ويحدثونك عن «الكرامة».. الوطنية!

لبنان

يستلُ فريق الممانعة في لبنان كلمة “كرامة”،  كحجة مستمرة في وجه كل من يحاول صياغة تساؤلات، حيال السياسات التي ينتهجها القوم خارج القرار السيادي للدولة اللبنانية، التي تعرضت في علاقاتها مع الدول العربية الى نكسات  سياسية واقتصادية، كان اخرها الازمة الراهنة، التي دفعت عددا من الدول الخليجية الى سحب سفراءها، نتيجة لتصريح الوزير جورج قرداحي الذي اثار ردود فعل عربية-خليجية ، حيث حمّل بكلامه التحالف العربي الداعم للشرعية اليمينة، المسؤولية عن الحرب في اليمن، من دون ان يشير الى دور ايران السلبي الداعم للحوثي، والتي تحرض على رفض قبول الحلول السياسية بدل العسكرية، على غرار ما يحدث في الهجوم على مدينة مأرب .

وقد تحولت كلمة “كرامة”  الى كلمة  فصل للممانعين في لبنان، بحيث دخلت الى قاموسهم السياسي  الى جانب عبارات التخوين، وغيرها من المصطلحات التي يحترفون ابتكارها وتزويقها. فلا مجال عندهم لبحث المصالح الوطنية، ولا انتهاج سياسات واقعية مع الاشقاء العرب، ولا يسمح للدولة اللبنانية  اخذ المواقف  المعبرة عن هويتها العربية،  كموقف طبيعي ومنطقي، باعتبار لبنان دولة عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وفي نص دستورها هي دولة عربية الهوية والانتماء.
ففي الواقع العملي والعلمي، لم يتوصل علم الاجتماع ولا علم القانون التي صياغة تعريف جامع مانع لكلمة “الكرامة”.

تحولت كلمة “كرامة”  الى كلمة  فصل للممانعين في لبنان

فالامر معقد، ولا يتعلق بجانب دون أخر، وفي ظل تداخل المصالح داخليا وخارجيا، يصبح من الصعب الركون الى تلك الكلمة المطاطة، كحدود يجب ان يتوقف عنده صناع القرار، فمع أهمية الكرامة كفعل انساني، الا انه في الأمور السياسية يصعب الوصول الى معنى يمكن للسياسي ان يستخدمه  لمعرفة اين يمكن التنازل من دون ان يعتبر تصرفه مسا بالكرامة، خصوصا وانه يتصرف على قاعدة : “الضرورات تبيح المحظورات”، وان الدول الصغيرة يصعب عليها ان تتعنت، تحت مسمى الكرامة لمحدودية امكانياتها ومواردها.

صحيح ان القانون الدولي قد تطرق الى مفهوم السيادة ومبدأ عدم التدخل، وان القرار السيادي يجب ان يتخذ من خلال الاليات الدستورية، التي تحكم الدول وتعبر عن مصالحها دون تدخل من الخارج، انما هذا لا يمكن تطبيقه في العلاقات الدولية، التي تتسم بطابع التفاعل، اما سلميا واما صراعيا ،ما يؤدي الى نسبية مفهوم السيادة ومبدأ عدم التدخل، بحيث لا تجد لكلمة “كرامة” محلا  في السياق الدولي. فثمة قرارات دولية يتخدها مجلس الامن، على سبيل المثال، تحت البند السابع تلزم الدول بتطبيقها، كقرارات فرض الحصار او مقاطعة الدول  التي تهدد بتصرفاتها السلم والامن الدوليين.

القرار السيادي يجب ان يتخذ من خلال الاليات الدستورية، التي تحكم الدول وتعبر عن مصالحها دون تدخل من الخارج

فالصين وما ادراك ما الصين،  تمتثل في كثير من الأحيان في تنفيذ العقوبات التي تفرضها  الأمم المتحدة او الولايات المتحدة، آخذة في عين الاعتبار مصالحها ومصالح شركاتها عبر العالم، دون ان تأتي على ذكر كلمة “كرامة”،بل تتصرف بمنسوب مرتفع من الواقعية السياسية.

 الامر معقد ولا يقاس بتلك التعابير العاطفية او الايديولوجية. ان السياسة صراع مصالح ونفوذ، ولا يوجد رابح دائم، ولا خاسر دائم، وكلمة “كرامة” ليس لها وجود في قاموس المصالح المتبادلة، على قاعدة احترام النفوذ والتأثير لكل دولة من دول العالم، تحديدا  الدول الكبرى، فقد تتنازل دولة هنا لتكسب هناك والعكس صحيح، وذلك يتم وفق اعراف دولية يحترمها الجميع، هذا مع التأكيد على ان ثمة مواضيع امنية، او حدودية ترفض الدول المس فيها، كمسائل الحدود البرية او البحرية بين دولة وأخرى، وهناك امثلة كثيرة عن تلك النزاعات في العالم.

وفي مقابل هذا الواقع نجد ان الأمم المتحدة، نتيجة لكثير من الحروب والويلات، ونتيجة لخضوع الكثير من شعوب العالم، لحكومات تسلطية تطيح بكرامة الفرد، لجأت الى وضع تعريفات تتعلق بحقوق الانسان، تفيد فقط مبدأ الكرامة البشرية، وتعلي من شأن الفرد وتحترم خصوصيته، ولا تطيح بها لصالح الحكومات على حساب الشعوب.

فقد جاء في وثائق الأمم المتحدة تعريفا لحقوق الانسان على النحو التالي: ” هي الحقوق المتأصلة في طبيعتنا البشرية والتي بدونها لا يسنى لنا ان نعيش عيشة البشر”. او هي ” المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس من دونها ان يعيشوا بكرامة كبشر”.

أخذا بهذه التعريفات، فإننا نجدها حجة ضد رهط الممانعة كجماعة تنتهج القمع، والاستبداد، وتقلل من شان حقوق الافراد كالحق في الحياة، او الحق بالضمانات القضائية او الصحية او الحقوق العائلية، التي يجب على الدول تأمينها لشعوبها.
فما وصل اليه الشعب اللبناني من وضع اقتصادي صعب، نتيجة رعونة وقلة مسؤولية الممانعين، الذين لم يراعوا مصالح الشعب اللبناني الاقتصادية والمعيشية، خدمة لمشروع توسعي يعادي غالبية الدول العربية، ولا يحترم مصالحها المشروعة، وامنها القومي.

فالمنطق يقول ان قرارات السلطات الدستورية المتخذة وفق الأصول، كالاعلان الحرب والسلم الذي يتطلب غالبية الثلثين في مجلس الوزراء بحسب نص الدستور اللبناني، هي حصرا التي تلزم الشعب ان يؤيدها، ويقف خلفها دفاعا عن السيادة والكرامة الوطنية، ويحترم ما تتخذه من مواقف، اما التفرد من قبل حزب او طائفة، فلا يلزمنا كشعب في شيء، لا بل ان رفضه يمثل اعلى مراتب حفظ الكرامة الوطنية اللبنانية في كل الظروف. لبنانيون عرب نحن، وسنبقى كذلك..

السابق
حرائق لبنان..هذا ما كشفه خبيران لـ«جنوبية» عن الأسباب والتداعيات!
التالي
الحرائق تصل الى عكار.. هل من إصابات؟