محسن إبراهيم .. حين يستيقظ «حارس الأحلام»!

محسن ابراهيم

مهما حاولنا ان نجد تعريفا صحيحا وواقعياً، بشخصية محسن ابراهيم، من حيث توصيفنا الدقيق (اللاإنشائي) لها، كتعريف يتسم بالصدقية والموضوعية (الحيادية واللاحيادية معاً)، فاننا لن نجد تعريفا افضل من تعريف محسن ابراهيم نفسه بشخصية رفيق دربه النضاليّ الراحل الدكتور جورج حبش، وهو التعريف الذي ودّعه به، والمتمثل بقوله التّوصيفيّ التالي: سيبقى “جورج حبش اسما كبيرا وقامة شامخة في تاريخ العمل الثوري العربي والقضية الفلسطينية، وسيبقى اسمه مقرونا على الدوام بصلابة الالتزام النضاليّ وشجاعة الموقف الفكريّ ونزاهة الممارسة السياسية”. ذلك اننا نجد، وبالبداهة المطلقة، ان هذا التعريف التوصيفيّ الصحيح والصادق والدقيق، هو الذي ينطبق تماما ودون اي قول سواه، على شخصية قائله.

اقرأ أيضاً: غاب محسن ابراهيم فخسر المشرق العربي جزءاً من ذاكرته السياسية

المناضل التاريخي

فالمناضل التاريخيّ محسن ابراهيم ، سيبقى اسما كبيرا وقامة شامخة في تاريخ العمل الثوري العربي والقضية الفلسطينية، وسيبقى اسمه مقرونا على الدوام بصلابة الالتزام النضاليّ وشجاعة الموقف الفكريّ ونزاهة الممارسة السياسية. فمحسن ابراهيم قد ارتقى بنضاليته الفكرية والسياسية معاً، الى مصافّ الرمز التاريخي اذْ انه، وبالممارسة التنظيرية والعملانية “التنفيذية” على حد سواء اثبت انه احد حراس احلامنا بتغيير النظام الطائفي في لبنان وبتحرير فلسطين والجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي.

 ارتقى بنضاليته الفكرية والسياسية معا الى مصاف الرمز التاريخي الشامل

رمز نضالي شامل 

ومحسن ابراهيم هو رمز نضالي شامل ، بصفته احد صانعي هويتنا النضالية في العصر الحديث. ذلك انه رمز من رموزنا التاريخيين الذين جعلوا النضال مفتوحا على اللانهاية، بجعلهم له – في زمنهم المشهود لهم فيه بذلك – متعدد الاوجه والابعاد، اذ لم يقتصر نضالهم على الكفاح المسلح فحسب ، بل كان نضالا ثقافيا بشمولية مقتضياته واعبائه الحضارية. ومحسن ابراهيم كان رائدا في هذا المجال دون منازع.

سيرة

ولد محسن ابراهيم في بلدة انصار “الجنوب اللبناني” في العام 1935 ، وهو يعد احد اهم القادة اليساريين في السبعينات والثمانينات. انضم الى حركة القوميين العرب ، قبل ان يؤسس ” منظمة الاشتراكيين اللبنانيين “سنة 1968. وفي سنة 1970 اندمج تنظيمه مع “لبنان الاشتراكي”، ليشكل ” منظمة العمل الشيوعي في لبنان”. ومن ثم اصبح محسن ابراهيم امينا عاما لمنظمة العمل الشيوعي، ثم امينا عاما ل “الحركة الوطنية اللبنانية” التي كانت احد اهم اطراف نزاع الحرب الاهلية اللبنانية.

قام بنقد ذاتي لتجربة الحركة الوطنية اللبنانية معترفا بخطأ دخولها الحرب الاهلية من اجل التغيير 

وفي سنة 1982، ابان الغزو الاسرائيلي للبنان، اطلق محسن ابراهيم “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” مع الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي. ومع تنامي الدور السوري في منتصف الثمانينات، انحسر دور محسن ابراهيم، ليغيب تدريجيا عن الساحة السياسية. وبعد انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية، قام محسن ابراهيم بنقد ذاتيّ لتجربة الحركة الوطنية وعبّر عن ذلك، باعلانه في ذكرى الاربعين لرحيل رفيقه الشهيد جورج حاوي، ان ” الحركة الوطنية  ارتكبت خطأين: اولهما انها استسهلت الحرب الاهلية معْبَراً لتغيير بنية النظام الطائفي، تحت وهْم اختصار الطريق الى التغيير الديموقراطي؛ وثانيهما انها اباحت لبنان للمقاومة الفلسطينية، مما حمله (أي لبنان) فوق طاقته؛ وادى الى انشطاره شطرين متقاتلين، في ظل تخلي الدول العربية، قاطبة، عن نصرة الشعب الفلسطيني ودعم ثورته”. وتعبيرا منه عن الوفاء والالتزام بالقضية الفلسطينية، حافظ محسن ابراهيم على صلته الوثيقة بالقائد التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، هذه الصلة التي بقيت على وثاقتها وديمومتها، الى لحظة استشهاد ياسر عرفات. كما ان محسن ابراهيم كان على علاقة نضالية وثيقة ايضا مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس “ابو مازن”. رحل محسن ابراهيم في الثالث من حزيران 2020 عن 85 عاماً. وودعه لبنان بمأتمٍ مهيب.

المناضل النهضوي

وبرحيله تكون قد انطوت حقبة مضيئة من تاريخنا النضالي المشرّف. جهات كثيرة وافراد كثيرون نعوا الراحل ومنهم: “حركة فتح”؛ ومجلة “بيروت المساء”؛ وناشر ورئيس تحرير مجلة “شؤون جنوبية” وموقع “جنوبية ” علي الامين؛ والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي نعاه في بيان جاء فيه: إنّ ” محسن ابراهيم (ابو خالد)… اسم حفر عميقا في وجدان اجيال من اللبنانيين، على تنوّعهم واختلافهم، فمنهم من شاركه في قناعاته، ومنهم رأه خصما شريفا سلاحه الموقف والكلمة الحرة. واضاف البيان: ونحن ” في هذا الزمن ندرك، كم هي الحاجة لنموذج (ابو خالد) المناضل النهضويّ، الذي من الصعب تكراره”.

اقرأ أيضاً: أسطورة محسن إبراهيم

إشارة

  •  في 23 فبراير ” شباط ” 2017، منح رئيس دولة فلسطين محمود عباس، محسن ابراهيم وسام الاستحقاق والتّميُّز الذهبي، تقديرا لتاريخه مع القضية الفلسطينية.
  • من أبرز مؤلفات محسن ابراهيم: “إسرائيل: فكرة – حركة –  دولة”.؛ “مناقشات حول نظرية الأمل العربي الثوري”؛ “الحرب وتجربة الحركة الوطنية اللبنانية”؛ “آفاق العمل الوطني”.
السابق
اصابات جديدة بـ «كورونا» وحالة وفاة.. هذا ما جاء في تقرير «الصحة»
التالي
«دولة» على مقاس «الثنائي الشيعي»!