عندما تدار البلاد والعباد بعقلية «الكورونا»!

الحكومة اللبنانية

لم يعد ينقص حكومة حسان دياب إلا أن تخبرنا بأن فايروس كورونا هو أيضا من مخلفات السنين الماضية. هذه ليست نكتة ولا إتهام مبالغ فيه، بل هو نتيجة سلوك وممارسة هذه الحكومة في مواجهة هذا الفايروس الذي يجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه والذي جندت له دول العالم كبيرها وصغيرها أقصى ما تستطيع من إمكانيات على كل المستويات نظرا لخطورته وسرعة تمدده عبر العدوى. 

اقرأ أيضاً: «تجار الكورونا» يحتكرون «ضاحية المقاومة»!

في لبنان كانت الإجراءات بدائية وهو أمر قد يكون مفهوما في ظروف بلدنا الذي يمر بأصعب حالاته على كل المستويات، ولكن ما ليس مفهوما لا بل ومستفز أيضا هو هذا الإستهتار بأرواح اللبنانيين الذي بدأ مع إكتشاف أول حالة في 21 شباط الماضي في الطائرة القادمة من إيران وهي الدولة التي كان واضحا أنها باتت موبوءة بالفايروس، وبدلا من إتخاذ التدابير المطلوبة والسريعة من حجر على ركاب الطائرة ووقف الرحلات من وإلى إيران أو على الأقل تنظيمها وحصرها بعودة اللبنانيين فقط من هناك في ظل نقص الإمكانيات التي تتطلب مضاعفة الجهود الممكنة لتعويض هذا النقص، كان هناك شعار لا للهلع وأخذ الأمور بقدرية وخفة لا نظير لها وكذلك الأمر بالنسبة للرحلات القادمة من إيطاليا ثاني بلد بعد الصين من حيث عدد الإصابات. 

لم يعد ينقص حكومة حسان دياب إلا أن تخبرنا بأن فايروس كورونا هو أيضا من مخلفات السنين الماضية

انتشار الفيروس

بعد أن تفاقم الوضع وبدأت العدوى تنتشر والإصابات ترتفع، خرج علينا وزير الصحة ليعلن أننا دخلنا مرحلة إنتشار الفايروس وتخطينا مرحلة الإحتواء ومع ذلك لم تتخذ الحكومة أي إجراء ملموس في الوقت الذي كانت الدول الأخرى قد بدأت بإتخاذ كل الإجراءات لحماية مواطنيها عبر إغلاق حدودها ووقف رحلات الطيران بينها وبين الدول الأخرى حتى تلك التي لا تعتبر موبوءة بل بمجرد ظهور حالات كورونا بها مهما كانت قليلة، إلى أن بدأ الفايروس يفتك بالمصابين وسجلت أول حالة وفاة لمواطن قادم من مصر والذي مات ضحية هذه الخفة بالتعاطي على إعتبار أن مصر ليست من بين الدول المصنفة موبوءة دون الأخذ بعين الإعتبار بأن أنظمة كالنظام المصري لا يمكن الوثوق به في هذه الحالات وبما يعلنه عن مدى إنتشار الفايروس على أراضيه لغايات سياسية وغيرها، فكان أن إجتمعت الحكومة وخرج علينا الوزير الأول – بإعتبار ما يحدث منذ بداية هذا العهد بأن رئيس الجمهورية بات هو أيضا يعتبر رئيس مجلس الوزراء ولهذا كلام آخر ليس الآن أوانه – خرج علينا السيد حسان دياب ليعلن وبعد 20 يوما من ظهور أول حالة عن وقف الرحلات بين لبنان والدول الموبوءة وليطمئننا بأنه متابع للموضوع والدليل أنه هو من يعلن المقررات، وليخبرنا بأن حكومته لم تقصر وأنه تلقى تهاني بعض السفراء على إجراءات حكومته في مواجهة الفايروس في تصريح إستجلب السخرية والتنكيت من جانب الناس والناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي لما فيه من إدعاء فارغ بإنجازات غير صحيحة وبما يحمله من إستهتار بعقول الناس التي لا ترى من هذه الإنجازات إلا الكلام والتضليل والتباكي وإدعاء المظلومية بأن البعض يمارس على الحكومة سياسة “عنزة ولو طارت” ولا ندري من هو هذا البعض في الوقت الذي نرى الأطراف السياسية منكفئة عن مشاكل الناس بحيث لا نرى معارضة تتكلم أو تنتقد بإستثناء تغريدة هنا أنو تصريح هناك، إلا إذا كان سيادته يقصد إنتقادات الناس المقهورة والقلقة على مصيرها.

أضحوكة

يجري كل هذا في الوقت الذي تتعرض فيه وسائل الإعلام للتنمر والتهديد بالملاحقة بسبب محاولتها تقصي الحقائق عما يجري على صعيد تطورات هذا الفايروس، وهو ما حدث مع موقع “جنوبية” عندما تحدثت عن مستشفى الرسول الأعظم وهو ما تطرقت إليه بعدها جريدة لوموند الفرنسية، ليتنطح رئيس ما يسمى بالمجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ والذي لا يُسمع له صوت عادة رغم كل ما تتعرض له المهنة وأبناءها من مشاكل وصعوبات ما جعله ذراعا من أذرع هذه السلطة القمعية، ويعترض على إثارة الموضوع، وكذلك ما يحدث من إستدعاءات لبعض السياسيين والناشطين أمثال نوفل ضو وغيره على خلفية تغريدات أو تعليقات على تويتر وفيسبوك، وكانت آخر تقليعات هذه الحكومة عندما “إنتفضت” وزيرة الإعلام وبعض مسؤولي حزب الله وكذلك المجلس الوطني ورئيسه على قناة mtv عندما أخذت المبادرة ودعت الناس لإعلان حال الطوارئ بأنفسهم وإلتزام منازلهم حفاظا على سلامتهم فكان أن خرجت علينا الوزيرة بتصريحات تضليلية على طريقة رئيسها تدعي فيها بأن دول العالم تتخذ من إجراءات حكومة لبنان نموذجا للتعاطي مع فايروس كورونا ما جعلها أضحوكة للصغير قبل الكبير في البلد، وبأنه حتى الدول الكبرى عاجزة عن مواجهة الفايروس في لهجة تبريرية لعجز السلطة وإستهانتها بأرواح الناس، والأكثر سخرية هو الحديث عن سيادة الحكومة وسلطتها وعن الحرص على عدم وجوب الحلول مكان الدولة من أي كان، وهو كلام حق يراد به باطل في هذه الحال.  

تتعرض وسائل الإعلام للتنمر والتهديد بالملاحقة بسبب محاولتها تقصي الحقائق عما يجري على صعيد تطورات هذا الفايروس، وهو ما حدث مع موقع “جنوبية” عندما تحدثت عن مستشفى الرسول الأعظم

لا ثقة

لقد دأبت هذه الحكومة منذ توليها السلطة رغما عن الناس التي أطلقتها صرخة مدوية بأن لا ثقة بها وبأسيادها الذين نصبوها على اللبنانيين، دأبت وبالتوازي مع إدعاء المظلومية بإدعاء إنجازات لم تحصل عبر قرارات إتخذتها على طريقة ” مجبر أخاك لا بطل ” كقضية تعليق دفع سندات اليوروبوندز التي لم يكن منها بد نظرا للمأزق المالي الذي تمر به الدولة وتضاؤل إحتياطي البنك المركزي من العملات الصعبة والدليل أنها إتخذت القرار في الربع الساعة الأخير وبدون أي خطة واضحة لكيفية متابعة الموضوع اللهم إلا إعلانها دعوة الدائنين حاملي السندات إلى التفاوض ، لتأتي وتظهرها للناس على أنها إنجاز لها كذلك اليوم مع الإجراءات التي أتخذت بشأن الكورونا والتي أتت متأخرة عن وقتها 20 يوما كانت كافية لإنتشار العدوى وإتخاذ بعض الدول أصلا خاصة الإقليمية منها حيث يتواجد اللبنانيون قرارات بمنع السفر من لبنان إليها وبالعكس فكانت بالتالي قرارات لزوم ما لا يلزم وبعد خراب البصرة كما يقال. 

هذا غير الحديث أيضا عن التشكيلات القضائية التي صدرت عن مجلس القضاء الأعلى والتي كان الناس يعولون عليها لتكون مؤشر وبارومتر لصدق توجه الحكومة للإصلاح خاصة بعد أن كانت وزيرة العدل قد أعلنت أنها لن تتدخل بها وكذلك رئيس الجمهورية كان قد أعلن أمام أعضاء المجلس بأن لا وصاية عليهم سوى ضميرهم وأنه هو سقفهم الفولاذي وحاميهم من التدخلات السياسية ، فكان أن ردت وزيرة العدل هذه التشكيلات لمجلس القضاء الأعلى في غمرة إنهماك الناس بتفشي كورونا ليمر القرار دون ضجة وهو مرشح للتفاعل بعد ما أعلن عن إنزعاج الرئيس نبيه بري منه.

اقرأ أيضاً: الهلع من الحكومة أكثر من «الكورونا»!

إنجازات الدعائية

هكذا نكون أمام حكومة أقل من عادية تلجأ إلى إدعاء الإنجازات وإغراق الناس بالوعود الفضفاضة التي لا ندري كيفية تحقيقها بعد أن كان أعلن رئيس الحكومة عن أن الدولة باتت عاجزة عن حماية مواطنيها لنصبح بعد أقل من أسبوع على هذا التصريح – ويا للمعجزة – دولة نموذجية تتعلم منها الدول كيفية مواجهة الأزمات، حكومة شعارها تغير بسرعة من مواجهة التحديات لتتخذ شعارا جديدا هو كلمة “سوف” التسويفية وهي كلمة تذكرنا بالقول الشهير نسمع جعجعة ولا نرى طحينا .قد يقول قائل بأننا نحمل الحكومة أكثر من طاقتها في هذه الظروف الصعبة ولكن الحقيقة كل ما نطلبه هو العمل الصادق والدؤوب دون عنتريات فارغة ودون الخضوع لإملاءات أي من الأفرقاء كما هو واضح إن كانت هذه الحكومة قادرة على فعل ذلك، وإلا فلتعلنها صراحة بأنها حكومة هذا الفريق أو ذاك والكف عن الإستهتار بعقول اللبنانيين وإغداق الوعود البراقة في الوقت الذي تعجز فيه عن حماية صحفية في المطار مثلا كما حصل مع أسرار شبارو مراسلة النهار لدى تغطيتها وصول طائرة ركاب من إيران كي لا نقول أكثر.

السابق
علي الأمين يتحدث عن مصابي «كورونا» في صفوف «حزب الله».. ماذا عن الرحلات الإيرانية؟
التالي
حزنٌ في بلاد «السامبا».. الكورونا يُصيب الرئيس البرازيلي!