السيد محمد حسن الأمين يتوهّج في ذكراه الأولى.. حين يطغى الحضور على الرحيل!

السيد محمد حسن الامين
كان منبع الفصاحة وملك البلاغة، ولأنه ذو ثقافة رحبة فإن اللغة كانت تأتمر بأمره، فتتدفّق فيّاضة من شفتيه، يسكبها صافية لتروي عطش التواقين لمعرفة الحقيقة، فيصغي سامعوه اليه بصمت طارقين مفكرين, وقد أسرهم سحر المعنى، ولا فرق ان كان ما يفيض عن السيّد نثرا او شعرا، او فكرا يحاكي الواقع السياسي والاجتماعي والديني الذي نعيشه.

عشق السيد محمد حسن الامين الحريّة، ووجدها في الإسلام أكثر مما وجدها خارجه، فالانسان برأيه “يكدح” نحو الحريّة مستشهدا بالآية الكريمة “يا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ”، وما “الكدح” برأيه ليس سوى سعي الانسان الفطري الى الحرية، لملاقاة الله الذي أمره بعبادته حصرا كي يعصمه عن العبودية لأحد من مخلوقاته، لذلك برأي السيّد فإن “عبادة الله هي ذروة الحريّة”.

اقرا ايضا: ذات ليلة من ليالي الشهر المبارك

الدين ثورة ضدّ الظلم

ولأن السيّد، رضوان الله عليه، كان يقدّس الحرية، فانه كان العدوّ الاول للاستبداد، لا سيّما استبداد الحاكم بشعبه، وهو ما تعاني منه شعوبنا العربية، فبارك انتفاضتها في وجه حكامها وأيّد ثوراتها، ثم تأسّف على خبوة تلك الثورات في بعض البلدان، وعندما بدأ الارهاب الديني يضرب في بعض البلدان العربية والاسلامية قال “ان شعوبنا تعاني من استبدادين، استبداد الحاكم واستبداد الارهاب الديني”، وقال ان “الدين يفقد معناه اذا لم يحارب الظلم”.

وكان يرى السيّد ان إنشاء الدول المدنية التي تحكمها الأنظمة الديمقراطية كفيل بتحرر كافة شعوبنا، وان المطلوب ليس قيام دولة اسلامية، فأعلن صراحة أن “الدولة الدينية هي دولة غير شرعية” لأنها بنظره تنتحل صفة وتدعي زورا حيازة التفويض الالهي للتسلّط على الناس، مؤكدا بالمقابل “اننا لسنا مع تأسيس أنظمة دينية، بل مع الدولة المدنية العادلة”. 

كان السيّد محمد حسن الامين يقدّس الحرية وكان العدوّ الاول للاستبداد لا سيّما استبداد الحاكم بشعبه.

وبوصفه عالم دين ومفكرا اسلاميا مجدّداً، فانه هاجم الاحزاب الاسلامية، التي تريد فرض الشريعة بالقوة على حساب حرية الأفراد، ورأى ان واجبه سحب فرصة مصادرة حرية الإنسان من هؤلاء باسم الدين، وباسم التعاليم السماوية، وانه يجب أن يكون لدينا هاجس تحرير البنية العقلية من “رواسب شرعية الاستبداد”. ونفى السيّد ان يكون الإسلام دين ودولة على حدّ زعم الحركات الاسلامية، لأن الدين هو منجز إلهي مقدّس في حين أن الدولة هي منجز بشري. 

الثورات الشعبية تنتصر عندما تنجح بتشكيل وعي جديد لذلك فان “شعوبنا تحتاج إلى ثورة ثقافية لكسر العبودية”

وطمأن السيّد الراحل، عموم المسلمين في ان “التجديد” الذي ينادي به “يطال الفكر الإسلامي وليس الدين نفسه”، مؤكدا على مرجعية العقل، فقال “لو وجد شيء في الشريعة حكم يتنافى مع أحكام العقل لا يُوخذ به ولا يُعمل به على الإطلاق”، نافيا ان يكون هناك نص ديني يوجب اقامة نظام الخلافة مؤكدا ان “العقيدة الإسلامية لا تتضمن صورة أو هيكيلية واضحة للنظام السياسي في الإسلام وبالتالي لا يوجد في العقيدة الدينية الإسلامية ما يوجب التمسك بنظام الخلافة”، ومحرّضا على  نشر الوعي بين المسلمين، مفتيا انه “واجب شرعي عيني”، لأنه السبيل الأجدى للخلاص من المحن التي تفتك بأمتنا وان الثورات الشعبية تنتصر عندما تنجح بتشكيل وعي جديد ، لذلك فان “شعوبنا تحتاج إلى ثورة ثقافية لكسر العبودية” والخلاص من اشكال العبوديات المستحدثة التي ينشرها دعاة السلطة ودعاة التعصّب الطائفي، حتى ان في مجتمعنا مع الاسف، “الخروج على عادات المجتمع وتقاليده يعرض الفرد لعقوبات وهذا يعتبر أقصى درجات العبودية!”.

مصطلحات ومفاهيم جريئة 

أحدثت المصطلحات الفكرية التي نادى بها السيّد محمد حسن الامين جدلا كبيرا بين عامة المؤمنين وخاصتهم، وقد ادرك ان نشرها وتبني المسلمين لها سيشكل إضافة نوعية للفكر التنويري، الذي يحمل عبء نشره وتعريف المسلمين بأدبياته، ومنها طرح “العلمانية المؤمنة” التي لا تفصل الدين عن المجتمع انما تفصله عن الدولة، ومنها أيضا قوله ان “الزواج في الاسلام هو زواج مدني”، وكان لهذه المقولة وقعها الثقيل على المسلمين التقليديين الذين انتقدوها بداية، لانها تخالف قناعاتهم الدينية التي نشأوا عليها، ثم عاد اغلبهم ووافقوا عليها بعدما اكتشفوا عن مراسم الزواج عند المسلمين، لا تختلف عن اي عقد مدني سوى ببعض التفاصيل الثانوية.

إنشاء الدول المدنية التي تحكمها الأنظمة الديمقراطية كفيل بتحرر كافة شعوبنا

بالمقابل فان السيّد، كان أمينا بحق على جوهر الاسلام وحافظا لدوره، وهو ردّ على العلمانيين، الذين يباهون باعتناقهم لأيديولوجيات عقائدية مادية متطرفة،  يسارية او غربية ليبرالية، لا تحترم المجتمعات الدينية وتدعي ان الدين هو أسطورة المجتمعات المتخلفة، فأجابهم السيّد: “ان الأيديولوجيات هي الاسطورة الحديثة وليس الدين” مردفا ان “عصر الأيديولوجيات قد انتهى وتوجّت نهايته بسقوط الأيديولوجيا الماركسية”، و”اذا كان العالم الإسلامي ينقصه الأنظمة الحديثة، بسبب التطور العلمي الذي شهده الغرب، فان العالم الغربي ينقصه الروح المؤمنة الموجودة في الأديان ولا سيّما منها الاسلام”.

أما عن السيّد محمد حسن الامين الشاعر، فيكفي بيت شعر، قاله من قصيدة رثا فيها الشاعر العراقي الكبير مهدي الجواهري، ألقاها في حفل جرى بالجامعة الاميركية في بيروت، هي اليوم تحاكي الذكرى الأولى لرحيله عن الدنيا وطغيان حضوره الذي تضاعف بعد غياب جسده الشريف: 

والمبدعون مناياهم تضاعفهم .. فكلما قلّ من اعمارهم كثروا!

السابق
بالأسماء.. هذه لوائح «التيّار الحرّ» للإنتخابات النيابية 2022
التالي
بالفيديو.. الشيخ دندش يضرب مجدداً: الأحزاب العميلة تحتل منطقة بعلبك الهرمل!