حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لا يُحْكَمُ لبنانَ بـ«جثتين»!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تتوالى على لبنان الكوارث، الواحدة تلو الاخرى، اقتصاديا : يعيش اكثر من ٤٠ % من اللبنانيين تحت خط الفقر، وتندر وتتقلص فرص العمل وتتفاقم ارقام البطالة فتتخطى في فئة الشباب نسبة ال ٥٠ %، وتنهار شركات الاعمال، فيما يتوسع شلل قطاعات اقتصادية انتاجية وخدماتية مختلفة، ماليا ينخفض سعر صرف العملة الوطنية، وتتعمق انعكاسات ذلك، خالقة أزمة حياتية تربوية وصحية مدمرة تدفع بعض اللبنانيين إلى الانتحار وبعضهم إلى الهجرة ومعظمهم إلى الجوع والموت البطيء.

تتدنى القدرة الشرائية لعموم اللبنانيين بنسبة تفوق ٨٠%، وتُحتجز ودائع الميسورين في المصارف، فيما تُحوٌل أرصدة السياسيين وكبار المصرفيين الى الخارج وتُودَع في حسابات تتخفى في بنوك مشبوهة.
معيشيا ؛ تتردى خدمات المرافق العامة بكافة أنواعها : إتصالات، كهرباء، إستشفاء وطبابة، غذاء ودواء ومحروقات ووقود إلخ… فيما تتمادى أعمال تهريب المواد المدعوم إستيرادها من مصرف لبنان، ويستنزف مهربو السلطة المافياوية ما تبقى من رصيد في إحتياط لبنان من العملات الاجنبية.

اقرأ أيضاً: حارث سليمان لـ«جنوبية»: قيم جديدة رسّختها ثورة 17 تشرين.. ماذا عن الأخطاء؟


تفشل المنظومة الحاكمة، أو لا ترغب في تسيير أمور البلاد والعباد، من فضيحة تخزين الطحين العراقي في المدينة الرياضية، والعجز عن مراقبة غلاء أسعار المواد الاستهلاكية، واتخاذ موقف المتفرج أمام انهيار التعليم الرسمي بكل أشكاله؛ مهنياً كان أو أكاديمياً، وبكل مستوياته، أساسياً، ثانويا، كان أو جامعياً، الى غياب تطبيق سياسة صحية فعالة، واجراءات صائبة، لمواجهة جائحة كورونا والحد من تداعياتها، وصولا الى الانكفاء عن تطبيق القوانين المرعية الإجراء، وهي القوانين كافة من قانون السير الى قانون الشراء العام والاثراء الغير المشروع والتربح من السلطة وما بينهم من قوانين أخرى، الى عدم انجاز نتائج فعلية في كشف حقائق جريمة انفجار المرفأ ومخزن عين قانا، وتحديد المسؤولين عنها.

حياة لبنان ومستقبله مرهونان بعلاقة ايران بالغرب

تنهار الطبقة الوسطى اللبنانية، التي شكل توسعها ودوامها، سر نجاح التجربة اللبنانية بكل ابعادها ؛ الثقافية والعلمية والإعلامية والاقتصادية والفنية والحضارية، والتي لعبت دور قاطرة الشرق في التنمية والثقافة والتمدن والحداثة، وتستمر بهدوء واصرار وحشي جريمة القضاء على هذه الطبقة، وسحقها مادياً ومعنوياً لإذلِالها وقمعها وكبتها وترويضها وتركيعها، مع ما سيؤدي بذلك، إلى إزالة وتدمير المحور الأساسي للحياة الثقافية والديموقراطية اللبنانية التي جعلت لبنان منبر حرية وحوار وباحة ثقافة في الشرق العربي ومنهلا للانفتاح والحداثة.


يحدث كل ذلك، فيما تتخلى اطراف الممانعة عن كل مخزونها الثقافي والاعلامي وترسانتها الفقهية والايديولوجية، حول العداء لإسرائيل فتذهب الى التفاوض مع عدو وصفته خلال خمسون عاما بـ “شر مطلق” والى ترسيم حدود < دولة> طالما وصفتها قولا على انها “غدة سرطانية وجب استئصالها “.

وتترافق هذه المحنة الشاملة مع اصرار فظ لصاحب القرار في المنظومة السياسية في لبنان وهو حزب الله في رفض وتعطيل أية مبادرة خارجية، سواء استهدفت هذه المبادرة، ايجاد كوة لحل الازمة السياسية بتشكيل “حكومة مهمة” برئاسة مصطفى اديب، كما حاولت مبادرة الرئيس ماكرون أن تفعل، او تسهيل مجريات التحقيق في جريمة المرفأ والمساعدة بتخفيف آثارها، عبر اتاحة الفرصة لتحقيق دولي شفاف ونزيه، أو تشكيل حكومة كفاءات برئاسة سعد الحريري، تنبثق من رضى الأطراف السياسية، دون أن تكون من محازبيها، وتمهد لعقد مؤتمر لإغاثة اللبنانيين المتضررين من انفجار المرفأ ومن تفاقم الازمة الاقتصادية والمالية القاسية.

الحفاظ على السلاح مقابل الحفاظ على الفساد


فيما تستمر حكومة ” أقنعة أحزاب الممانعة”، برئاسة د. حسان دياب، في منع أي إجراء يفتح الطريق مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية المانحة الى اصلاح اقتصادي ومالي ويضع لبنان على سكة استعادة نهوضه الاقتصادي وتعافيه المالي ويعيد لأهله أمل العيش الكريم ولأجياله الشابة أمل المستقبل الواعد.


حين حددت ثورة ١٧ تشرين، واجمعت ساحاتها على أن ” الفساد هو جريمة موصوفة ومدانة في حق الوطن والمواطنين كافة، وطالبت بمعاقبة مرتكبيها، كأولوية وطنية”، فإنها فتحت بذلك، ولعله دون وعي أو عن غير قصد منها، مسارا رحبا لاكتشاف وفضح وتفكيك منظومة سلطة الفشل والفساد والارتهان للخارج، لأنها كشفت الى العلانية والواجهة معادلة ” الحفاظ على السلاح مقابل الحفاظ على الفساد” على المستوى اللبناني، كما كشفت في مرحلة لاحقة، انفتاح هذه المعادلة على معادلة اقليمية تفرط بالسيادة اللبنانية وبقواعد العيش المشترك فيه، وتذهب الى ~انضواء لبنان في حلف اقليمي بقيادة طهران~، جوهره ولاية الفقيه على مستوى المذهب الشيعي ورداؤه ” حلف الاقليات على مستوى المجال المشرقي.

تستمر حكومة ” أقنعة أحزاب الممانعة” في منع أي إجراء يفتح الطريق مع المجتمع الدولي


لقد انجزت ثورة ١٧ تشرين انجازات كثيرة ومهمة وخطيرة، لكن يبقى أن اهم انجازاتها هي فضح موقع حزب الله في السلطة ومدى هيمنته على قراراتها، فبعد ان حاول الحزب الادعاء لسنوات طويلة، انه طرف هامشي فيها، لا يتعدى حضوره المشاركة الرمزية فيها، من اجل الحفاظ على المقاومة، أظهرت الوقائع والاحداث أنه يتولى ادارة السلطة والتحكم بقراراتها ومفاصلها الأمنية والقضائية، ويقوم بحمايتها وترسيم خياراتها، ويحدد أحجام الأطراف المشاركة بها، ويوازن بين حصصهم وعائدات الفساد التي يتقاسمها معهم.

في قلب هذه المعادلة الداخلية والاقليمية، يغدو لبنان رهينة مخطوفة في يد سلطة تقودها منظومة الفساد والسلاح فيه، وتصبح فدية اطلاق سراحه، وحل أزمة أهله وناسه، وإعادة تشكيل سلطة تلملم جراحاته، وتعنى بإغاثة ضحاياه، وبإدارة مرافق الحياة فيه، وتتولى انعاش اقتصاده وقطاعاته الانتاجية، تصبح اعادة تشكيل سلطته، فدية مطلوب تسديدها من العرب والغرب الى قيادة الخاطفين في طهران، وتصبح حياة لبنان ومستقبله مرهونان بعلاقة ايران بالغرب فرنسيا كان أم امريكي، ويصبح الفساد الذي يحمي السلاح ويحتمي به مجالا متاحا للكر والفر في جولات حروب متكررة.

سيستمر لبنان مخطوفا كرهينة تتحكم بسلطته، لإدارة عجزه، دون أن تحكمه.. جثتان


على هذه القاعدة وطبيعة المواجهة تصبح مواجهة الفساد في لبنان، شأنا لبنانيا كما هو شان عربي وكما هو شان دولي وغربي ، ليس لأنه جريمة تستوجب الادانة والعقاب قانونيا واخلاقيا فحسب، بل ولان الفساد سلاح يتم استعماله لترهيب شعب لبنان واخضاعه لسلطة الارتهان لمنظومة طهران وحلف الاقليات من يارافان الى الناقورة، والوزير جبران باسيل ليس الا جثة سياسية جديدة في حرب قائمة، لن تنتهي برحيل ترامب من رئاسة اميركا، بل ستستمر مشتعلة رغم عجز الرئيس عون وعدم قدرته الذهنية والصحية على القيام بمسؤولياته الدستورية كما يروي ديبلوماسيون اوروبيون، وسيستمر لبنان مخطوفا كرهينة، تتحكم بسلطته، لإدارة عجزه، دون أن تحكمه.. جثتان!

السابق
لم يحتمل انتقاداتها.. باسيل يحظر ميا خليفة على «إنستغرام»!
التالي
«ألِّفوا الحكومة أو تخسروا مؤتمر الدعم».. هل تفرض فرنسا عقوبات على معرقلي التشكيل؟