هكذا يستفيد الشعب لا الساسة من «صندوق النقد»!

صندوق النقد الدولي
نهب السياسيون اللبنانيون خزينة الدولة وأفلسوها، وأفقروا عباد الله، ويريدون الآن الإستدانة من صندوق النقد الدولي، بما يراكم ديونا إضافية على لبنان، وعلى جري أهل السياسة في إدارتهم لمؤسسات الدولة وسوق اللبنانيين قطعانا وأغناماً، فإن الديون اللاحقة مثل الديون السابقة، سيتحمل اللبنانيون أعباءها وسيتكبدون دفع أصولها الجديدة وفوائدها الجديدة. جيوب الناهبين لن يطالها أحد، فما سُلب ونُهب، مضى وراح. اللبنانيون المستضعفون من قبل أهل السياسة، سيسددون الديون القديمة والمستجدة من مدخراتهم وأعمالهم وأمعائهم. لماذا هذا الكلام الصادم؟

نقرأ التالي  من مقدمة كتاب “صندوق النقد الدولي” لأرنست فوف  الصادرعن سلسلة “عالم المعرفة” الكويتية ـ نيسان/ ابريل  2016: إن القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي إلى الدول المتعثرة أو المفلسة، لا تحل أسباب الأزمات ولا انعكاساتها على اقتصاديات هذه الدول، ولاتخفض المديونية الخارجية، ولا تحد من ارتفاع قيمة المديونية، ولا تمنع ارتفاع معدلات البطالة، ولا تحول دون  انهيار العملة المحلية، ولا تحقق نموا اقتصادياً، ولا تحسن مستويات المعيشة!

اقرأ أيضاً: إذا فَسُدَ «الملح».. بماذا «نكافح»؟!

دور الصندوق النقد الدولي

عظيم … لماذا القروض إذا وما دور صندوق النقد الدولي؟ بعبارة موجزة ومختصرة، دور صندوق النقد الدولي، يكمن في إقراض المال للدول المأزومة لتسديد ديونها  للجهات الأجنبية، فيصبح صندوق النقد هو الدائن، ويحل مكان الدائنين الأجانب، أي أنه ينقل الدين من مكان إلى آخر، فتضمن بذلك الجهات الخارجية استعادة ديونها، ويتحول صندوق النقد إلى دائن وضامن. ماذا تستفيد عامة الشعب؟ لاشيء. لماذا؟ لأن حجم المديونية لن يتغير، والمتغير الوحيد هو استبدال دائن بدائن، إنما مع شروط أكثر قسوة  يدفع الناس العاديون أثمانها وتكاليفها. هناك أربع مراحل أساسية مر بها صندوق النقد الدولي، الأولى والثالثة والرابعة، غير معنية عضويا بالتفاصيل اللبنانية المتوقعة، فيما المرحلة الثانية مرتبطة بمجمل عناصرها بالواقع اللبناني ومستقبل اللبنانيين، وهي المرحلة المسماة بمرحلة “دولة تشيلي  ـ أميركا اللاتينية” وشرعت أبوابها بعد إسقاط الرئيس التشيلي سلفادور الليندي في عام 1973 بانقلاب عسكري قاده الجنرال اوغست بيونشيه الموالي للولايات المتحدة الأميركية.

صبيان شيكاغو

ماذا جرى آنذاك؟ ما جرى أن انهيارا اقتصاديا اجتاح البلاد، فتدنت العملة وغلت الأسعار وارتفع التضخم وتوسعت البطالة، فاستعان النظام الجديد بمجموعة “صبيان شيكاغو” الذين درسوا في كلية شيكاغو الإقتصادية، فاتخذوا مجموعة إجراءات تقشفية لاقت تأييدا من صندوق النقد الدولي، ورافقها النظام الحاكم  بإجراءات تعسفية، لتستقر حزمة التقشف والتعسف على التالي: خفض الإنفاق الحكومي ـ خفض كتلة النقد المتداولة ـ تسريح أعداد كبيرة من الموظفين ـ اعتماد الخصخصة في قطاعي الصحة والتعليم ـ خفض أجور العاملين ـ زيادة الضرائب. كيف كانت ردة فعل المواطنين؟ جاءت ردة فعل المواطنين انتفاضات واحتجاجات ، واجهها نظام الحكم بعنف دموي مطلق، أدى إلى مقتل واختفاء مئات الآلاف من الأشخاص، بالإضافة إلى بروز تفاوت طبقي ـ اجتماعي ساحق، تمثل بحصول 10 في المائة من سكان البلاد على حوالي نصف الدخل القومي. من المهم الإعادة والإيجاز: إفقارتصنعه الطبقة السياسية يليه استجلاب صندوق النقد الدولي، تقشف يواكبه تعسف، حملات دموية تؤدي إلى احتكار طبقة الأغنياء لمعظم الثروة الوطنية. هل هذا ما ينتظر لبنان؟ أهمية السؤال السابق الذكر، أن “دروس تشيلي” أصبحت لاحقا، وصفة تقليدية لصندوق النقد الدولي، يشترطها ويفرضها على الدول التي تقترض منه، وبعد دولة تشيلي هذا “نموذج دولة المكسيك”.

ثمة سياسيون صالحون، ابتعدوا عن شرور صندوق النقد، من أولها إلى آخرها، ومن ألفها إلى يائها. ماذا عن لبنان؟ ماذا عن السياسيين اللبنانيين الصالحين؟

في عام 1979، فقدت العملة المكسيكية 67 في المائة من قيمتها، وسحب المستثمرون الأجانب (والمحليون) 55 مليار دولار (كما لبنان) من المصارف المكسيكية، وسجل الميزان التجاري عجزا كبيرا، وتمنعت المصارف الأجنبية عن إقراض المكسيك ( لبنان مرة ثانية ) فـ” توسط” صندوق النقد بين المكسيك والدائنين، فكان له ما أراد من شروط، أهمها: خفض كبير في الأجور ـ إلغاء أسعار دعم السلع الغذائية الأساسية. هل خرجت المكسيك من أزمتها؟ لم تخرج المكسيك من أزمتها طوال السنوات التي تلت “وساطة” صندوق النقد الدولي، بل إن التضخم تراوح بين 60 و90 في المائة، فانخفض إلى حد كبير مستوى عيش فئات عريضة من السكان، ودخلت فئات أخرى في دائرة الفقراء المعدمين الذين تقاسموا بشاعة العوز وذله.

“النموذج البرازيلي”، هو الآخر ضرب من ضروب الإستنجاد بصندوق النقد الدولي، ففي عام 1982، تمنعت البرازيل عن سداد ديونها، فتدخل صندوق النقد، وأجبر الحكومة البرازيلية على تبني إجرءات مالية تقشفية، تكاد تكون نسخة عن “الوصفة المكسيكية”، مضافا إليها المطالبة بإزالة الضرئب المفروضة على المستوردات من الخارج. إن “نماذج  الإنقاذ” المالية والإقتصادية عن طريق صندوق النقد الدولي، كما في الحالات الكارثية المذكورة قبل حين، غير قابلة للحصر، لا في أميركا اللاتينية ولا في دول أفريقيا وآسيا، وهي الدول التي تخضع لمجال عمل صندوق النقد الدولي في المقام الأول.

شرور صندوق النقد الدولي

وبناء عليه، لو يستفيد السياسيون اللبنانيون من هاتين العبرتين:

ـ الأولى من بريطانيا: في عام 1976، طلبت الحكومة البريطانية قرضا من صندوق النقد الدولي، بهدف الحفاظ على الإستقرار النقدي إثر تعرض الجنيه الإسترليني لإهتزازات وتأرجحات عنيفة، فاشترط الصندوق على حكومة حزب العمال الحاكمة حينذاك، تقليص برامج الرعاية الإجتماعية وخفض الإنفاق الحكومي وفرض سياسة ضريبية مشددة وإزلة الحواجزالجمركية عن الواردات إلى المملكة المتحدة. ماذا حصل؟ بريطانيا اعتبرت تلك الشروط، مسا  وتطاولا، على السيادة الوطنية، فكان ذلك درسا لكل الدول الصناعية  بالإمتناع  عن الإقتراض والإستدانة من صندوق النقد الدولي.

اقرأ أيضاً: من بيته من «النايلون» لا يراشق بـ«أكياس» الفساد!

ـ الثانية  من آسيا: إن الدول الآسيوية، مثل الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة، ومعها هونغ كونغ، تعاظمت وتعملقت وحققت إنجازات اقتصادية وتنموية تقارب الخيال، ولم تقترب مرة واحدة، من وصفات صندوق النقد الدولي ولم تخضع لمعاييره وإرشاداته وشروطه. في بريطانيا، ثمة سياسيون صالحون وجدوا في شروط صندوق النقد الدولي، مسا بالسيادة الوطنية، فعزفوا عن صندوق النقد وشروطه. وفي دول آسيوية عدة، ثمة سياسيون صالحون، ابتعدوا عن شرور صندوق النقد، من أولها إلى آخرها، ومن ألفها إلى يائها. ماذا عن لبنان؟ ماذا عن السياسيين اللبنانيين الصالحين؟ عشتم وعاش لبنان.

السابق
حالة من الهلع في لبنان.. بورصة اصابات «كورونا» ترتفع الى 870 والحكومة تعلن الاقفال التام!
التالي
«كورونا» يضرب لبنان من جديد.. ودياب: انجاز الحكومة مهدّد بالانهيار!