تفاهم مار مخايل.. «عقد المتعة» يتحول الى «زواج ماروني»!

مع إقتراب الذكرى 16 لتفاهم مار مخايل، بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، يبدو أن هذا التفاهم يمر بأسوأ حالاته – في العلن على الأقل – بعد تطورات الأيام العشرة الأخيرة، من “لا قرار” المجلس الدستوري، بخصوص الطعن المقدم من التيار الوطني الحر، ضد التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على قانون الإنتخاب، إلى رد فعل رئيس التيار جبران باسيل عليه الذي هدد ب “مترتبات سياسية”، فضلاً عن الحديث عن تحالف رباعي جديد ضد العهد والتيار، في محاولة لإستنهاض الشارع المسيحي على أعتاب الإنتخابات النيابية، ومحاولة إستنساخ تجربة العام 2005 المسماة تسونامي، التي كان لها الفضل في ترجيح كفة عقد تفاهم مار مخايل، بعدها بأقل من عام، على الرغم من أن إرهاصات هذا التفاهم كانت قد بدأت قبل ذلك بكثير، وقبل عودة الجنرال ميشال عون من منفاه الباريسي، بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كما بات معلوما.

إقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: تفاهم مار مخايل.. مؤشرات النهاية

تأتي هذه التطورات لتتوج سلسلة مواقف، بدأت مع الخلاف الناتج عن تحقيقات المرفأ، وما تبعه من تعطيل لمجلس الوزراء وهو لا يزال في بداياته، بعد شلل حكومي دام لأكثر من عام ونيف، بعد إستقالة حكومة حسان دياب، هذا الشلل الذي كان على حساب “رصيد”العهد وسمعته، سيما وأنه كان من المتسببين به، جراء مناكفته للرئيس المكلف يومها سعد الحريري، ليأتي التعطيل اليوم ويسحب ما تبقى من رصيد – إن كان هناك فعلا ما تبقى – ويبدو وكأنه يوجه الضربة القاضية لهيبة العهد، ويسلبه حتى “ماء الوجه” أمام مؤيديه في الداخل وكذلك أمام دول العالم، الأمر الذي دفع برئيس الجمهورية لتوجيه كلمة إلى اللبنانيين، كان فيها الكثير الكثير من التلميح بحق “حليف الحليف” في الشؤون الداخلية بشكل خاص، وهو هنا الرئيس نبيه بري كما هو معروف، وبالقليل منه في الشؤون الإقليمية بحق الحليف نفسه، متجنباً التصريح مباشرة، في محاولة منه لعدم قطع “شعرة معاوية” مع هذا الحليف والشريك في تفاهم مار مخايل، وهو هنا بالطبع حزب الله، ما دفع بالمراقبين إلى التساؤل حول مصير هذا التفاهم، بعد كل هذه التطورات، وهل أن مدة صلاحيته قد إنتهت بالنسبة للفريقين معاً، أو حتى لأحدهما على الأقل؟

من المعروف أن تفاهم مار مخايل الذي عقد في 6 شباط 2006 بين حزب الله بقيادة السيد حسن نصرالله والتيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشال عون، جاء يومها في ظروف داخلية متشابكة بين فريقي 8 و 14 آذار، وظروف خارجية ضاغطة حول المحكمة الدولية وسلاح حزب الله ووضعيته، بعد إنسحاب الجيش السوري من لبنان، بالرغم من التحالف الرباعي يومها، الذي كان مرحلة إستخدمها حزب الله لإلتقاط الأنفاس وتهيئة الأرضية، للتفاهم مع الجنرال ميشال عون الذي أعطاه هذا التحالف، الذي سُوِّق له في الشارع المسيحي على أنه إتفاق إسلامي، يستهدف الطرف المسيحي الأقوى في ظل عدم الجهوزية التامة لدى الأطراف المسيحية الأخرى كالقوات اللبنانية، التي كان لا يزال قائدها في السجن، وكذلك حزب الكتائب العائد من المنفى، والتضييق الذي كان يطاله وزعيمه الشاب آنذاك الشهيد بيار الجميل، أعطاه هذا الإتفاق دفعة قوية في الإنتخابات، بحيث إستحوذ على الأكثرية المارونية التي عادة ما تمثل الثقل المسيحي في السلطة، الأمر الذي عجَّل بإتفاق التفاهم مع حزب الله، الذي كان بأمس الحاجة لشريك داخلي مسيحي قوي، لتغطية سلاحه ومواجهة المطالبة الداخلية والدولية بنزع أو تحييد هذا السلاح.

تزامن هذا وتكامل مع حاجة التيار الوطني الحر، لرافعة سياسية داخلية قوية لمواجهة قوى 14 آذار، الداعمة للطرف المسيحي الآخر، الخصم للتيار على الساحة المسيحية، رافعة تسهل له الدخول بقوة إلى السلطة تحت شعار إستعادة حقوق المسيحيين، التي إستولى عليها من “وجهة نظره، الطرف السني ممثلا بما بات يعرف ب “الحريرية السياسية”، وهو ما وجد هوىً لدى حزب الله بطبيعة الحال، بسبب الصراع السني – الشيعي الذي كان قد بدأ يلوح في الأفق، على خلفية المطالبة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان داخليا، وخلفية الصراع الإقليمي وبداية التمدد الإيراني في الإقليم، بعد الغزو الأميركي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين، والتطورات في الأراضي الفلسطينية التي أطاحت عملياً بإتفاقيات أوسلو عبر إغتيال ياسر عرفات، وأحداث لبنان التي أطاحت أيضاً، أو لنقل عطلت العمل بإتفاق الطائف، عبر إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتداعياته.

كانت حرب تموز 2006 مع إسرائيل أول إختبار إجتازه بنجاح هذا التفاهم

كانت حرب تموز 2006 مع إسرائيل، أول إختبار إجتازه بنجاح هذا التفاهم، خاصة مع صمود حزب الله في مواجهتها، وبهذا حقق الحزب هدفه من هذا التفاهم عبر تغطيته مسيحيا، ما مهد الطريق لإستثمار تداعيات هذه الحرب على الساحة الداخلية، من تعطيل لحكومة فؤاد السنيورة عبر إنسحاب الوزراء الشيعة منها، بذريعة الميثاقية وطريقة إتخاذ القرارات فيها، على خلفية إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إلى الإعتصام الشهير في وسط البلد لإسقاطها بعد أن وصفوها ب “حكومة فيلتمان” ، إلى إغلاق مجلس النواب بطريقة تعسفية، ومنع إنعقاده إلى أن إنتهت الأمور إلى أحداث 7 أيار 2008، التي وصفها الجنرال ميشال عون يومها بأنها أعادت القطار إلى السكة، وكذلك إنعقاد مؤتمر الدوحة وكانت بداية دخول التيار الوطني الحر إلى السلطة، تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية، محققا هدفه من التفاهم مع حزب الله، وكان هذا الدخول القوي إلى السلطة، بمثابة جزء من “رد الجميل” من قبل حزب الله وقوى 8 آذار لحليفهم وشريكهم المسيحي “القوي”، الذي إستحوذ على وزارات خدماتية مهمة، مقابل بداية تضعضع وخلافات في صفوف قوى 14 آذار، بمكوناتها الثلاثة، على الحصص المسيحية منها خاصة، على خلفية هذا الدخول للتيار الوطني الحر إلى السلطة.

من ينسى تصريح عون الشهير في أحد الأيام عن أن “كرمال عيون صهر الجنرال عمرو ما يكون حكومة”

كان من المفروض أن يكون إتفاق الدوحة، بمثابة إتفاق إنتقالي مرحلي، يقوم على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لإميل لحود، والعودة إلى قانون الإنتخاب المسمى بقانون الستين، وإجراء الإنتخابات النيابية على أساسه، و “إللي بيربح صحتين ع قلبو”، كما صرح مرارا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولكن حساب حقل قوى 8 آذار ومعهم التيار الوطني الحر، لم يطابق حساب بيدر القواعد الشعبية، التي أعادت تفويض قوى 14 آذار بالسلطة، فكانت “بداية الإنقلاب” عبر تكريس إتفاق الدوحة، كمرجعية للحياة السياسية في لبنان، مع كل ما يحمله هذا الإتفاق من أعراف، ما أنزل الله بها من سلطان، كبدعة الثلث المعطل، والبدعة الأكبر ما سمي بالوزير الملك، وساهم في نجاح هذا الإنقلاب بداية فرط عقد قوى 14 آذار، بإنفصال أحد أضلعه الثلاثة وليد جنبلاط، وإتخاذه الموقع الوسطي ، فكان أن وضعت العراقيل في طريق التكليف الأول للرئيس سعد الحريري فأستقال دون تشكيل، وكان التكليف الثاني وبدأت من يومها طريق الجلجلة في تشكيل الحكومات، التي باتت لا تشكل إلا بمعجزة بفضل مفاعيل تفاهم مار مخايل، عبر تغول التيار الوطني الحر ودعم حليفه حزب الله له في مطالبه، التي كانت تعطيلية، ومن ينسى تصريح الجنرال ميشال عون الشهير في أحد الأيام، عن أن “كرمال عيون صهر الجنرال عمرو ما يكون حكومة”.

بات التيار البرتقالي بمثابة “الطفل المدلل” لحزب الله ساعده

وهكذا بات التيار البرتقالي بمثابة “الطفل المدلل” لحزب الله ساعده على ذلك تعاظم الصراع الإقليمي في المنطقة، خاصة مع بداية الحرب السورية وتورط حزب الله فيها، ما جعله أحوج ما يكون لإستمرار الغطاء المسيحي له، ولسلاحه في الداخل والخارج وإن معنويا، وهو الدور الذي أتقنه وإستغله التيار الوطني الحر أحسن إستغلال، وهو ما أدى إلى بداية فك إرتباط لبنان بعمقه العربي، خاصة مع تولي جبران باسيل مهام وزارة الخارجية. وهنا لا بد من الإشارة إلى عدم رضى الطرف الشيعي الآخر المتمثل بحركة أمل، بزعامة الرئيس نبيه بري، عن هذه السياسات والمحاباة التي يعتمدها حزب الله تجاه التيار الوطني الحر، وهو الذي أطلق على الجنرال عون يوما، لقب “حليف حليفي” في جملة معبرة عن مدى الإستياء من تصرفات عون وصهره، اللذين كانا بالمقابل ولا يزالان، على خلاف شبه دائم مع الرئيس نبيه بري، الذي عارض تولي الجنرال عون سدة الرئاسة، الأمر الذي كان ولا يزال يضع حزب الله بين شاقوفين، وكذلك يضع كل من حركة أمل والتيار الوطني الحر، في موقف صعب جراء تحالف الضرورة هذا، ولا نبالغ إن قلنا بأن هذا الصراع الدائم والمستمر، بين أمل والتيار الوطني الحر وموقف حزب الله المتذبذب بينهما، كان أحد أهم أسباب التعطيل الدائم للمؤسسات، وهو ما ساهم بشكل كبير في وصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه اليوم، من تدهور وإنهيار على كافة المستويات.

في العام 2016 أي بعد حوالي عشر سنوات على تفاهم مار مخايل، كانت الجائزة الكبرى التي كسبها التيار الوطني الحر جراء هذا التفاهم وهي رئاسة الجمهورية، التي أتت بعد تعطيل دام حوالي السنتين ونصف السنة، لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة الشعار الذي رفعه حزب الله “عون أو لا أحد”، والذي أتى في ظل ظروف إقليمية ودولية مواتية، حيث إلتقط النظام السوري أنفاسه بعد التدخل الروسي في سوريا عام 2015، وكذلك النظام الإيراني بعد التوقيع على الإتفاق النووي مع إدارة باراك أوباما.

بالمقابل تغيرت الوجوه والسياسات في السعودية، بغياب الملك عبدالله بن عبد العزيز وتسلم الملك سلمان مقاليد الأمور، وما تبعها من تغييرات داخلية متعددة في ولاية العهد إلى أن إستقرت على الأمير محمد بن سلمان، وهي التي باتت تمثل النظام العربي بعد إنكفاء مصر وسوريا والعراق، نتيجة مشاكلهما الداخلية، ودخلت في حرب اليمن للدفاع عن الشرعية بإطلاقها عاصفة الحزم، ومن ثم عملية إعادة الأمل ضد الإنقلاب الحوثي الذي تم بدعم من إيران، كل هذه الأحداث كان لها وقعها في لبنان، الذي بات بشكل كبير في قبضة حزب الله، القوي درجة جعلته يرفض مبادرة الرئيس سعد الحريري، بتأييد ترشيح سليمان فرنجية حليف الحزب التاريخي والوفي، ويتجاهل رأي “توأمه الشيعي” الرئيس نبيه بري وغالبية الكتل النيابية، في سبيل “فرض” ميشال عون على اللبنانيين عبر التعطيل، الأمر الذي تم بعد “إتفاق معراب” الذي شكل – يا للمفارقة – نقطة تلاقٍ وتقاطع مصالح نادرة، بين القوات اللبنانية وحزب الله وكان ما كان.

نال لبنان منها “نصيبه” إذ ترافقت مع أزمة “إستقالة” الرئيس الحريري في الرياض وتصاعدت الحرب في اليمن

مع بداية عهد عون، تغيرت الظروف الإقليمية والدولية، بوصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية، فألغى الإتفاق النووي مع إيران، وتوترت الأوضاع في الخليج جراء الحصار على قطر، وحصلت تطورات في الداخل السعودي بإسم محاربة الفساد، نال لبنان منها “نصيبه” إذ ترافقت مع أزمة “إستقالة” الرئيس الحريري في الرياض، وتصاعدت الحرب في اليمن والإعتداءات على السفن في مياه الخليج، على خلفية تصاعد الصراع الإقليمي.

في لبنان أدت “التسويات الرئاسية” بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر من جهة، والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية من جهة أخرى، فضلا عن التفاهم بين التيار وحزب الله، إلى إنتاج قانون إنتخاب هجين، كانت نتيجته كارثية على تيار المستقبل، بفقدانه حوالي نصف كتلته النيابية من المقاعد المسيحية، خاصة لصالح التيار الوطني الحر، وكذلك المكون الشيعي فيه، الأمر الذي نزع عنه صفة التيار العابر للطوائف، هذه النتيجة معطوفة على “نزع” الغطاء السعودي – إذا صح التعبير – عن الرئيس سعد الحريري، كل هذا أخل بالتوازن في السلطة بين طرفي التسوية، لصالح التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، الذي لم يكن أميناً وصادقا في إتمام التسويات سواء مع تيار المستقبل أو مع القوات اللبنانية، والذي أثبتت التطورات بأنه لا يسعى من وراء تحركه السياسي ومواقفه، سوى الفوز بمقعد الرئاسة “وريثا” لعمه الرئيس ميشال عون، وعلى طريقته في إستثمار تفاهم مار مخايل، بغض النظر عما يسببه هذا التحرك وهذه المواقف، من ضرر للبنان وصورته وسمعته وعلاقاته العربية والدولية.

صفقة باسيل الأخيرة التي أُحبطت ربما بـ”بركة ” وجود غوتيريس، والتي أثارت غضبه، إلا كدليل إضافي على تبنيه شعار ميكيافيللي، بأن “الغاية تبرر الوسيلة”

كل هذه التطورات وما رافقها من ممارسات “فوقية” خاصة تجاه تيار المستقبل والرئيس الحريري، وتعطيل سواء في تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات وغيرها من الممارسات، أدت إلى إنهيار التسويات وإنكشاف الوضع، ما أوصل الشعب للخروج إلى الشارع في ثورة 17 تشرين أول من عام 2019، وما تبعها من تطورات أدت إلى تسارع الإنهيار جراء عدم التصرف بمسؤولية، لا بل بكيدية من طرف العهد وتياره وصهره، الذي طالته العقوبات الأميركية بتهم الفساد والإفساد، وهو ما حاول إستثماره لدى حليفه حزب الله و”بيعه” هذا التطور له وللناس، على أنه نتيجة لوقوفه مع الحزب وتأييده لسياساته، وليس بسبب الفساد وتعطيل آليات الحكم، وإتخذ من قضية التحقيق الجنائي والإنهيار النقدي، متراسا للتصويب على “حليف الحليف” الرئيس نبيه بري بشكل خاص، وغيره ممن يرى فيهم خصوم بإسم “تركة” ال 30 سنة الماضية، وإتهامهم بإعاقة الإصلاح الذي يسعى هو والعهد للقيام به، نائيا بنفسه وبتياره، عن كل ما حملته السنوات ال 15 الماضية منذ تفاهم مار مخايل حتى اليوم، من ممارسات ومحاصصات وتعطيل مؤسسات، وسياسات كيدية وخاطئة داخليا وخارجيا، أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم من إنهيار على كافة المستويات ، فضلا عن كارثة إنفجار مرفأ بيروت، وما تبعها من إستقالة لحكومة حسان دياب، والعراقيل التي وضعها أمام تشكيل سعد الحريري للحكومة، وصولا إلى التحقيق في الإنفجار الذي تسبب بشلل مجلس الوزراء، والذي يحاول أن يُظهر نفسه من خلاله، وكأنه الوحيد الحريص على العدالة، وبأنه على خلاف مع حلفائه بصدده، وهو الذي يرفض كغيره من الأطراف عبر رئاسة الجمهورية، التحقيق مع مسؤولين محسوبين عليه وعلى تياره، في الوقت الذي لا يخفى على أحد، بأنه يبحث عن صفقة كعادته لإعادة تعويمه وتياره، ولمحاولة “إقصاء” كل ماروني، يمكن أن يشكل تهديدا له في معركة رئاسة الجمهورية، وهو ما يفسر سعيه ل “قبع” رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وتصويبه المتجدد على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رغم صيت هذا الأخير الذي قد يجعله خارج المنافسة، وما الصفقة الأخيرة التي أُحبطت ربما ب”بركة ” وجود الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، والتي أثارت غضبه وجعلته يهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، إلا كدليل إضافي على تبنيه شعار ميكيافيللي، بأن “الغاية تبرر الوسيلة”.

اليوم والوضع على ما هو عليه، بعد إنهيار الصفقة وتهديد باسيل ب “مترتبات سياسية”، وتسميته الثنائي الشيعي بالإسم، متهما إياه لأول مرة بتعطيل المجلس الدستوري بعد مجلس الوزراء، وتأجيله الحديث عن هذه المترتبات إلى ما بعد نهاية الأعياد، ومن ثم تسريب شريط مسجل له يستعرض فيه “عضلاته السياسية”، التي يدَّعي أنه ربَّاها بمجهوده وقوته، ناكراً بذلك دعم وجهود حلفائه له في مسيرته السياسية، وتصويبه عالي السقف على هؤلاء الحلفاء، وتخييرهم بين أن يكونوا على نفس الخط معه أو “عمرن ما يكونوا”، كل هذه التحركات والممارسات بالرغم من أنها توحي بأن تفاهم مار مخايل ليس على ما يرام، إلا أنها تصلح لأن تكون أيضاً مجرد كلام سياسي لشد العصب، عشية الإنتخابات في الشارع المسيحي المحتقن ضد حزب الله، على خلفية قضية التحقيق في المرفأ وأحداث الطيونة – عين الرمانة، التي رأى فيها البعض أنها قدمت “هدية” للقوات اللبنانية حين أظهرتها بأنها المدافع الرئيسي عن المناطق المسيحية، خاصة لما ترمز إليه منطقة عين الرمانة في الوجدان المسيحي، كما أنها تصلح لتكون بمثابة تصعيد، بهدف إستدراج عروض أفضل لدعمه، في ظل ما تظهره غالبية إستطلاعات الرأي عن تدني وضعه الشعبي على الساحة المسيحية، خاصة مع دخول العهد سنته الأخيرة، والوضع على ما هو عليه من إنهيار مالي وإقتصادي وإجتماعي، وهو ما يترجم عادة بالإنفضاض الشعبي عن “الحزب الحاكم” أياً كان ، وفي ظل علاقته شبه المقطوعة مع غالبية الأطراف السياسية الأخرى وهو ما يجعل من التيار الوطني الحر في وضع أصعب مما كان عليه، أيام عقده التفاهم من حيث حاجته لرافعة سياسية وشعبية هذه المرة للإستمرار، وفي ظل العقوبات المفروضة عليه من الخارج، كل هذه الظروف تجعل التيار ورئيسه بأمس الحاجة للحفاظ على التفاهم مع بعض التعديلات ربما لحفظ ماء وجهه أمام مناصريه وشارعه المسيحي، وما الصمت الذي يواجه به حزب الله هذه المماحكات، إلا الدليل على أن الحزب أيضا، ليس في وارد فرط التفاهم في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية المشوشة، التي لا تختلف كثيرا عن ظروف العام 2005 خاصة بعد البيان السعودي – الفرنسي الأخير وتصريحات أمين عام الأمم المتحدة الأخيرة إبان زيارته إلى لبنان، والتي إستدعت على ما يبدو رد فعل محسوب ومحدود من “الأهالي” في جنوب لبنان، الأمر الذي يجعل من التفاهم – حتى الآن على الأقل – أشبه ما يكون بالزواج الماروني منه بزواج المتعة.

خلاصة القول بأن من وصل الى السلطة، وصعد درجاتها إلى القمة، وأوصل البلد إلى الوضع المأساوي الذي هو عليه اليوم، عن طريق التعطيل وضَرّب كل مؤسسات الدولة، وكذلك فصم عرى علاقات لبنان العربية والدولية، لا يمكن أن يكون صادقا اليوم في شكواه من التعطيل، ولا يمكن تفسير هذه الشكوى سوى أنها كلام حق يراد به باطل، والباطل هنا هو السعي لرفع ثمن ورقة التفاهم والإستثمار فيه مجددا وليس فَضِّه، سيما وأن الظروف الداخلية والخارجية التي أملت عقد تفاهم مار مخايل بالنسبة للطرفين، لا زالت على حالها تقريباً رغم “الإنتصارات” التي حققها الطرفان منذ عقده حتى اليوم، هذه الإنتصارات التي أثبتت الأيام بأنها بلا أفق، وبأنها إنتصارات صغيرة محدودة، تنسب لأشخاص أو لمجموعات، وبعيدة عن منطق الإنتصار للوطن والشعب، ولأنها إنتصارات ضد المنطق الذي يحكم الواقع اللبناني المعقد، وكذلك منطق التاريخ والجغرافيا الذي لا بد من أخذه بعين الإعتبار، عند تقرير مصير البلاد والعباد.

السابق
«السفير عائد الى لبنان».. السعودية تُطمئن اللبنانيين وتحثّهم على إبعاد «هيمنة حزب الله»!
التالي
انخفاض بعداد الإصابات بكورونا في لبنان.. والوفيات تتخطى الـ15!