

قرأت وجهك تبياناً لأسئلتي              فرحت أعدو… ويحدو اللهف ما أثق

ما كان سعيي إلى عينيك عن ترفٍ      لكن لأبصر كيف السحر يعتنقُ

وكيف عيناي تنساب الرؤى بهما        إذا ترقرق في إصغائك الحدقُ

وجئت ذكراك… أيّ الوامضات رأت            قلوب من سرحوا صمتاً… ومن نطقوا

مهدهدين بمرأى دهشة رهفاً                     وما تلفت في صرح العلى عنق

ما زال أمسك وضاء بهالته                      يجوب فينا المرايا والمدى غسقُ

أتيت ذكراك يصطف النخيل على                فرات شوق بدمع الكبر أختنق

أنا ابن أرضاك – يا ابن الرفض – عاملة        ما كان يجبلها إلاّ دم هرق

أنا ابن نفيك مذ صال الغزاة بها                 وأي نفي به الثوَار ترتفق

وأي نفي إذا هب النسيم على                    رمل الغريّ وروح منك تلتصق

هنا الحكيم… هنا الخوئي وازدحمت             عوالم الرشد من سستان تنطلق

هنا عليُّ – ووجه الله مبتسم –                  هنا السماوات… يجثو عنده الألق

فارحل على مجدك الزاهي بحيدرةٍ               وصغ دم الشمس حرفاً… أيها الأفق

والقى السيد مهدي الامين كلمة شكر فيها المنظمين والمحتفلين ومما جاء فيها: وانت تطل على السيد محمد حسن الامين على بعد عامين من غيابه، نقول ان مقاربة عميقة لفكر السيد الامين يمكن ان يكون لمقام غير هذا المقام. يستوقفك فيه الطبيعة التركيبية في تكوينه الفكرية والثقافية، من ناحية الدين من جهة واضطلاعه على منجزات الحداثة والمرتكزات الفكريه لها، وترى شخصيته الادبية الشعرية”.

السيد مهدي الأمين متحدثاً

ولفت الى ان “الاسلام لم يكن من وجهة نظر السيد مشروعا منجزا وانما مصدر استكشاف دائم، للتشكل واعادة التشكل، دينامية تهضم مايستجد من مشكلات”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين يتوهّج في ذكراه الأولى.. حين يطغى الحضور على الرحيل!

وخلص الى ان “الذوق الفكري الذي تحلى به السيد جعله حلا لعدد من المشكلات، الحرية.. والسلطة ان كانت ضرورة الا ان قيامها بحسب السيد ان لا يكون على حساب الحرية بل ان السلطة يجب ان تكون مشتقة من قواعد الحرية”.

السابق
أوجيرو تُعلن توقف سنترالَين
التالي
«طواحين الهوى» كتاب بأقلام سيدات الألم المقهورات بالمفقودين!