القوات الدولية لحفظ السلام: قوة من أجل المستقبل

في ليلة مظلمة من شهر شباط (فبراير) في إحدى تلال إقليم شمال كيفو بشرق الكونغو وفي حدود الساعة الثانية وخمس وأربعين دقيقة حلقت مركبة جوية صغيرة من دون طيار في سماء قرية بإقليم ماسيسي مرسلة لقطات فيديو حية حول مجموعة من الرجال المسلحين الذين كانوا قد اقتحموا في الآونة الأخيرة مركزاً عسكرياً. وبينما كانت المركبة تبث الصور إلى غرفة التحكم، كان كبار ضباط الجيش على أهبة الاستعداد لنقل جنودهم في حال تعرض السكان المدنيون في المنطقة للتهديد مباشرة.

لم يتم الهجوم أبداً، ولكن في حال تحقق ذلك، فإن عصابة اللصوص كانت ستتعرض لترحيب غير سار. هذا المشهد ليس من فيلم في استوديوهات هوليوود، إنه يحدث الآن مع قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديموقراطية.

احتفلنا أمس الخميس في ٢٩ أيار (مايو) باليوم الدولي لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وكرمنا ١٠٦ من أفراد هذه القوات الذين لقوا حتفهم خلال عام ٢٠١٣. وإدارة حفظ السلام مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتكيف مع التهديدات والتحديات الجديدة لتتمكن من مساعدة المزيد من الناس في النزاعات الأكثر تدميرا في العالم.

منذ شهرين، أنشأ مجلس الأمن أحدث بعثة لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى، البلد الذي لا يزال يعاني تحت وطأة العنف المنتشر على نطاق واسع. ومع اكتمال انتشارهم سيعمل نحو ١٢ ألف فرد من الجيش والشرطة على حماية السكان المسيحيين والمسلمين على حد سواء، وعلى مساعدة السلطات على إعادة تأسيس منشآت الدولة التي من شأنها أن تضمن الاستقرار على المدى الطويل.

وفي موقع آخر، تواجه بعثة قوات الأمم المتحدة في مالي التهديد المستمر بسبب الهجمات غير المتكافئة والعنف الكامن في وقت تواصل فيه تعزيز الحوار والتسوية الدائمة للصراع. وفي جنوب السودان، أصغر دولة في العالم، تستمر بعثة الأمم المتحدة بالعمل الجاد في خضم الأزمة السياسية التي شهدت مقتل الآلاف وتشريد الملايين. وبما أن الجيش الوطني أصبح طرفاً في النزاع، توجب على بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في هذا البلد التكيف مع الوضع بين عشية وضحاها لتولي الدور الرئيسي في حماية أكثر من ٨٥ ألف مدني وذلك بفتح أبوابها والسماح لهم بدخول مبانيها.

أمام هذه التحديات الجديدة، عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مدعوة ليس فقط لتقديم حلول جديدة ولكن لتوفير القيمة الحقيقية لهذه الحلول مقابل المال، ففي ظل تزايد العوائق المالية العالمية، يتوجب علينا إيجاد الفرص للابتكار والتحديث لضمان بقاء قوات حفظ السلام قوية ومستعدة لمجابهة المستقبل.

في العام الماضي، ولمواجهة التحديات المتعلقة بحماية المدنيين في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية الشاسعة -حيث يوجد فرد واحد فقط من قوات حفظ السلام لكل ١١٧ كيلومتراً مربعاً- أطلقنا في سابقة تكنولوجية للأمم المتحدة برنامج المركبة الجوية الصغيرة من دون طيار ومن دون سلاح، حيث توجد المجتمعات تحت التهديد من قبل الميليشيات المسلحة. وقد تم نشر «فرق قوات التدخل» المجهزة خصيصاً لدعم جيش الكونغو في هذه المنطقة.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، نجحت فرق قوات التدخل بتقديم الدعم للجيش الذي كبّد حركة 23 آذار (مارس) هزيمة قاسية، وهذه الحركة جماعة مسلحة تعمل في إقليم شمال كيفو، وقد تمكن الجيش من تحرير المناطق الخاضعة لسيطرتها وأزال التهديد الذي تشكله على المدنيين.

ومع تزايد الحاجة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتوقع تقديم المنظمة الأممية للمزيد عبر سيناريوهات سريعة التطور، تعمل الأمم المتحدة على خلق هياكل تساعد على التكيف السريع وتمكن من بذل المزيد من الجهود بموارد محدودة. فعلى سبيل المثال ستطلق عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة فريقاً للخبراء حول الابتكار التكنولوجي الذي من شأنه تقديم المشورة بشأن كيفية استخدام أفضل للتكنولوجيات الحديثة.

أنشأت الأمم المتحدة أيضاً مركزاً إقليمياً في عنتيبي (أوغندا) يسمح لبعثاتنا بالمشاركة في استخدام الآليات الجوية وتمكنت المنظمة من توفير حوالى ١٠٠ مليون دولار بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٣ لهذا الغرض.

كما أن القبعات الزرق أصبحت أكثر التزاماً بالاستدامة البيئية من خلال الاستخدام المسؤول وإدارة الموارد المحدودة. وقبل مغادرة المناطق التي تتواجد فيها، تسعى عمليات حفظ السلام كي تكون هذه المناطق في وضع أفضل مما كانت عليه، فهي تستخدم بيانات أنظمة المعلومات الجغرافية للمساعدة في العثور على مصادر المياه للبعثات بحيث لا تؤثر سلباً على إمدادات المياه المحلية. كما تم تثبيت مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي ومشاريع الرسكلة في تسع بعثات لحفظ السلام، بهدف تنفيذها في نهاية المطاف في جميع العمليات.

وتتحمل الدول الأعضاء والأمم المتحدة مسؤولية أساسية لمنع نشوب الصراعات المسلحة، وحماية الناس من الانتهاكات الوحشية والجرائم الفظيعة. واليوم تأخذ الحماية موقعاً هاماً في عمليات حفظ السلام، وذلك مع وجود تفويض لحماية المدنيين لدى عشرة عمليات لحفظ السلام تضم ٩٥ في المائة من جميع العاملين الذين تم نشرهم.

ولكي تتمكن القوات الدولية لحفظ السلام من الاستجابة السريعة للأزمات، كما هو الحال في جنوب السودان، أو التعامل مع التهديدات المعقدة التي تواجهها كما هو الوضع في مالي أو جمهورية أفريقيا الوسطى، فإننا نعمل بشكل متزايد على تعزيز شراكاتنا مع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية، فضلاً عن متابعة التعاون بين البعثات، ففي مالي، وحالياً في جمهورية أفريقيا الوسطى، يشكل عملنا تعاوناً وثيقاً مع الاتحاد الأفريقي ومع المجموعات شبه الإقليمية.

ومع سجل حافل على مدى ٦٥ عاماً، لا تزال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تضطلع بمهام جسام في مناطق صعبة. وهي تحظى بشرعية عالمية لا مثيل لها في أي من الآليات الأخرى لحفظ الأمن والسلم الدوليين. كل هذا يتم بميزانية سنوية تقل عن نصف إجمالي الإنفاق العسكري العالمي. مما يؤكد أن بعثات حفظ السلام ليست فقط مهمة وإنما هي ذات «قيمة عالية».

واليوم ونحن نتذكر زملاءنا الذين لقوا حتفهم، نجدد عهدنا على تكريس أنفسنا والقبعات الزرق كقوة من أجل السلام، وقوة من أجل التغيير، وقوة من أجل المستقبل.

السابق
معاقبة أزهري كبير لرفعه أذان الشيعة
التالي
ما يجري في السيدة زينب أو إعادة الأسطورة الإسرائيلية