هل من قضية وطنية في الانتخابات النيابية المقبلة؟

قانون الانتخابات لحماية أولياء السلطة وإعادتهم!

العلاقة بين السيادة والدولة علاقة وجودية، إذ لا يمكن أن تتحقق سلطة الشعب من دون أنظمة وقوانين تترجم إرادة المواطنين وبالتالي لا يمكن لأيّ سلطة أن تحقق سلطة الشعب من دون رؤية للنظام وللحكم ومن دون توفر شرعية احتكار القوة داخل حدود الدولة. مع إقرار قانون الانتخاب الأخير وبعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بات يتضح أكثر فأكثر أنّ لبنان انتقل إلى قواعد اشتباك مختلفة عمّا كان عليه الحال منذ العام 2005، لقد تمّ إنهاء مرحلة الاشتباك السياسي بين قوى 8 و14 آذار، ولم نعد نسمع اليوم أيّ من الخطب السياسية التي تستحضر عناوين من مثل السيادة وثنائية الدولة والمقاومة طالما كانت عنوان الصراع السياسي في البلد.

قواعد الاشتباك الجديدة تقوم اليوم على إقرار تيار المستقبل والقوات اللبنانية، بأنّ الاعتراف بحزب الله كشريك في السلطة، لا يتم من دون الاعتراف بسلاحه الموازي لسلاح الدولة، فيما حزب الله يلتزم بعدم التدخل الأمني والسياسي داخل البيئة السنية وتهميش دور سرايا المقاومة وصولاً إلى إنهائها، في المقابل ما كان يمكن للعماد ميشال عون أن يصل إلى رئاسة الجمهورية من دون التسليم بسعد الحريري رئيساً للحكومة. لقد انتفت فكرة الدولة في الخطاب السياسي وهذا ما انعكس على مواقع التوزيع الجديد لموازين قوى الأمر الواقع.

بحكم الأمر الواقع تمّ هندسة قانون الانتخاب الجديد بما يضمن لقوى الأمر الواقع أن تحصد النسبة الأكبر من النواب، مع إبقاء هامش بسيط وغير مؤثر لما عداها، وقانون يضمن حماية مرجعية الطائفة وملعبها وتثبيتها باعتبارها بديلاً عن ملعب الدولة، أي أنّ الانتخابات النيابية لن تجري على عناوين سياسية، بل جوهر الانتخابات هذه المرة سيكون تنافسي داخل كل طائفة وإن بشكل متفاوت بين طائفة وأخرى، كما يحول دون تدخل أيّ قوة سياسية بشؤون الطائفة الأخرى.

الصراع داخل الطوائف وعزل العناوين السياسية الكبرى التي تتصل بالسيادة ومرجعية الدولة وحصرية السلاح، تلائم حزب الله، فهو حدد مهمته في الإقليم في سوريا والعراق واليمن، وصار جزءاً من اللعبة الإقليمية وأدواتها، وبالتالي هو غير معني ولا منهمك بالمعنى الفعلي وحتى النظري، بالتفكير بطبيعة الدولة أو بتعريفها ولا بتطوير النظام السياسي، ويتغطى بخطاب إيديولوجي سواء باسم المقاومة إو محاربة الإرهاب والتكفيريين، علماً أنّ ما استطاع تحصيله في التوزيع الجديد للسلطة في لبنان، يوفر له استقراراً في ساحة انطلاقه، وهي وضعية لا يمكن أن يحقق أفضل منها في ظلّ الموازين الإقليمية الحالية، لذا هو يتردد في القيام بأيّ خلل على الحدود مع اسرائيل وأي استفزاز لها، لحماية هذه الوضعية والتي تتيح له التفرغ في الإقليم العربي.

إقرأ أيضاً: تمخّض الجّبل فولّد «فأر قانون الانتخاب»!

تناول المشكلات الجوهرية انتقل في الخطاب السياسي إلى التفاصيل، ويتحوّل الحديث عن مشكلة الفساد في الإدارة العامة وفي السلطة عموماً باعتبارها مشكلة أخلاقية وليست سياسية، وبالتالي يستطيع الجميع أن يزاود في هذا الموضوع، طالما أنّ أطراف تقاسم معادلة السلطة الجديدة متفقون على عدم الإخلال بحصصهم فيها، فانتهاك السيادة وثنائية السلاح أو تعدده، والطائفية واستغلالهما حين يتم السكوت عنهما – رغم أنّ ذلك يشكل منبع الفساد ومصدر حمايته وتبريره – ستنعدم المعايير وسيتيح ذلك لمن هو في السلطة المزاودة على من هو خارجها في الحديث عن الفساد. المسألة ليست أخلاقية إنّها سياسية ودستورية وعندما يتم تحويلها إلى أخلاقية فمن يستطيع أن يزايد على أخلاق “زعمائنا العظام”.

إقرأ أيضاً: هذه إيجابيات قانون الانتخاب وهذه سيئاته

وهنا يحضرني من التاريخ الخلاف الذي قام بين الإمام علي بن ابي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، لم يكن الخلاف أخلاقياً بينهما ولا كان قائماً على أن معاوية يشجع الفساد أو لا يشجعه، الخلاف كان أكبر من ذلك كان في الرؤية الى السلطة وشرعيتها ووظيفتها. وبالتالي عندما توضع القضايا الجوهرية السيادية للدولة خارج النقاش السياسي والصراع، فلا تتوقع سوى نتيجة واحدة، سيقال أنّ  الشعب فاسد والسلطة بكل اطيافها تعمل على إصلاحه، كما لا معنى لمواجهة من قبل ما يسمى المجتمع المدني مع هذه السلطة الحاكمة إن لم تكن معركة هدفها قلب المعادلة من الصراع في التفاصيل إلى صراع جوهر السيادة والسلطة والدولة، بدل الغرق في التفاصيل غير المحكومة برؤية اشمل للنظام والسلطة والدولة.

السابق
طلاب لبنان يطلقون صرخة: خليَها ONE PACKAGE انترنت وفرصة عمل!
التالي
الـLBCI تستغني عن الإعلامية سنا نصر