الفساد والتبعية «ملحمة» لبنانية من الكنعانية إلى «الخمينية»!

لبنان ينتفض

منذ الإنسان “الننتدرتالي”، اي منذ عشرة الاف سنة قبل الميلاد، والجغرافيا اللبنانية لم تستقر على حكم واحد سيد حر و مستقل. لقد حملت الرياح معها إليه الكثير من الحضارات والثقافات التي جعلت منه مرتعاً ومقراً لها ولكثير من الأنظمة التي وطأة أقدامها أراضيه، غزو ما خلف الحدود وما وراء البحار هذا أخضع لبنان لموجات من السيطرة الخارجية ولأمزجة بعض الشعوب والدول.

اقرأ أيضاً: رحلة الفساد من بيروت إلى طرابلس!

مراكمة التفكير

الكنعانيون مثلاً ومنهم الفينيقيون كانوا من أوائل من عرفنا عن قدومهم إليه قبل ثلاثة ألاف سنة من الميلاد، بعدهم أي في العام الف واربعمائة وست وخمسون قبل الميلاد حضر الفراعنة ومثلهم فعل الآشوريين في العام 975 ق.م، ليلحق بهم الأغريق والرومان، ومن ثم الأمويين في العام الميلادي 635، تبعهم العباسيين ب مئة وخمسة عشر عاماً.

الصليبون بدورهم دخلوه في سنة 1096 م، المماليك أيضاً فعلوا ذلك سنة الف ومئتان وواحد وتسعون، ومنهم الى الحقبة العثمانية الطويلة الأمد التي مارست سطوتها عليه منذ العام  1516م، وصولاً الى المعنيين وامراءهم والشهابيين وبروتوكول 1861 وحكم المتصرفية، بعدها مباشرة إلى الوصاية الفرنسية مع إنتهاء الحرب العالمية، لتبدأ لاحقاً حقبة جديدة عنونت بإستقلال ال 45، نغصتها الحرب الأهلية في الخمسة وسبعين، تبعها إحتلال صهيوني لجنوبه أتى إليه من فلسطين الجارة المحتلة في العام ثماني وسبعون، إعتداء السلام لأجل الجليل دنس العاصمة بيروت في العام 82، ثم مجدداً الى الوصاية بعد الإنسحاب الإسرائيلي في العام 2000 م، لكن هذه المرة بنكهة عربية سورية وبتواطىء أممي في العام واحد وتسعون، إلى زلزال 2005 وعملية إغتيال  الرئيس رفيق الحريري، الذي إنسحبت بتداعياتها الوصاية الأخيرة العسكرية، لتبدأ أخرى مبطنة أو مختلفة عنها بالوكالة إضطلعت بها قوة داخلية تابعة لحلفاء إقليميين، أرتأت كما جمعيها ممن ذكرنا على أنهم متدخلين، أن يكون لبنان بمعية أبنائه وبتعاون بعض كثير فاسد منهم ساحة مستباحة لتنفيذ مخططات واستراتيجيات خارجية تخضعه وتضمه كما في كل مرة إلى خارطة أطماعها متجاهلة مصالحه ومصالح من آمن به واستقر فيه من مواطنين.

حرب إلغاء الآخر والتناحر معه التي يضطلع بها بعض في داخل مع المختلفين معهم حول قضايا خارجية غريبة عنهم وعن وطنهم بالتحديد يجب أن تتوقف

لا يمكن لعاقل أن لا يعتبر بعدما سردنا من وقائع تاريخية، أن ما نحن أمامه من (إنهيار) مزمن دائم ومستمر للكيان سببه فجور الحكام واستطيابهم بالتكافل والتضامن مع ثلة من التابعين القاصرين الفاسدين لفكرة الأنا الذاتية التقوقعية التي تطغى على ال نحن العامة المنفتحة على الآخر الموضوعية. الحل لما نعاني منه عالق من دون أدنى شك في أذهننا التي وعلى ما يبدو لم ولن تفرج عنه في وقت قريب، وعليه فإن خلاصنا للأسف مؤجل ولا يمكن له أن يتحقق من خلال تكرار تجارب التاريخ ومراكمة التفكير السائد القديم بحجة الخوف من الآخر المتشارك معه في ذات المصير.

التجربة الداخلية

التجربة الداخلية لم تكن هي الأخرى أفضل حالاً من التأثيرات الخارجية التاريخية، السياسية المارونية ونزاعها مع الوجود الدرزي في جبل لبنان حينها لم تصل إلى مرحلة الإطباق على الحكم وعزله عن محيطه وعن قضاياه العربية تلك التي تبنتها لاحقاً السنية السياسية ومعها مجموعة من  حلفائها العروبين والإسلاميين وقوتها حينها ونشطتها قضية فلسطين والعدوان على لبنان وأراضي اللبنانيين، لتسقط لاحقاً تلك السياسة في بئر نفط الملوك والأمراء وفي قبضة ذوي البدلات المرقطة والكاكية وتصطف في طوابير الموجهة المستعرة حينها بين السوفياتات الروسية و ولايات الأمريكيين، لننتقل بعد ذلك إلى الشيعية السياسية التي قدر لها وبدعم من جمهورية الخميني الثورية أن تأخذ دورها وتخوض تجربتها الإنشطارية الإنشقاقية عبر تعظيم حصتها في هرمية الحكم وبنية البلد الصغير.

اقرأ أيضاً: .. وما زال النهب مستمراً!

الفساد والتبعية

الفساد والتبعية حتماً قطعة منه، جزء لا يتجزأ من تاريخ لبنان واللبنانيين بالغصب وبالفرض أو بالرضى والتسليم يدفعون كما دوماً بأنفسهم نحو الهاوية والهلاك المبين، هم لم يقتنعوا بعد بأن بلدهم نهائي لهم وجب أن يصان بالاستقلال، وبأن عيشهم مع بعضهم مشترك، ولم يدركوا بعد أو هم تجاهلوا معنى الوطنية التي هي معيار الإنتماء الوحيد، لم يفطنوا بعد بأن القوة تكمن في إنفتاحهم على الآخر لأجل مصالحهم، طبعاً مع أستثناء لمن أجمعوا على إعتبارهم أعداء لوطنهم أزليين من هذا الإنفتاح، ثقافتهم المتأثرة بالعرب والغرب والترك والفرس وجب أن لا تكون كالمجاعة الفكرية التي تفقدهم القدرة على التركيز، حرب إلغاء الآخر والتناحر معه التي يضطلع بها بعض في داخل مع المختلفين معهم حول قضايا خارجية غريبة عنهم وعن وطنهم بالتحديد يجب أن تتوقف، لأن أي منهم مهما علا شأنه وعظمة قوته لن يكون بمأمن لأجله حارب وقاتل وتموه وحتى استشهد لأنهم يقيناً ومن خلال الماضي المعلوم والتحولات والتبدلات المعروفة لسياسات خبا سطوعها في البيئة اللبنانية سابقاً، لن يقبلوا بهم لأنهم عليهم طارئين وعنهم غريبين، ومهمتهم ستقتصر في أحسن الأحوال وأفضلها على انتظار صفارة إطلاق للإنتقال إلى لا إنضباط آخر جديد يبقي مصيرهم على المجهول مفتوح.

السابق
علي الأمين: سلاح «حزب الله» يمنع التغيير ويحمي الفساد
التالي
فرنجية على خُطى الحريري.. «بونجور» حكيم.. وزيارة الى بيت الوسط!