مشاهد من ثورة.. صُنعت في لبنان

طلاب الجامعات
جاء ربيع لبنان مثقلا بأزمات واقتصادية وإجتماعية لم يعشها سكانه منذ أكثر من ثلاثين عاما. أزمات وحدت ساحات الصراع تحت عناوين معيشية ضاغطة. معاناة قلبت موازين الساحات وصراعاتها الطائفية واستبدلتها بأخرى أعادت المواطنين الملوثين بألوان الطائفية القذرة إلى مرجعياتهم الإنسانية والوطنية، ضاربين عرض الحائط كل الولاءات التي رفعوها يوما دفاعا عن الزعيم او الطائفة أو المنطقة.

يصر الثائرون على تسجيل فرق في تحركاتهم اليومية، فتراهم يثورون بأنماط متنوعة، من ضرب أبواق السيارات إلى قرع الطناجر ورفع الشموع والرسم والغناء وصولا إلى حلقات ثقافية يضربون لها مواعيد يومية في ساحات الثورة مع عدد كبير من المثقفين والأكاديميين والفنانين، باحثين عن المفاهيم الحقيقية للثورة والمواطنة والحقوق والواجبات، آملين سماع كل ما يوعدهم بإطالة أمد ثورتهم إلى حين تحقيق المبتغى بإقامة دولة قوية طال انتظارها.
يسير الثائرون في واد والسياسيون في واد آخر.
ثوار يبحثون عن السلام ويتوحدون حول مفهوم المواطنة فيما يحيك السياسيون المؤامرات ويتناتشون الحصص ويتبادلون الاتهامات بالفساد في صالوناتهم المغلقة.

اقرأ أيضاً: أجمل ما في الإنتفاضة!

لا يكترث الثوار لما يدور في أروقة السياسة. هم مستمتعون بلحظات ثورتهم وما أعطتهم من لحمة وتضافر، هم يتعرفون على بعضهم البعض بأسلوب جديد ومختلف لا خوف فيه ولا وجل من الآخر، يصرخون بصوت عال مستعجلين كل من لم يلتحق بركب الثورة بعد ،حتى إذا ما نمي إليهم ما يدور في تلك الأروقة من قرارات، تراهم يشدون العصب لانقضاض جديد ضمن خطة ثورية جديدة وأغنية جديدة.
حاولت كل الأحزاب السياسية وتياراتها ركوب موجة الثورة، أعلنت تأييدها وكأنها خارج قفص الاتهامات، ووضعت نفسها موضع المتسائل المؤيد للمطالب الشعبية وبذلك هي تحاول شرعنة مشاريعها من جهة ورمي المسؤولية بالتقصير والفساد في إدارة البلاد على الآخرين.
وها هم طلاب المدارس والجامعات ينضمون إلى الساحات ليكتمل معهم مشهد الثورة، يتحدثون بوعي قل نظيره وبعزيمة وإصرار عن أحلامهم وعن حقهم في التعليم والطبابة والعيش الكريم وعن أملهم بالبقاء بأرضهم في رعاية دولة قوية. يصرخون مطالبين بالتغيير وكأنهم يعرفون عن كثب كل ما كان يحاك لبلدهم الصغير من مخططات وصراعات.

اقرأ أيضاً: ما أوقح السلطة وهي تحاضر بـ«العفة»!

هم ينتمون إلى جيل لم يعش الحرب الأهلية، ولا يعرف كيف يحمل السلاح، ولا يفقه زواريب السياسة وأكاذيبها.
أصروا على المشاركة حتى بعد أن تم تخوينهم واتهامهم بتلقي الرشاوى وتهديدهم للخروج من الساحات.
هل نسي أهل السلطة بأن الحركات الطلابية هي صانعة التغيير عبر التاريخ، وهل بغضوا أصواتهم المنادية بالحق في الحياة بعد أن طالبوا برفع سن الاقتراع إلى الثامنة عشر لاستعمال أصواتهم في الانتخابات؟!

ماذا ينتظر كل من لم يلتحق بعد بركب الثورة؟ هل مازالوا ينتظرون إذن الزعيم؟ وهل مازالوا يقبلون على أنفسهم بأن ينفردوا بحراك ممنهج؟

ولى زمن التلاعب بالأقدار والأجيال ستكتب بحناجرها هذه المرة دستور الدولة الحقيقية.

السابق
عملية نوعية للمعلومات.. احباط عملية تهريب 18 كلغ من الكبتاغون الى السعودية!
التالي
بالصور.. من كفررمان الى النبطية مسيرة حاشدة على ضوء الشموع و«قرع الطناجر»