محسن إبراهيم.. يوم استبد الهوى اللبناني والفلسطيني بعابر الهويات!

محسن ابراهيم
رجل في رجالات عابر سلس للجنسيات والهُوّيات والسياسات، التي امتزجت على مدى عقود من "النوستالجيا" الحلوة والمرة برفقة كبار القوم والسياسة، و صنعت خليطاً فريداً بمقوماته العربية والتقدمية و اللبنانية والفلسطينية واليسارية المتجددة والقومية، وشكلت هذا الشخص الفريد.

أبو خالد نموذج لجيل ينحسر في الحياة السياسية اللبنانية والعربية، ومحسن ابراهيم الذي غيّبه الموت يوم امس الأربعاء في 3 حزيران 2020، كان امين عام منظمة العمل الشيوعي في لبنان، تلك المنظمة التي خرجت من رحم حركة القوميين العرب، بعدما تفرعت الأخيرة الى منظمات عدة نحت نحو تبني الماركسية اللينينية اثر نكسة ٥ حزيران 1967. 

اقرأ أيضاً: اعتذار يستحضر سيرة «أبو خالد»: من عبد الناصر إلى كمال جنبلاط وأبو عمّار

السيرة الغنية والمليئة بالأحداث

وابو خالد الذي تولى ايضا موقع الأمين العام للحركة الوطنية اللبنانية في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كان قريبا من الراحل كمال جنبلاط مؤسس الحركة الوطنية وزعيمها، وهو الى هذه العلاقة المميزة كان وثيق الصلة بالراحل ياسر عرفات، علاقة ظلت مستمرة ووثيقة الى حين وفاة ابوعمار مسموما في مقره برام الله عام 2003.
على ان محسن ابراهيم صاحب سيرة غنيّة ومليئة بالأحداث، التي شكلت مفاصل مهمة في مسار اليسار اللبناني وفي الحرب الأهلية وعلى مستوى القضية الفلسطينية التي كان احد اعضاء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية غير المعلنين، وهذا ما يعرفه الفلسطينيون بالحدس وبالوقائع التي جعلت من ابو خالد المشرف المباشر او غير المباشر على الحركة السياسية الفلسطينية في لبنان بين عامي 1982 ولا سيما في عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، وبتكليف من ابوعمار.

رحل السيد محسن ابراهيم الأممي الاشتراكي والعروبي واللبناني، الفلسطيني، هويات متصلة ولا تنفصل عنه، هو النموذج الذي يكشف غيابه

كان له دور محوري بعد اتفاق الطائف ولجهة تسليم السلاح الفلسطيني الثقيل اسوة بالاحزاب اللبنانية، كما كان ابوخالد حاضرا في كل القضايا المتعلقة بمعالجة ملفات سياسية وامنية بين المخيمات ومحيطها، فضلا عن دور مؤثر له في تنظيم العلاقة بين حركة امل والفلسطينيين بعد حرب المخيمات الشهيرة، محطات عديدة كان ابوخالد فاعلا وحاضرا فيها، لكن يبقى ان البيان الشهير الذي وقعه مع امين عام الحزب الشيوعي في ايلول 1982، هو المحطة الأهم في تاريخ محسن ابراهيم ولبنان بعد الاحتلال الاسرائيلي، وهو بيان اعلان المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، الذي شكل بعد ذلك الاعلان السياسي والعسكري الرسمي لاطلاق المقاومة واعلان تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.

المحطات التاريخية

‏يروي الصحافي غسان شربل في جلسة خاصة، انه لطالما حاول ان يجري حوارا مع محسن ابراهيم، يتناول المحطات التاريخية التي عاصرها وشارك فيها، ودائما كان محسن ابراهيم يعتذر، ولم يخف شربل الرغبة والشديدة لاجراء مثل هذا الحوار، معتبرا ان ابو خالد يمتلك من المعرفة الدقيقة والكثير من المعلومات التي لم يكشف عنها او ان روايتها لم تكتمل طالما لم يكملها ابو خالد بشهادته، من نهاية الستينيات الى الحرب الأهلية والاجتياح الاسرائيلي وما تلاه، وصولا الى اتفاق اوسلو الذي كان احد الذين رافقوا توقيعه واحد المشاركين في بلورة موقف فلسطيني بشأن الانخراط به.

شخصية حيوية

‏لا يمكن ان لا تنجذب الى محسن ابراهيم، هو شخص يمتلك جاذبية تفضحها الحيوية والميل الدائم للالتقاط المفارقات، والابتسام، بل الضحك الذي ينم عن شخصية محببة لا يخل بجديته وبراعة في التعبير وفي صوغ الجملة السياسية، اتيح لي لمرات عديدة ان اكون حاضرا في لقاءات جمعته ووالدي السيد محمد حسن الأمين، على مدى زمني ممتد لأكثر من عقد، هذه اللقاءات التي كان يبادر اليها في زيارات متكررة الى منزل الوالد في صيدا، كان يتاح لي ان انصت اليه واستمع الى مداخلاته السياسية، والى طرائفه وضحكته، وهو الى كل ذلك كان رجلا قادرا على ان يحافظ على هويته السياسية من دون ان يقطع خيط السياسة مع احد، الى الحد الذي ظل محسن ابراهيم عرفاتيا، كما كان يسميه خصوم عرفات واعدائه في لبنان، في الوقت الذي كانت فيه الصلة بعرفات او ذكره جريمة قومية في نظام الوصاية السورية على لبنان، ظل محسن ابراهيم وفيا للمقاومة الفلسطينية وزعيمها الختيار في احلك الظروف، لذا يمكن القول انه من اكثر اللبنانيين الذين يحظون بعاطفة فلسطينية خاصة، دفعت القيادة الفلسطينية الى اعلان الحداد عليه في رام الله، وقامت بتنكيس العلم الفلسطيني، لم يحمل محسن ابراهيم الجنسية الفلسطينية، ولم يفكر اي فلسطيني بأن ابوخالد ليس فلسطينيا، بل كان يمكن للراحل الكبير محسن ابراهيم ان يعطي شهادات على هذا الصعيد، واكثر ان يعبر عن لبنانيته وفلسطينيته معا، بنقد صادق وجريء لتاريخه النضالي، حين اعلن عن وجوب الاعتراف بخطأين، تحميل لبنان اكثر مما يحتمل من اعباء القضية الفلسطينية هذا اولا، واستسهال الانخراط في الحرب الاهلية كسبيل للتغيير الديمقراطي في لبنان.

اقرأ أيضاً: «بيروت المساء» تتشح بالأحزان.. محسن إبراهيم يترجل ولا يرحل

‏رحل السيد محسن ابراهيم الأممي الاشتراكي والعروبي واللبناني، الفلسطيني، هويات متصلة ولا تنفصل عنه، هو النموذج الذي يكشف غيابه، كيف ان السياسة اليوم باتت صنو الخواء في لبنان، وأن العمل الحزبي يفتقد الى الفكرة والنظرية، وغيابه يكشف كيف ان العبارة السياسية مهتزة الحروف والمضمون، براعة ابو خالد انه كان سياسيا محترفا بكل معنى الكلمة، وكان سياسيا يمتلك براعة المفكر والمحلل، رحل ابو خالد ليطوي برحيله وجه جيل من الكبار في زمن تسيّد الصغار والصغائر.
 ‏

السابق
ما صحة وجود اختبار كورونا عبر الإنترنت لمنظمة الصحة العالمية؟
التالي
هل قام بيل غيتس برشوة نيجيريا لاختبار اللقاحات على الأطفال؟