اللبنانيون ينتهون الى «وادي ذئاب» لا تشبع!

لبنان
في الوقت الذي بات هَم فقراء لبنان أن يحافظوا على " المنقوشة " من غيلان السلطة والإحتكار، بات هَم الطبقة الوسطى هو كيفية تأمين الأقساط لأولادها الذين يطلبون العلم والمعرفة في الخارج، والإستمرار بالعيش بالحد الأدنى من الستر والكرامة والآمال وسط الحديث اليومي عن إمكانية رفع الدعم أو ترشيده.

تستمر الطبقة السياسية وعلى رأسها معظم المسؤولين عن مصير الناس ومتصدري المواقع السياسية والطائفية بإسم الدفاع عن حقوق الطائفة وأبنائها، يستمرون في غيهم وإستهتارهم بمصالح المواطن عبر الإمعان في الممارسات السابقة الكيدية بين بعضهم البعض، والمحاصصة والصراع على ” المغانم ” وكأن شيئاً لم يكن ولم يتغير أقله منذ ثورة 17 تشرين 2019، وهي ممارسات إن دلت على شيئ فإنما تدل على فقدان هؤلاء لأدنى الحدود من حس المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية .

اقرا أيضاً: لا حكومة ولا دولارات: ازمات لبنان غير قابلة للحل… هذا ما ينتظركم في 2021!

عون في وضع لا يُحسد عليه

فرئيس الجمهورية وبدلاً من أن يكون حَكَماً منصفاً بين الأفرقاء السياسيين ، ومنحازا فقط لمصلحة البلد والناس ، نراه وقد وضع نفسه موضع الطرف بين الأطراف، ليبدو وكأنه يتحدث نيابة عن فريق معين محاولا تعويضه عما أصابه من ضرر سياسي ومعنوي جراء العقوبات التي فُرضَت عليه، في الوقت الذي طالت فيه العقوبات أطراف آخرين يصنفون في خانة ” حلفاء الحليف ” للعهد، ومع ذلك لم يحرك ساكنا تجاههم ما يوحي بالإستمرار في نهج ” الصهر المعطل “، الذي درج عليه التيار الوطني الحر منذ دخوله ” جنة ” السلطة في العام 2008 بعد إتفاق الدوحة ” المشؤوم ” بخواتيمه.

عون يبدو بموقع ساعي البريد بين الرئيس المكلف والصهر المدلل جبران باسيل

وهو بدلاً من المساهمة في تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة، نراه يضغط على الرئيس المكلف والناس بدعوته لتوسيع مفهوم تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة تارة، وبمحاولة تفويض مجلس الدفاع الأعلى لإتخاذ قرارات يحل بها مكان الحكومة بدل التوصيات، وكأني به رئيس مجلس قيادة الثورة أو أنه ربما يحن إلى زمن حكومته العسكرية الثلاثية في العام 1988 ، والأنكى من كل ذلك أنه يبدو بموقع ساعي البريد بين الرئيس المكلف والصهر المدلل جبران باسيل، وهو وضع لا يُحسد عليه وهو من يصنف نفسه دائما بالرئيس القوي ، ولا نحن كمواطنين نرضاه له بإعتباره رمز الدولة.

الحريري هو الحلقة الأضعف

الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تلقف كرة نار التكليف فالتأليف ، ليس لديه هو الآخر ما يعطيه أو يتمسك به سوى المبادرة الفرنسية التي يرى فيها – وقد يكون على حق – الفرصة الأخيرة للإنقاذ ، وهو لذلك يتلقى السهام من جميع الجهات القريبة منها و البعيدة وهو الذي يعتبر بالمعنى السياسي “الحلقة الأضعف ” نتيجة موازين القوى سواء السياسية منها أي في مجلس النواب، أو على الأرض من حيث إفتقاره لقوة ضغط على غرار فوج ” الموتسيكلات ” مثلا أو القمصان السود أو الخضر أو الصفر ، فضلا عن المعارضة والهجوم الذي يتعرض له من بعض بيئته وحتى بيته العائلي و ” الجلد ” اليومي له بإعتباره ” يوضاس ” السُنة الذي باع الطائفة بثلاثين من التسويات والتحالفات والتحاصص.

الحريري الذي تلقف كرة نار التكليف فالتأليف ليس لديه ما يتمسك به سوى المبادرة الفرنسية

ناهيك عن حلفائه السابقين الذين وبدلاً من تصويب سهامهم على الطرف المعطل ويضغطون عليه لتسريع تشكيل الحكومة ومعالجة قضايا الناس ، تراهم ” يفشون ” خلقهم بسعد الحريري بعضهم بغرض تحسين شروط مشاركته في الحكومة العتيدة كالسيد وليد جنبلاط ، وبعضهم الآخر الذي كان رأس الحربة في وصول التيار إلى السلطة عبر إتفاقه معه على المحاصصة في الوسط المسيحي ونقصد به القوات اللبنانية نراها اليوم بقيادتها تتدثر عباءة ” القديسين ” الطوباويين الذين لا يرون حل للأزمات التي يعاني منها البلد سوى إجراء إنتخابات نيابية جديدة وبنفس القانون الإنتخابي الحالي الذي أتى بأكثرية للمحور الآخر.

وهي أكثرية يرى رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع أنها لم تأتِ بسبب القانون الهجين، بل بسبب تحالفات سعد الحريري الإنتخابية ليحاول إيهامنا بأن تحالف الحريري معه كان وسيكون له نتائج أفضل على مستوى المجلس النيابي والحياة السياسية ككل وهو طرح طوباوي وغير صحيح لأن العطب كان ولا يزال في السياسات المتبعة من قبل ما كان يسمى بتحالف 14 آذار بكل مكوناته وليس بعدد النواب في المجلس النيابي. والدليل على ذلك هو عندما عجزوا مجتمعين رغم أكثريتهم النيابية على مدى دورتين نيابيتين عن التصدي لمشروع حزب الله وفريقه السياسي بسبب من موازين القوى أولاً وتخلي وتخبط سياسات الراعي الإقليمي ثانياً وسياسات مكونات هذا الفريق ومنهم القوات اللبنانية بعد إتفاق الدوحة ودخول التيار الوطني الحر إلى السلطة ليتحول النضال من الإستراتيجي إلى التكتيكي ومحاولة تسجيل النقاط وإستقطاب المؤيدين داخل الساحة المسيحية على حساب الهدف الإستراتيجي ودخلنا في مزايدات مسيحية – مسيحية أوصلت بعدها إلى إتفاق معراب وما نتج عنه من تطويب الرئاسة لميشال عون.

والمضحك المبكي اليوم بأن بعض الأطراف السنية المعارضة بعنف لسعد الحريري وبدلاً من إطلاق مشروعها السياسي الخاص بها لمحاولة تصويب ما تراه خللا في سياسته ، نراها تلجأ لتلميع صورة ” حكيم ” القوات وتظهره بمظهر اليد التي تصفق وحيدة، أو الطرف الذي يفتقر إلى شريك سني أساسي كي يواصل معركته وينتصر بها ، وربما تكون بوارد طرح نفسها كشريك بديل عن سعد الحريري وهو طرح لن يؤدي إذا حصل إلا إلى المزيد من التشرذم والإحباط على الساحة السياسية السنية والوطنية .

“الثنائي الشيعي” هو الحاكم الفعلي للبلد

في هذه الأثناء وفي الوقت الذي يلعب فيه الجميع في الوقت الضائع على مصير البلد والناس يبدو أن الحاكم الفعلي للبلد ألا وهو ” الثنائي الشيعي ” هو الآخر يسرح في ملكوت آخر بعد أن ” ضمن ” وزارة المالية.

ينكب حزب الله على اللجوء إلى ” القضاء ” لمحاسبة من يعتقد أنهم يتجنون عليه

فبينما يعتصم الرئيس بري بالصمت وإن نطق فلإبداء النصائح وكأنه من كوكب آخر ، ينكب حزب الله على “دراسة القانون ” واللجوء إلى ” القضاء ” لمحاسبة من يعتقد أنهم يتجنون عليه ويتهمونه بإنفجار المرفأ وهم بداية موقع القوات اللبنانية الإلكتروني والدكتور فارس سعيد الذين برأيه ينشرون الإشاعات ويحرضون على ” الفتنة “ويحضون على” الكراهية والبغضاء ” بين اللبنانيين مع ما عُرف عنه – أي الحزب – من تمسك بأهداب ” المحبة والتسامح والسلام “، وكذلك بقيام بعض حوارييه وصبيانه بالإدعاء على السيد علي الأمين بجرم إثارة الفتنة أيضاً والتطاول على الفقه الشيعي بشكل يذكر في الظروف الحالية التي يمر بها الناس، بالمثل القائل الناس بالناس والقطة بالنفاس، مع ترحيبنا طبعا بسلوك حزب الله طريق القانون والقضاء حلا لمشاكله مع الآخرين وهو سلوك حضاري.

إلا أن المبررات التي سيقت كسبب لرفع الدعاوى غير مقنعة فهذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها الحزب بتفجيرات على الساحة اللبنانية، كما أن لائحة المتهِمين له تكون عادة أوسع بكثير وتتعدى موقع إليكتروني ونائب سابق إلى نواب ووزراء وسياسيين من فئات شتى. الأمر الذي أثار التساؤلات عن الهدف والتوقيت من وراء هذه الدعاوى ، هل هي مجرد بروباغندا لإلهاء الرأي العام اللبناني عن خطوات أخرى قد يتخذها الحزب ومعه السلطة السياسية بخصوص رفع الدعم عن المواد الأساسية؟ أم هي لشد العصب المذهبي والحزبي في ظل الظروف الصعبة الراهنة ؟ أم هي توطئة لإجراءات أخرى قد يقدم عليها الحزب ضد معارضيه ؟ أم هي مجرد لعب في الوقت الضائع كما غيره من الأطراف حتى يقضي الله والتطورات الإقليمية والدولية أمراً كان مفعولا ، خاصة في ظل إدارة بايدن الجديدة والتطورات الأمنية التي تعيشها المنطقة بعد إغتيال العالم الإيراني محسن فخري زادة وتداعياته المحتملة ؟

اللبنانيون متروكون لقدرهم التعيس الذي أسَّسَ له هذا النظام الطائفي العفن


كل هذه التساؤلات مشروعة في بلد تتقاذفه الأنواء وتتلاعب به المصالح الإقليمية والدولية بينما قادته يتشاطرون على ناسهم وعلى بعضهم البعض مستغلين هذه الصراعات ومحاولين كل من جانبه الإستثمار فيها لمصلحته ، في الوقت الذي يعاني فيه الناس الأمَرّين وينزلق فيه البلد يوما بعد يوم إلى وادٍ سحيق ما يجعل البلد والناس في وادي أشبه بوادي تحكمه الذئاب تحت مسمى الأطراف السياسية التي لا تشبع ، بينما هي تفكر وتعيش فعليا في وادٍ آخر ، منهم من يتخذ التعطيل وسيلة للحكم وتهيئة الظروف لخلفه ، ومنهم من يتمسك بالمبادرة الفرنسية كحل وحيد متاح علها تصلح بعض ما أفسدته الطبقة السياسية وهو منها ، وآخر يبحث عن وزارات دسمة بحجة حفظ حقوق الطائفة المؤسسة للكيان ، ورابع يحلم بزيادة مقاعده النيابية ليحجز له مقعدا في السباق الرئاسي ، وخامس يستحوذ على المالية بحجة الميثاقية ، وسادس إستفاق فجأة على أهمية القضاء في حياة المجتمعات ، بينما اللبنانيون متروكون لقدرهم التعيس الذي أسَّسَ له هذا النظام الطائفي العفن المولِّد لكل هذا الفساد الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من ذل وهوان وعبثية .

السابق
الحريري ودريان يقودان حملة التضامن مع دياب: الرئاسة الثالثة ليست مكسر عصا!
التالي
هجوم عنيف من زعيتر على صوان: بئس القضاء إذا كان فيه قاض مثلك!