الشيعية السياسية نحو الانكفاء(4): «تصدير الثورة» الإيرانية الى اليمن لضرب الخاصرة السعودية!

بين الشاه اسماعيل الصفوي الذي فرض المذهب الشيعي الجعفري في بلاد فارس بالقوة في القرن السادس عشر، ومحمد عبد الوهاب الذي فرض المذهب السني السلفي في القرن الثامن عشر في الجزيرة العربية بالقرن الثامن عشر، بين هذين التاريخين وقعت الحروب العثمانية الصفوية التي رسمت الحدود النهائية للعالمين الشيعي والسني، ليعود وينبعث الصراع من جديد مع انتصار ثورة الامام الخميني عام 1979.

العداء الشيعي الوهابي انفجر في شهر نيسان 1802، بزمن حكم عبد العزيز بن محمد الحاكم لنجد والحجاز، فقد هاجمت مجموعات مسلحة من قوات الدولة السعودية الأولى، وهم حوالي اثني عشر ألف جندياً، مدينة كربلاء، انتقاماً لمقتل 300 رجل نجدي على يد قبيلة الخزاعل قرب النجف. وقد تزامن الهجوم مع أحد الأعياد عند الطائفة الشيعية وهو عيد الغدير، حيث كان أكثر أهالي كربلاء قد ذهبوا إلى مدينة النجف لزيارة مرقد الامام علي، وتتحدث الروايات عن سقوط 2000 قتيل من الكربلائيين وعن اقتحام الاضرحة والاستيلاء على الثروات الدفينة المخبأة في دهاليزها.   

إقرأ أيضاً: تطور جديد في جريمة قتل بجاني: العثور على هاتفه في هذه المنطقة وأهالي الكحالة يستعدون للتصعيد!

ومع نهاية الحرب العالمية الاولى في العشرينات من القرن الماضي وظهور الدول الوطنية، ورغبة بريطانيا في التملص من وعدها للشريف حسين بقيام المملكة العربية بزعامة اسرته الهاشمية، دعم الانكليز آل سعود الوهابيين واعانوهم في السيطرة على الحجاز ونجد عام 1924 منهين بذلك طموح الشريف الذي اعلن نفسه خليفة للمسلمين لشهور فقط، قبل تنازله عن العرش ولجوئه الى قبرص تحت وطأة الهجوم الكاسح للسعوديين الوهابيين.   

حرب الخليج والثأر الايراني   

وفيما ظلّ مشروع الشيعية السياسية مستترا بغياب أي أثر له في الدول العربية وفي ايران بعهد حكم اسرة بهلوي المتحالفة مع الغرب التي انتهجت نهج فصل الدين عن الدولة، غير انه مع سقوط شاه ايران عام 1979 وانتصار الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني، فان هذا المشروع عاد ليظهر مسلحا بعقيدة أيديولوجية صلبة (ولاية الفقيه)، وما لبث ان اعلن الخميني مبدأ “تصدير الثورة” الى الدول المجاورة، لتبدأ بعد عام حرب الخليج الاولى الدامية والمدمرة التي شنها العراق على ايران، وكانت في عمقها حربا بين العالم الشيعي بقيادة الخميني والعالم السني بقيادة صدام حسين مدعوما من دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية.وكانت الذروة في موسم حج عام 1987 مع سقوط حوالي 300 حاج ايراني قتلى برصاص الامن السعودي، اثناء تنظيمهم تظاهرة سياسية تهتف ضد اميركا والغرب ونظام صدام حسين في الحرم المكي، وذلك بناء على طلب الامام الخميني، كما اعلن حينها الاعلام الايراني.   

بعد 8 سنوات من هذه الحرب المدمرة وسقوط مئات الالاف من القتلى من الطرفين، لم تستطع ايران سوى ردّ الهجوم وخاب املها بقهر نظام صدام حسين البعثي والثأر منه وازالة حكمه للعراق، وفي عام في سنة 1988 صدر بيان في طهران أُعلن فيه عن موافقة الامام الخميني على توقيع اتفاقية سلام وانهاء الحرب مع العراق، معترفاً انه “تجرّع السم” بسبب ذلك! غير ان القدر شاء ان يشهد خليفته المرشد السيد علي خامنئي سقوط نظام صدام حسين على ايدي الاميركيين وحلفائهم عام 2003، الذين قدموا العراق لإيران وللشيعة ليحكموه، وليضطرم بعدها نار النزاع السني الشيعي من جديد مع سقوط الالاف من العراقيين ضحيتها خصوصا بعد احتلال داعش لثلث العراق الشمالي لاكثر من 3 سنوات قبل اعادة تحريره نهاية عام 2017. 

الشيعية السياسية في اليمن   

اما بالنسبة لتصفية الحساب مع العدو الديني المذهبي اي الوهابية، فقد ظلّ الثأر الايراني كامنا حتى تمكنت طهران من الاتصال بالحوثيين الزيديين في اليمن وتسليحهم بعد تشييعهم عقائديا، فقويت شوكتهم مع اندلاع ثورة الربيع العربي والاطاحة بحكم علي عبدالله  صالح 2011.  

والحوثيون هم شيعة زيديون يقطنون مقاطعة صعدة في اليمن يشكلون 15 بالمئة منه، أقنعتهم ايران بالتعاون معها ليتمكنوا من حكم البلاد. وبدأت طهران بإعدادهم عسكريا وشحنهم، وجعلت منهم نسخة مكررة من حزب الله في لبنان وفصائل الحشد الشعبي في العراق. فجاء الحوثيون إلى العاصمة صنعاء مشحونين بالفكر الإيراني، يرددون صيحات الثورة الإيرانية، ويرفعون شعاراتها، وتحت مسمى أنصار الله.  

ايران ردت الصاع صاعين للسعودية التي دعمت عدد من فصائل الثورة في سوريا

حاولت حكومة اليمن الشرعية التفاهم معهم ولكن من دون جدوى. رفضوا مبدأ حكومة الشراكة الوطنية وأصروا على الانفراد بالحكم. وقد تمكنوا من خلال تحالفهم مع الرئيس اليمني السابق علي صالح الذي قتلوه لاحقا من السيطرة على معظم أراضي الدولة اليمنية، مما اضطر الحكومة الشرعية للجوء إلى الرياض وطلب مساعدة الجيش السعودي، وهنا وقعت الحرب التي كانت تسعى اليها ايران بشغف، ونقلت الحرب الى الاراضي السعودية مع اطلاق مئات الصواريخ نحو مدن المملكة سنويا منذ تاريخ اعلان السعودية تدخلها في اليمن بمساعدة الحلف العربي الخليجي عام 2015. واذا كانت صواريخ باتريوت الاميركية تكفلت باسقاط غالبية تلك الصواريخ ثم الطائرات المسيرة الايرانية المنطلقة من اليمن، فان  خسائر بشرية وخسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات، تكبدتها وما زالت تتكبدها السعودية، نتيجة لكلفة الحرب الباهظة والانفاق على السلاح المستورد من الغرب.   

وبذلك تكون ايران قد ردت الصاع صاعين للسعودية التي دعمت عددا من فصائل الثورة في سوريا ضد نظام الاسد المتحالف مع ايران، ونقلت الصراع من سوريا الى الخاصرة السعودية الرخوة  على حدودها في اليمن. 

السابق
جو بجاني ليس وحده.. جرائم أخرى «غامضة»! هل هي تصفيات متعلقة بانفجار المرفأ؟
التالي
عندما تفوح روائح «الأبلسة» والتهريج من «بلاط بعبدا»!