«داء الدواء»..الدعم يُكلّف 5 ملايين دولار يومياً يستثني علاج الفقراء لا «الفياغرا»!

صيدلية
حين يقرأ اللبنانيون أن المسؤولين السياسيين خلال فترة الدعم على المواد الاساسية أي المحروقات والطحين والدواء (والتي شارفت على الانتهاء) قاموا بدعم دواء "الفياغرا" وصرفوا عليه مئات أو ملايين الدولارات من أجل إستمرار إستفادة التجار وشركات الادوية في الوقت الذي لا تجد الكثير من العائلات اللبنانية ما يسد جوعها، فهل يمكن أن يصدقوا أن هؤلاء المسؤولين السياسيين والنقابات وأصحاب الشركات سيعمدون إلى ترشيد دعم الدواء للحفاظ على الأمن الدوائي للمواطن الفقير.

التجارب “الدوائية” المريرة علمت اللبنانيين  أن ملف الدواء هو”مغارة علي بابا” التي يغرف منها المسؤولون السياسيون وأزلامهم ومحاسيبهم في وزارات الصحة وشركات الادوية والمستوردين منذ تسعينات القرن الماضي ولا تزال إلى الآن، ومن المرجح أن تبقى كذلك في المرحلة المقبلة ولو أن جميع المعنيين يعلنون اليوم أنه ينكبون على إيجاد الصيغة لإستمرار دعم الدواء في ظل الحديث عن ترشيد الدعم على المواد الاساسية. 

بلغة الارقام قد انفق مصرف لبنان حتى اليوم مليارا و41 مليون دولار لدعم الدواء ويدفع يوميا يدفع 5 ملايين دولار دعم للدواء، يذهب 96 في المئة من هذا الدعم الى شركات الجنريك التي يستورد من الخارج و “البراند” ، وهناك 4 في المئة فقط للمواد الاولية للصناعة الوطنية.

عراجي لـ”جنوبية”: نعمد لتقديم مشاريع قوانين لتلافي الفلتان

وفي لغة الارقام أيضا هناك 11 مصنعا للأدوية  في لبنان وتنتج فقط 7 في المئة من الاستهلاك المحلي او من حاجة السوق، و93 في المئة تأتي من الخارج، أي الإستيراد بمليار و900 مليون دولار أدوية سنويا، وتقدر الصناعة الوطنية 139 مليون دولار ، كما أن لبنان يستورد 80 بالمئة أدوية براند (أغلى سعرا) و 20 بالمئة أدوية جنريك (أقل سعرا ب30 بالمئة) وأن هناك 50 مستوردا يستوردون من 502 مصانع في 25 بلدا، وعدد الادوية الموجودة في لبنان 65000 دواء واحيانا نجد دواء واحدا براند يقابله زهاء 6 او 10 و 15 او 19 جنريكا له.

الاجتماعات مستمرة

 بعد كل ما تقدم ما الذي حصل إلى الآن على صعيد ترشيد دعم الدواء؟ الاجتماعات حول هذا الموضوع جارية على قدم وساق بين ممثلين وزارة الصحة ونقابتي الاطباء والصيادلة  ومستوردي الادوية ومصانع الادوية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي ومصرف لبنان والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لوضع لائحة بالادوية التي يحتاجها اللبنانيون وهم سيستمرون في هذه الاجتماعات خلال الايام المقبلة.

نقيب الصيادلة

وفي هذا الاطار يوضح نقيب الصيادلة غسان الامين لـ”جنوبية” أنه” إلى الآن لم يتم الاتفاق على لائحة معينة، الامر سيتم خلال 10 أيام ومصرف لبنان سيكون له رأي في اللائحة التي ستوضح وعلى الفقراء أن يطمئنوا بأن دوائهم سيكون مؤمنا وبالسعر المناسب”.

غسان الامين
غسان الامين

ويضيف: هناك لجان تجتمع في السرايا الحكومية وتضم كل الافرقاء المعنيين لوضع لائحة من الادوية تؤمن الامن الدوائي للبنانيين ويدعمها مصرف لبنان، وسيتم رفع الدعم عن الادوية غير الاساسية أو تلك التي يتواجد ما يضاهيها من الناحية العلمية ولكنها أقل سعرا وبالتالي لن يتم رفع الدعم عن أدوية ال”كرونيك” بل أدوية أخرى غير أساسية مثل الفياغرا والمنشطات الجنسية”.

دور لجنة الصحة 

أين دور لجنة الصحة النيابية في هذا الموضوع؟ يجيب رئيس اللجنة الدكتور عاصم عراجي “جنوبية”، بالقول:” خلال إجتماعنا الاخير كلجنة مع القطاعات والنقابات المعنية بملف الدواء، تبين لنا ان معظم المشاركين من نقابات وممثلين للوزارات يشاركون في لجنة تسعيرة الدواء او ترشيده في السرايا مع اللجنة، وللاسف اقول منذ بدء اجتماعاتهم منذ شهرين لم اشعر وزملائي في اللجنة بان هناك اتفاقا مع بعضهم او انهم توصلوا الى حل، وهناك تخبط في ما بينهم، ربما هناك مصالح بين النقابات التي تستورد والمستودعات والمصانع. والواضح ان كل جهة لها اجندة خاصة بها. وقد تعودنا التحدث دائما بحساب الربح والخسارة”.

 سكرية لـ”جنوبية”: ترشيد الدعم لم يتحقق  تاريخيا بسبب التدخلات 

ويضيف: “بعد النقاشات الطويلة، فان ما طرحه مستشار وزير الصحة طرح عملي، وهو قال ان في الامكان تقسيم الدواء اي الادوية غير المستعملة بكثرة ويمكن رفع الدعم عنها او تخفيفه، وهي تمثل 35 في المئة من الادوية، والامر يتعلق ايضا بالامراض التي لا تتجاوز مدتها من 4 الى 5 ايام، وهناك الادوية المزمنة كأدوية الضغط والسكري والجهاز العصبي والجهاز الهضمي، وهي تمثل 25 في المئة من الادوية التي تدخل لبنان، وهذه لا يمكن رفع الدعم عنها، واصرت لجنة الصحة ان تبقى اسعارها على سعر 1515، وهناك الامراض المستعصية والسرطانية التي تمثل 35 في المئة وهذه ايضا لا يمكن ان نقترب منها نهائيا.

اما سبل تخفيف الفاتورة، فان وزارة الصحة تستورد احيانا، وتمنينا على الشركات الاجنبية مساعدتنا حتى نتخطى هذه المرحلة لان المصانع الوطنية لا تنتج هذه الادوية”.

عاصم عراجي
عاصم عراجي

ويشدد عراجي أن “لجنة الصحة النيابية ستعمد إلى تقديم مشاريع قوانين معجلة مكررة لتلافي الفلتان في هذا القطاع وللضغط على النقابات فيه لأن سلطتنا هي رقابية وتشريعية و ليس تنفيذية وهدفنا إجبارهم على اتخاذ خطوات معينة، لأنه وبالرغم من كل خطوات الدعم التي حصلت خلال الاشهر الماضية إلا أن اللبنانيين كانوا يعانون من إنقطاع الادوية ولذلك هناك علامات استفهام كبيرة ترتسم، وأولها من يقوم بعمليات التهريب وهناك قرارات عليهم إتخاذها”.

إقرأ أيضاً: المدارس «ضيعة ضايعة»..«الكورونا» يتفشى والوزارات «تدبك» على «المجوز و المفرد»!

ويوضح أن “المشكلة أن جميع القطاعات لا تريد التخلي عن قسم من أرباحها، كلجنة صحة يهمنا أن يتمكن المريض من الحصول على دوائه بشكل فعال وبسعر معقول، ولسوء الحظ أن سوق الادوية في لبنان 80 بالمئة منه “براند” و2 بالمئة “جنريك” علما أنه في كل دول العالم يحصل العكس ومنها الولايات المتحدة الاميركية مثلا، والبراند يعني أن أي دواء بعد مرور 15 عاما على وضعه في السوق يحق لأي مصنع أدوية أخذ الاذن وتصنيعه وفقا لنفس المادة العلمية ولكن بأسماء تجارية مختلفة، و لهذا يمكن أن نجد دواءا من نفس التركيبة العلمية ولكن بحوالي 15 أسما، ولذلك كل شركة أدوية تُدخل إلى السوق التركيبة الطبية نفسها بأسماء متعددة بهدف زيادة البيع والربح مما يعني أن هناك فوضى عارمة في السوق اللبناني”.

الامين لـ”جنوبية”: اللائحة المدعومة خلال 10 أيام   

ويختم:” نريد كلجنة صحة إعتماد أدوية الجنريك الجيد والمعتمد ةعالميا  والارخص من أدوية البراند ب30 بالمئة، وسنضغط في هذا الموضوع للآخر لأنه يهمنا أمرين، الاول هو حصول المريض على دواء رخيص وفعال وموافق عليه من مراجع علمية عالمية”.

“مش فارقة معهم” 

مقابل كل هذه الوعود هناك خبراء ومتابعون يشككون في تحوّل إي منها إلى واقع، و من بينهم رئيس لجنة الصحة النيابية السابق الدكتور إسماعيل سكرية الذي يقول لـ”جنوبية”: “ترشيد الدعم هو وضع لائحة أساسية للأدوية التي تعالج الامراض المزمنة، وهذا الامر لم يتحقق منذ العام 1992، حيث إجتمع وزير الصحة آنذاك مع نقيب مستوردي الادوية ونقابة الصيادلة ومنظمة الصحة العالمية للإتفاق عليها ولكنهم لم يفلحوا، وتكرر هذا الامر في العام 1996 و 2000 و 2004 وحاول الضمان الاجتماعي وضع لائحة خاصة بالادوية التي يغطيها عندها بدأت التدخلات السياسية والطائفية والمالية وبعد أن كانت اللائحة تضم  800 دواء وصلت إلى  أن وصلت إلى أكثر من 5000 دواء اليوم، فهل يمكن أن نصدق أنه “فارقة معن اليوم؟ أنا لا أصدق”.

أدوية جنريك و براند

 كثيرا ما يتردد عن أدوية الجنريك وأدوية البراند فما الفرق بينهما ؟  دواء الجنريك، هو الدواء الذي يحق للشركات تصنيعه بعد انتهاء مدة حق الملكية الفكرية وبراءة الإختراع. دواء الجنريك ذو فعالية جيدة، لا تقل عن فعالية الدواء حامل الماركة (Brand)، ولكن سعره يجب أن يكون أقل ب25 في المئة.

ومن حين لآخر، تسمح الشركات الكبرى، للدول مثل لبنان وسوريا والأردن…، بتصنيع الأدوية التي تنخفض نسبة مبيعاتها تحت إسم الجنريك «Under License».

 اسماعيل سكرية
اسماعيل سكرية
السابق
الجائحة تتمدد بوتيرة متصاعدة..75 إصابة مقيمة و10 إغترابية ووفاة واحدة!
التالي
متفرقات أمنية..تحرير مخطوفَين وتوقيف خاطفَين وسارق ومروج مخدرات!