العلاّمة السيد علي الأمين: ولاية الفقيه غير قادرة على الاستمرارية

ولاية الفقيه
في قراءة فقهية تبحث في "ولاية الدّولة والحاكميّة" يقول العلامة السيد علي الأمين ان ولاية الدولة والولاء لها، لم يكن محل التباس فيما مضى عند جمهور علماء المسلمين، ولكن قيام بعض الأحزاب الدينية في القرن الماضي بنشر بعض الشبهات حول "الحاكمية" والهوية الدينية للدولة ألقى بظلال من الشك حول شرعية الدولة والمواصفات التي يجب أن تتوفر فيها، وقد غدا القديم الذي عايشناه وجرت عليه أمور الناس ولم يكن محل كلام كقيام الدولة أمراً ملتبساً، مع أنه لا شك بأن الدولة الناظمة للأمر والتي تشكل ضرورة من ضروريات المجتمع هي صاحبة هذه الولاية، ولم يبحث سابقاً عن ثبوت ولاية لها باعتبار أن وجود الدولة لما كان ضرورياً فلا بد وأن تثبت لها هذه الولاية والحاكمية التي تعني سلطة الأمر والنهي، وما تحتاجه من صلاحيات لإدارة شؤون البلاد والعباد".

وناقش العلامة السيد علي الامين طروحات الاسلاميين في “دولة الخلافة ودولة ولاية الفقيه التي تطلب وجود رجل دين فقيه على رأس السلطة، وقد اعتبر دعاة دولة الخلافة ودولة الفقيه أن شرعية الدولة تكتسب من خلال الحاكمية الربانية التي جعلوا وراثتها محصورة بهم وبأحزابهم”، كما عرض لـ “شبهة الحاكمية وتكفير الحاكم السياسي إن الآيات القرآنية التي تَحْتَجُّ بها بعضُ الحَرَكاتِ الإسلاميةِ على حصرِ السياسية الشرعيّة بها وتَكفيرِ الحُكَّام والأنْظِمَة السياسية المَدَنِيَّة، كما في قَوْل الله تعالى في سورة المائدة ط: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ و﴿ الْظَالِمُون ﴾ و﴿الْفَاسِقوُن﴾، فالآيات ليست ناظرة إلى شرعية من يحكم الناس المسمّى بالحاكم والرئيس والملك وغير ذلك من الأسماء، ولا إلى النظام السياسي المقبول بهما من الناس، لأنّه لا بُدَّ من الحاكم والنظام لإدارة شُــــؤون الــبِــلادِ وحِـفْـظِ مَـصالح العِـبَاد.

اقرأ أيضاً: ولاية الفقيه… بين تعزيز دور علماء الدين الشيعة وإذلالهم

‏الدولة هي المؤسسة الناظمة لأمور البلاد والعباد، وهي تعتبر من الضرورات التي اتفق العقلاء على إقامتها في الإجتماع البشري، وهي بهذا الإعتبار العقلائي تكون سابقة على الشرع الذي يكون موقفه منها موقف الموافقة والإمضاء، فهي لا تكون دولة شرّعها الدّين، بل هي الدولة التي أدرك الإنسان العاقل ضرورة إيجادها في مجتمعه الإنساني، ووافقه الدين على إقامتها”.

فنظرية ولاية الفقيه، برأي العلامة السيد علي الامين غير قادرة على الاستمرارية باعتبارها نظرية مذهبية خاصة، وليس عليها إجماع من أهل المذهب نفسه، ولا يمكن أن تعيش في وسط فيه شيء من التعددية المذهبية، وأن تفرض وجهة نظر مذهب على مذاهب أخرى، وهذا ما سوف يؤدي إلى الصراعات داخل المجتمع الواحد والدولة الواحدة، وفي الأمة بشكل عام.
‏وقد وقع كلام آخر عند بعضهم في الدولة والحاكمية، فمنهم من ذهب إلى عدم شرعيتها، وعدم جواز التعامل معها بصفتها غاصبة للحق من أهله الشرعيين، وقائمة على الظلم والجور، واستدل هذا البعض بحديث(العلماء ورثة الأنبياء) ونحوه، مع أن هذا الحديث ناظر إلى الدور الديني في تبليغ الأحكام الشرعية ونشرها، وليس ناظراً إلى الدور السياسي على مستوى السلطة والدولة، فالأصل في بعثة الأنبياء هو للهداية والإرشاد وليس لإقامة الدولة الدينية.

وقد ذهب الآخرون إلى شرعية الدولة القائمة وإلى ضرورة المشاركة فيها، وإقامة العلاقات معها، حفظاً للنظام العام وتحقيقاً لمصالح الناس، ودفعاً للأضرار والمفاسد وجلباً للمصالح والمنافع التي لا يمكن أن تقوم للمجتمع قائمة بدونها. وقد اشتد هذا النزاع بين الفريقين في أوائل القرن الماضي ووصل بعضهم إلى القول بعدم جدوى استبدال ظالم بآخر، أو استبدال قانون من قوانين الظلم بقوانين أخرى في السلطة الظالمة نفسها، وبقيت هذه الشبهة مستحكمة في أذهان كثيرين، ولا يزال بعضها عالقاً في أذهان بعض طلبة العلوم الدينية في زماننا الحاضر. ولعل منشأ الشبهة قد تولّد في أذهان البعض من خلال بعض المصطلحات الشرعية التي تدرَّس في علم الفقه، حيث يطلق فيها على الفقيه الجامع للشرائط بأنه الحاكم الشرعي، بحيث يفهم منه أن كل حاكم ما عدا الفقيه سواء كان عادلاً أم لم يكن كذلك هو حاكم غاصب للسلطة، فاقد للشرعية، مع أن المقصود من مصطلح الحاكم الشرعي ناظر إلى أهلية القضاء و إصدار الفتاوى والأحكام الشرعية، وليس ناظراً إلى الحكومة الفعلية والسلطة السياسية المنبثقة عن نظام سياسي مدني وغير ديني.
ففي الفقه السياسي يضيف العلامة السيد علي الأمين: يوجد فرق بين الحاكم الشرعي بمعنى المرجعية الدينية في التشريعات الدينية، والحاكم بمعنى الأمير الذي يشكل مرجعية في النظام السياسي، وأساساً لحفظ النظام العام من الانهيار الناتج عن فراغ المؤسسات القيادية والقانونية التي لا بد منها في حفظ مصالح البلاد والعباد، وهذا ما أشار إليه الإمام علي (ع) في جوابه عن شبهة الخوارج وشعارهم عندما قالوا: “ليس لك الحكم يا علي، الحكم لله”. فقال (ع): “كلمة حق يراد بها باطل. نعم لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلا لله وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برٌّ ويُستراح من فاجر”.

ويعرض العلامة السيد علي الامين لرأي المرجع الشيعي الميرزا حسين النائني أحد أعلام الفقه الجعفري في النصف الأول من القرن الماضي،وقد جاء في قوله : “إن ما اتفقت عليه جميع الأمم الإسلامية، بل عقلاء العالم أجمع، هو أن استقامة نظام العالم وتعيّش البشر متوقف على وجود سلطة وحكومة سياسية سواء قامت بشخص واحد، أو بهيئة جمعية، وسواء كان المتصدي لها غاصباً أو قاهراً أو وارثاً أو منتخباً”.وقد قسم الميرزا النائيني السلطة السياسية في كتابه(تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة) إلى قسمين:
أ-​سلطة استبدادية باطلة لا يمكن إثبات شرعيتها بحال من الأحوال، لأنها قائمة على استعباد الناس واسترقاقهم، وقد خلقهم الله أحراراً،وهذه أسماها بالسلطة الفرعونية.
‏ب-​سلطة دستورية تخضع للقوانين التي تحدّ من الظلم والاستئثار وتمنح الحرية لأفراد المملكة، وأطلق عليها اسم السلطة المحدودة والمقيدة والمشروطة والمسؤولة والعادلة، وغير ذلك من الأسماء التي تخرجها من طور الاستبداد الفرعوني،وأطلق على القائمين بهذه السلطة الحكومة المشروطة وعلى الصانعين لها الأمة الحيّة والحرّة والأبيّة.

اقرأ أيضاً: محاربة حزب الله لعلماء الدين الشيعة (1): مهاجمة من لا يؤمن بولاية الفقيه

ويختم العلامة السيد علي الامين بقوله “أن الدولة تكتسب شرعيتها من أمرين: من كونها ضرورة لاستقامة النظام، ومن سعي القائمين عليها لحفظ البلاد وصون حقوق العباد، وهذه الدولة لا يجب أن يكون لها دين سوى سعيها لإقامة الحق والعدل بين الناس وصون حقوقهم وحرياتهم، وليس فيما تقدم من الخبر والسيرة اشتراط دين للدولة والحاكم، وذلك لاندراج الموضوع فيهما تحت منظومة المصالح والمفاسد، ونحن لا نتضرّر من الهوية الدينية للدولة والحاكم، ولكن الضرر يأتي من فقدان الحق والعدل، ولذلك قلنا سابقاً وقبل سنوات عديدة لبعض الأحزاب الإسلامية التي طالبت بجمهورية إسلامية في لبنان ولبعض آخر طالب بدولة الخلافة، قلنا لهم عن الدولة والحاكم “نحن لا نتضرّر من مسيحيّة الحاكم، ولا ننتفع من إسلاميّته، ولكن تأتينا المضرّة من جور الحاكم، والمنفعة من عدالته”.


السابق
وزارة العمل تستعين بموظفي «الوطنية للاستخدام»
التالي
بوتين يرفض اتهام ايران بهجمات «ارمكو» دون ادلّة