بعد رحيل سامي خياط.. نصر: كان حزيناً

بعد الصدمة التي عمت الوسط الفني مع وفاة الممثل والكاتب الكوميدي سامي خياط، نشرت الصحافية نوال نصر عبر صفحتها عبر “فايسبوك” اليوم الاربعاء “حوار في تفاصيل التفاصيل أجرته قبل وقت مع من رحل الليلة، قبل قليل، سامي خياط”.

وقال: “سألته وهو الذي أضحك الناس: هل أنت حزين؟ أجابني نعم”…

اضافت: “من يُشاهده على المسرح قد يحبه وقد لا يحبه أما من يُجالسه ويتوغل معه في العمقِ، في الصفات والوجدان، فلا بُدّ بالتأكيد أن يعشقه. هو فنانٌ مليء بالأحاسيس وثالوثه: إنسان وحيوان ونبات.

عاشقُ للحرية هو. عاش مستقلا. ويعيش، منذ عقد، في “قرف”! هو، في اختصار، قرفان من أشياء كثيرة كثيرة “فلبنان اليوم ما عاد يُشبه لبنان الأمس، لبنان اللذيد، الذي أصبح أقل زهوا وأكثر وجعا”.

رصيده في المهنة 55 مسرحية وفي اللغات ستة وفي الثقافة عالما وفي الأسرة ولدان وكلبة، هي الكلبة الجميلة “كوكي”، “كوكيتا”، التي تبناها رضيعة وتكبر في دفء البيت الى جانب عشرات القطط التي تحوم حوله مطمئنة أنها في كنف من أقسم اليمين على الرفق بالحيوان وزرع الإبتسامة النظيفة في الإنسان.

سامي خياط، الفنان سامي خياط، أخذ “بريك” من “قرف”، من مسرحيته الأخيرة “قرف” ومن حالة القرف التي تجتاحه وغاص في عمرٍ مجيد يستحق أن يُسطر في السجل الذهبي…

يكفي أن تمر من أمام بيته، في بيت مري، حتى يشدك شيئ ما إليه، فتُدرك المكان من دون حتى أن تسأل. ثمة ملامح توحي أن من يسكنون في هذا البيت أناس غير عاديين. نقرع. يفتح لنا. ونسأل فيفتح فلبه على كل شيء، فليس في قلب سامي خياط، على ما بدا، أسرار.

هو دقيق في مواعيده، ومن هو دقيق بهذا الشكل، يكون دقيقا بكل كل شيء. ولد في بيروت، والده بيروتي أما والدته فمن دلبتا في كسروان، يعني هو “ساحليٌ وجبلي” في آن. يُخبر هذا بابتسامة. والده ألبير خياط كان يشغل وظيفة مدير عام شركة مياه بيروت لكن الأهم بالنسبة له، لسامي خياط، كان اهتمام والده بالمزاح وروح الدعابة وبتلك الروح الإنسانية التي جعلته ينصرف الى الإهتمام بكل ما يُريح قلب إنسان أو حتى حيوان “فالوالد هو أول من صنع مغارة مارمنصور، وهو أول من كان يُنظم سهرات، في بيتنا، تتخللها ألعاب خفة. كان يفرح لفرح الناس. وكان بيتنا في الجبل، في دلبتا، يمتلئ كل سبت وأحد وفي الفرص والأعياد بالجيران والمعارف والأصحاب وبالرقص والفقش. كانت أياما رائعة”.

له شقيقان هو، في العمر، أوسطهما وليس له “للأسف” شقيقات ويخبر: “بدأت منذ صغري أشارك في مسرحيات المدرسة وكان أصحابي يشجعونني وأول مرة وقفت على الخشبة، أمام الأهالي، كنت في سن الرابعة عشرة. وقفت وقدمت سحرا، أخرجت بيضة من جيبي وحبلا من تحت إبطي. كان هذا عام 1959. تربيت في بيت مثقف ودخلت الى خمس جامعات ونلت ست إجازات في الحقوق والعلوم السياسية وفي الأدب الفرنسي المعاصر وفي الألسونية وكنت في آن واحد أشتغل وأمثل وأتسلى. لم أدرس المسرح. تمنيت لو كان اليوم من ثلاثين ساعة لأتمكن من إنجاز كل ما أريد فعله. كنت أستيقظ عند الثامنة إلا عشر دقائق. أذهب مشيا الى البنك، حيث أعمل، فأصل في تمام الثامنة وعشر دقائق وعند الثانية بعد الظهر “نط” الى الجامعة ثم أذهب الى مسرح إيفيت سرسق لأتمرن حتى الساعة السادسة إلا عشر دقائق عصرا ثم أنتقل الى صحيفة الأوريان” حيث أكتب حتى الساعة العاشرة ثم أذهب الى السينما ثم العشاء ثم الرقص وأعود عند الرابعة لأستحم وأحلق ذقني وأنام استعدادا لمباشرة يوم جديد”.

أول عمل له أجر نفذه سامي خياط كان في بنك الصناعة والعمل واستمر فيه مدة ست سنوات حيث عمل في قسم المعلومات، أو “المخابرات”، حيث كان يدقق في سيّر الزبائن ومن هو قادر منهم على إيفاء الدين ومن لا. كان عملا لذيذا له وهو من يحب العلاقات العامة لكنه قرر، ذات يوم، ترك العمل المصرفي لأن رأسه كان في الكوميديا والمسرح. لكنه عاد ودخل الى الخارجية حيث عُين مدير علاقات عامة وإعلام في قسم المغتربين وعاد وهرب من هذا العمل بعد ثلاث سنوات مرددا بصوت عال: “ما بدي كون تحت سلطة أحد لا دولة ولا قطاع خاص”. أراد أن يكون حرا وهذا ما كان منذ العام 1970.
دخل خياط تلفزيون لبنان، القناة الفرنسية، مع ايفيت سرسق ويخبر: “زرتها وقلت لها أحب اللغة الفرنسية كثيرا وأريد ان اعمل بها وهذا ما كان فاشتغلت معها منذ العام 1960 الى 1969 في برنامج أثرياء الحرب وعنوانه كان: ايفيت تستقبل
Evette Recois
وقدمت بالتوازي برامج أخرى…” يقطع سيل كلام سامي خياط مرور “كوكي”، الكلبة الجميلة، فيناديها بتحبب: “كوكيتا كوكيتا” ويخبر عنها وهو ينظر الى صورتها في صدر الدار الى جانب الأسرة: “كوكي بيننا منذ تسعة أعوام” ويستطرد: “يهمني جدا الرفق بالحيوان وأثق بوجوب أن نحترم كل ما خلقه الله في هذه الحياة، فالله خلق الحيوان والشجر والنبات والإنسان الذي أعطاه وظيفة رئيس مجلس إدارة الكون وهي مسؤولية تقتضي أن يحترم الأكبر من هو أصغر”.

من يتحدث بهذه اللهفة عن الحيوان والطبيعة يكون، في أعماقه، حساسا والحساسية قد تجعل الإنسان يتأثر بالمحيط ويحزن لأحزان الآخرين… فهل سامي خياط حزين؟ يهز رأسه مجيبا: “نعم، صحيح، من يهتم لشؤون الآخرين يتعذب في حياته لذلك قلت في مسرحيتي الأخيرة “قرف” لوالد طفل يبكي في اسكتش حين سألني: كيف أربيه؟ لا تجعله آدميا كي لا يتعذب”.

هل نفهم من هذا أن سامي خياط غير سعيد؟ يجيب: “كنت طوال عمري سعيدا لأنني عشت وترعرعت في بيئة سعيدة وكنت محاطا بالحب والتقدير لكنني بت منذ فترة قرفانا لذلك سميت مسرحيتي الأخيرة “قرف””. يتنهد الفنان ويتناول علبة سمسمية وأخرى بيتي فور ويصر أن نتناول منها قائلا: هذه من منتجات جمعية إيراب للصم والبكم. نشتري دائما منها. ونصيحتي لكم تذوقوا أقراص الكبة من أيدي الجمعية. هي لذيذة جدا. لذيذ جدا أن نشعر أن ما نأكله ونشربه يعود ريعه الى جمعية خيرية”.
من يتعرف حقا على سامي خياط يشعر بقلبه الكبير. نايلة خياط، نايلة بشارة خياط، شريكته في المهنة وفي الحياة تصل للتو. تلحقها نحو خمس أو ست قطط. تُطعمها. تهتم بها. تبتسم. ترمي عبارات محببة. هي مثله، تشبهه بخصال كثيرة بينها خصلة سيئة انهما نسخة طبق الأصل في “الاندفاعة الزائدة من اجل تقويم اعوجاج المجتمع”. وهل هذه خصلة سيئة؟ يجيب: “في بلد مثل لبنان نعم”!

تعرّف سامي على نايلة عام 1970 وقصتهم، كما قال، قصة وفيها: “دعتني صديقة الى أمسية شعرية. وكانت نايلة بشارة (خياط) تقدم الأمسية فأدهشتني بأدائها ولفظها والكاريزما التي تتحلى بها. كانت تعزف على الغيتار وتغني. أدهشتني فعلا. فتقدمت منها وطلبت منها ان تعمل معي فأجابتني: ما زلت طالبة في صف الفلسفة حين انتهي افكر وأعطتني رقم هاتف منزلها، في الأشرفية، ويبدأ برقم إثنين. مرت سنة وذات يوم قرأت في الصحيفة ان أرقام هواتف الأشرفية ستتغير من اثنين الى ثلاثة. ففكرت فورا بها. واستبدلت رقم اثنين بثلاثة وطلبتها فردت والتقينا في ستاركو وفي نصف ساعة، لا بل في أقل من نصف ساعة، اتفقنا على العمل سويا. مرت 1971 و1972 و1973 وكل من يراني كان يقول لي: تزوجها. كانت (ولا تزال) رائعة. وفي اواخر عام 73 دعوتها الى العشاء وصارت ركابنا ترتجف واحمرت آذاننا وركبت القصة وضرب القدر ضربته وأيقنت انها الأنثى الوحيدة التي يمكن ان تكون زوجتي”.

رزق سامي ونايلة خياط بولدين: سامي جونيور (مخرج سينما وتلفزيون) وسمته نايلة وسابين (درست الرسم والنحت) وسماها سامي جونيور. ويتذكر سامي خياط والده الذي شجعه دائما ويقول: “قلت لوالدي في سن الثانية عشرة أنني أنوي الذهاب الى هوليوود فأجابني: ممتاز لكن بأية لغة تنوي أن تمثل؟ فكرت كثيرا ثم أجبته: سأدرس الإنكليزية. وأتى لي، بالفعل، بأستاذ لغة إنكليزية فدرستها بأقل من 23 ساعة. وكنت أقصد الجنود الأميركيين، إبان ثورة 1958، لأتمرن على الكلام، لكنني لاحقا بدلت رأيي وما عادت هوليوود (ممازحا) تجذبني”.
55 مسرحية في رصيد سامي خياط ويقول: أظن أنني “خدمت عسكريتي” في التعليم لكن المسرح يبقى عشقي” ويتذكر “أول عمل مسرحي تقاضيت عنه أجرا كان عام 1970، أي بعد أكثر من عشر سنوات على امتهاني التمثيل المسرحي، وحصل هذا بعد أن قدمت إستقالتي من كل الوظائف الأخرى وحملت المسرحية عنوان “الإستعراضات الضاحكة”. كتبتها وأنتجتها ونفذتها وأخرجتها ومثلت بها وربحت منها مالا وفيرا”.

كتب خياط في وسائل إعلامية باللغة الفرنسية، في “الأوريان” وفي “الماغازين” و”روفو دو ليبان” ويقول: “كان لبنان لذيذا لذيذا”. عملت كثيرا وتعبت كثيرا وكبرت وأعترف أنني تقدمت في السن قليلا وقد بلغت في الثاني من كانون الأول هذا الحادي والسبعين”.

كثيرة هي الأسماء التي انطلقت مع سامي خياط وانطلقت في رحاب الفن المسرحي ويتذكر منهم: “طوني أبو جودة وبيار شماسيان وفؤاد عواد وليلى حداد وكثيرون كثيرون، أما كميل سلامة فكان بين مسرح ريمون جبارة ومسرحي” ويستطرد “مرّ معي 522 شخصا بين تقنيين وممثلين وقد كرمتهم في الأونيسكو بمناسبة اليوبيل الذهبي”. سؤال يُطرح: وكيف يكتشف عادة سامي خياط المواهب؟ يضع إعلانا مثلا في الصحيفة يطلب فيها ممثلين كوميديين؟ يجيب: وضعت مرة واحدة إعلانا، في العام 1974، وأتى يومها بيار شماسيان، لكن، في العادة، أختارهم بالصدفة وفي خلال دقائق، دقائق فقط، أنجح عادة في تحديد من هو قادر أن يُضحك الجمهور في مجلس خاص أو على كأس أو في مسرح يتطلب حركة وخفة وقدرة على التقليد”. وهل اختلف المسرح الضاحك بين قبل واليوم؟ هل ما كان يُضحك الناس في السبعينات والثمانينات ما زال يُضحكهم اليوم؟ يجيب: “جمهوري الأساسي هو من كان يشاهدني في الستينات والسبعينات وهو لم يتغير، ما زال يتأثر بالنوستالجيا والذكريات، وتجذبه المشاهد التي أتكلم فيها عن بيروت القديمة، أما الشبيبة فهم لا يحبون المسرح بالمطلق بل تجذبهم النوادي الليلية أكثر والواتس آب. ثمة من هو ميؤوس منهم مسرحيا. وثمة من باتت تجذبه النكتة البذيئة أكثر من المسرح النظيف. والكل قد يضحك لنكتة فيها “سكس” غير أن إضحاك هؤلاء برقي فما عاد سهلا”.

ترك سامي خياط الشاشة الصغيرة عام 1969 وتوجه الى المسرح في وقت نرى الشاشات الصغيرة تنغل ببرامج الفكاهة فهل ليس لديه فيها مكان أم هو من لم تعد تستهويه تلك الشاشة؟

الفنان المسرحي الكوميدي العريق يشعر من زمان أنه ليس مرغوبا به في التلفزيون ويقول: “شعرت بهذا لأنني دقيق في عملي والتلفزيون، لا تؤاخذينني بهذه الكلمة “بزق لزق”. في كل حال سعادتي ألا يكون هناك من هو فوق رأسي وأن لا يراقب ما سأقدمه أحد وأن لا أخضع الى توجيهات أحد وهذا لن يحققه لي التلفزيون” ويستطرد : “أول عمل فكاهي قُدم على شاشة المؤسسة اللبنانية للإسال عام 1985 كان لي واسمه “سمكة شو” عملت منه سبع حلقات وتوقفت. كنت أحاول إدخال المسرح الى التلفزيون بينما التلفزيون له تقنية مختلفة تماما”.

يقلب خياط في مغلفات الصور المكدسة ويحدد، بذاكرته، كل التواريخ بدقة متناهية. هو دقيق للغاية في كل ما له علاقة بالوقت. وهو في الوقت الضائع، بين مسرحية ومسرحية، يستعد الى مسرحية ويرى الأصدقاء ويقرأ كثيرا. هو يقرأ في اللغة الفرنسية وله كتاب في الفرنسية يوثق لتفاصيل حياته. أما أصدقائه الحميمين فليسوا من أهل الفن. لي كثير من المعارف لكن الأصحاب الذين أسلمهم سري، ويكونون الى جانبي في السراء والضراء، فقلة”.

وختمت: “يحتفظ سامي خياط بدفاتر المدرسة التي يرجع إليها في كل مرة وعليها كثير من الملاحظات التي منها، من كل تلك الملاحظات التي دونها في حياته، أرسى مقومات حياته التي بنت الى إسم عملاق في الكوميديا المسرحية: سامي خياط”.

السابق
دولار «صيرفة» تحت الـ٩٠ الفاً.. كم سجل؟
التالي
فرنجية عن ترشحه للرئاسة: لن أذهب إلى جلسة أتحدى فيها السعودية!