«شيطان» الإقتصاد يكمن في تفاصيل المبادرة الفرنسية.. كيف يتعامل معها حزب الله؟

يفسر متابعون عدم تسمية كتلة الوفاء للمقاومة للرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة الجديدة بأنه مساندة لحليفهم التيار الوطني الحر، فيما يرجعه آخرون إلى عدم إتفاق حزب الله مع الحريري حول الطريقة التي سيتم بها تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية في المبادرة الفرنسية.

قد يكون سبب عدم التسمية الامرين معا، علما أن مفاعيل السبب الثاني ستكون أكبر ليس فقط على رحلة تأليف الحكومة بل على 4 مليون لبناني على الاقل يعانون من إختناق معيشي وإقتصادي غير مسبوق، في الوقت الذي لا يزال مسؤولو الحزب والخبراء الاقتصاديون الذين يدورون في فلكه السياسي يتمسكون بنظرية مفادها أن إنقاذ لبنان من أزمته المالية والاقتصادية ممكن “ذاتيا” من دون اللجوء إلى شروط وإصلاحات صندوق النقد الدولي التي ستكون مفاعيلها قاسية جدا على اللبنانيين على حد تعبيرهم. 

يمكن إختصار موقف الحزب من الشق الاقتصادي للمبادرة الفرنسية بما قاله الأمين العام حزب السيد حسن نصرالله في إطلالته التي خصصت للرد على “شتائم” الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للطبقة السياسية عموما و”الثنائي الشيعي” خصوصاً بعد إعتذار السفير مصطفى أديب عن تأليف الحكومة، بأن الحزب “ليس موافقاً على فرض ضرائب جديدة، وينتظر ما ستؤول إليه جولات المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ليبني على الشيء مقتضاه”، بمعنى أن  “الحزب لا يوافق على الشروط التي يقبلها سواه بلا مناقشة”.

نقاط خلافية 

 ما تجدر الاشارة إليه إلى أن الورقة الفرنسية تضم العديد من النقاط الخلافية التي لا تريد القوى السياسية وعلى رأسها حزب الله تنفيذها وهي تعيينات الهيئات الناظمة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني وهيئة مكافحة الفساد ،إعادة هيكلة القطاع العام وإنهاء خدمات فوائض موظفين لم يعد باستطاعة المالية العامة تحمل رواتبهم وامتيازاتهم، الوصول في التدقيق الجنائي إلى تحديد المسؤوليات بوضوح في مصرف لبنان وإعادة هيكلة القطاع المصرفي والتطبيق الفوري للاصلاحات الجمركية وفرض بوابات رقابة على مرفأي بيروت وطرابلس، ونقاط العبور الأخرى المشرعة للتهريب وتعجيل اطلاق عمل المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص وإقرار قانون “الكابيتال كونترول”، ورفع تعرفة الكهرباء والاتصالات تدريجياً وإصلاح قطاع الكهرباء وتحويل معامله إلى معامل تعمل على الغاز وإستبعاد للبواخر ولمعمل سلعاتا وتثبيت الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإقرار قانون إستقلالية القضاء اللبناني.

إقرأ أيضاً: لليوم الثالث سعر صرف الدولار يتراجع..إنتبهوا من الأوراق المزورة !

تقليص نفوذ

 كل هذه النقاط سيؤدي تنفيذها إلى تقليص لنفوذ القوى السياسية ومنها حزب الله على مرافق الدولة، لأن تنفيذ هذه الاصلاحات على يد أخصائيين سيكشف فساد أداء هذه القوى على مدى السنوات الماضية ناهيك عن قطع مورد رزقهم القائم على السمسرات والتهريب، لذلك من المجدي إلقاء الضوء (في ظل الاتصالات الجارية لتأليف حكومة جديدة) على البدائل التي يرى حزب الله أنها يمكن أن تخرج لبنان من أزمته الخانقة من دون التعاون مع صندوق النقد، وفي هذا الاطار يشرح الخبير الاقتصادي عماد عكوش وجهة نظر حزب الله في هذا الشق بالقول لـ”جنوبية”:”إستندت المبادرة الفرنسية في خطتها لإنقاذ لبنان إقتصاديا على أمرين الاول هي خطط صندوق النقد الدولي والثاني مؤتمر سيدر ومقرراته، ومن ناحية المبدأ عبّر حزب الله عن موافقته على المشاريع التي تضمنها مؤتمر سيدر بعد دراسة جدواها وإنعكاساتها على الواقع اللبناني وهذا الامر ينطبق أيضا على نظرته إلى خطط صندوق النقد الدولي التي يفرض شروط قاسية منها تحرير سعر الصرف”، لافتا إلى أن “الحزب لا يؤيد تحرير سعر الصرف بشكل كلي ولا رفع الدعم عن السلع الاساسية أوإضافة ضرائب جديدة ورفع بعض الضرائب الموجودة  خاصة  الضريبة على القيمة المضافة”. 

عكوش لـ”جنوبية”:FRESH MONY ينعش الاقتصاد.. و لا حاجة  للقروض

 ويشدد على أن “ما قاله حزب الله في هذا الاطار هو التالي الاستعداد لمناقشة هذه الخطط ولكنه يوافق على الشروط الاصلاحية التي تتضمنها الخطط  منها الكهرباء وتعيين الهيئات الناظمة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني وقد سبق له أن دعا إلى تنفيذ هذه الاصلاحات ولكن غياب التوافق السياسي حولها  منع تنفيذها”.

البدائل عن صندوق النقد

في المقابل يعتبر عكوش أن البدائل عن خطط صندوق النقد تكمن في خطوات عدة منها “إعادة تشكيل الاقتصاد اللبناني ففي ظل الازمة الاقتصادية والنقدية التي نعيشها وخسارة العملة اللبنانية نحو80 بالمئة من قيمتها الشرائية فإن إعادة تشكيل الاقتصاد اللبناني بشكل صحيح  ومعالجة مشكلة المصارف يمكّننا من تحقيق فائض بالموازنة”.

ويعطي مثلا على ذلك بالقول:” TVAكانت تدر على الخزينة اللبنانية قبل الازمة  نحو 3200 مليار ليرة لبنانية بسعر 1500 للدولار الواحد  واليوم سعر الدولار  في السوق الموازي نحو 7ألاف ليرة وقبل الازمة لم نكن نستطيع تحصيل TVA على دولار 1500 فهل يمكننا تحصيلها على سعر منصة المصرف المركزي  مثلا؟ وهذا ينطبق على الارباح أيضا في ظل الانكماش في المداخيل وكلفة الدولة على الرواتب في القطاع العام والتي تشكل نحو 65 بالمئة من الواردات”.

عماد عاكوش
عماد عاكوش

يضيف:”اليوم في ظل إنخفاض القيمة الفعلية للرواتب، فهذا يعني إنخفاض قيمتها في واردات الدولة بنحو 25 بالمئة وإذا تم معالجة الوضع النقدي والمصرفي وتمت إعادة تسعير دولار TVA ودولار الجمارك على سعر السوق وعلى سعر المنصة  ستزيد قيمة TVA والتي يمكن تحصيلها من أكثر من مورد منها مرفأ ومطار بيروت والمؤسسات السياحية”، مشيرا إلى أن “المدخول زاد بالليرة وليس بالدولار وهذا يعني ان TVA ستزيد وواردات الدولة ستزيد أيضا  وهنا يمكن ان نعوض عن فرق نسبة  TVA التي من المطلوب رفعها إلى 15 بالمئة بدل 11 (حاليا)”.

ويشرح “هنا نكون رفعنا TVA ككمية وليس كنسب وعند تحصيلها بزيادة  بين 200 و300 بالمئة  فهذا يعني  زيادة واردات الدولة سواء من ناحية TVA أو الرسوم الجمركية او ضريبة الدخل وأيضا من ناحية رسم الطابع المالي”، لافتا إلى أن “أكثرية عقود البيع الممسوحة يتم تحريرها بالدولار واليوم يتم تسجيلها وفقا لسعر 1500 دولار ولنتصور كم سيزيد مردود الرسوم العقارية والطابع المالي إذا ما تم إحتسابها وفقا لسعر المنصة”.

يرى عكوش أنه “إذا لم تتم معالجة الأزمة المصرفية لا الصندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي ولا أي مؤتمر يمكن يعالج أزمة لبنان، لأن الهدف الاساسي اليوم هو جذب إستثمارات وأموال جديدة لزيادة إحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة لوقف النزيف”، معتبرا أنه   “مهما كانت التغطية الخارجية فهي غير نافعة إذا لم تقم الدولة اللبنانية بالمبادرة عبر إصدار تشريعات جديدة تحمي المودع وتعطيه الثقة بإعادة أمواله إلى مصارف وتشريعات أخرى تضمن فيها الدولة الودائع الجديدة، وهذا الامر يتم بالتكافل بين الدولة ومصرف لبنان  والمصارف التجارية بحسب نوع العملة التي وضعت فيها (دولار او ليرة) اما FRESH MONY  فيمكن تأمينه من الداخل اللبناني (10يوجد  مليار دولار في المنازل و25 ألف مليار ليرة لبنانية بحسب موازنة مصرف لبنان) وهذا يمكن تحريك الاقتصاد الوطني وبالتالي المعالجة يمكن ان تكون محلية و لسنا بحاجة الى عملة نقدية ولا قروض”.

 يضع عكوش إصلاح القطاع العام في آخر الخطوات التي يمكن اللجوء إليها أثناء معالجة الازمة الحالية، معتبرا أنه “في ظل ازمة الدولار لم تعد معاشات القطاع العام تشكل عبئا في الموازنة بل لدينا ازمة فقدان الدولار وأزمة القطاع المصرفي لزيادة الواردات  ومن الافضل  أن يتم تأجيل هذا البند والتوجه نحو دعم العائلات في كل القطاعات سواء العام والخاص مما يساهم في رفع القدرة الشرائية لكل اللبنانيين لأن معالجة القطاع العام يحتاج بعض التمهل لإعادة الحيوية للإقتصاد اللبناني  وزيادة الناتج القومي”. 

لا بديل عن الصندوق

يرد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان على مقولة أنه يمكن معالجة والخروج من الازمة الاقتصادية التي يتخبط فيها لبنان من دون اللجوء إلى مساعدة صندوق النقد الدولي بالقول:”من دون شعبوية لا مفر للبنان إلا اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لأن ختمه هو الطريق المعبدة لحصول لبنان على دعم و قروض ميسرة وأموال من الدول والصناديق المانحة”، مشددا على أن “هذا شرط دولي والجميع يعرف أنه من دون سيولة بالعملة الصعبة في السوق اللبناني من  الصعب جدا أن ينقذ لبنان نفسه منفردا ولا يملك بديلا سوى طرق باب صندوق النقد  في  الوقت الحاضر”.

يضيف:”الدليل على ذلك هو تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الطريقة الوحيدة لحصول لبنان على أموال و مشاريع مؤتمر سيدر هو عبر صندوق النقد الدولي، إذا  هذا الامر شرط اساسي وممر مهم جدا للحصول على الاموال ومن ثم فتح باب التفاوض مع الدائنين لأن لبنان تخلف عن سداد دينه باليوروبوند”، مشددا على أن “تعاون لبنان مع صندوق النقد يعطيه مصداقية لدى الدائنين أثناء التفاوض ويشعرهم بنوع من الطمأنينة كي لا يحصل دعاوى قضائية بحق لبنان في المحافل الدولية نتيجة التخلف عن السداد الذي حصل”. 

أبو سليمان لـ”جنوبية”: من دون سيولة بالعملة الصعبة لا ينقذ لبنان نفسه 

 ويختم:”الاصلاحات ضرورية ومنها إعادة هيكلة القطاع العام وتعيين الهيئات الناظمة وإصلاح القطاع الكهرباء ورفع الدعم عن المحروقات وتوحيد سعر الصرف وتوزيع الخسائر بطريقة عادلة هي إصلاحات بنيوية وهي مطلب أساسي لصندوق النقد ولجميع اللبنانيين كي يتمكنوا  من وضع لبنان على السكة الصحيحة ماليا وإقتصاديا”.

وليد ابو سليمان
وليد ابو سليمان
السابق
فاجعة في صور.. إبن السنتين قضى بعد سقوطه من حضن جدّه!
التالي
لقاء «عون – الحريري».. ما جديد الملف الحكومي؟