على خطى التطبيع مع دمشق.. قناة «أورينت» ولحظة الوداع

تلفزيون اورينت
من سمع ليس كمن رأى.. شعار تفاعل معه السوريون وشهدوا على افتتاح أول قناة سورية مستقلة عن نظام الأسد وها هم يشهدون على إغلاقها في ظروف غامضة وتوقيت شديد الحساسية!

اعتادت قناة أورينت السورية أن تحيي الثاني من شباط ذكرى لمجزرة حماة الشنيعة التي ارتكبتها قوات رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد في حماة عام 1982، وتحيي معها بالتزامن ذكرى انطلاق أول قناة سورية معارضة تبث من المنطقة العربية.

حيث سبق لرفعت أن أطلق قناة تحمل اسم ANN وتوجهت للجمهور السوري عبر القمر الأوروبي كونها تبث من القارة الأوروبية ولم تستطع في جذب اهتمام الجمهور، ومع مطلع الحراك أطلق رفعت مع مجموعة من المعارضين قناة حملت اسم “بردى” ولكنها سرعان ما وقعت بذات الفخ وهو عدم الجماهيرية.

أما غسان عبود رجل الأعمال السوري القادم من ميدان الإعلام والذي تحول خلال سنوات إلى مليونير سوري عبر تجارة ما عرف بقطع السيارات المستعملة، كان قد حصل على ترخيص ليطلق قناته “المشرق” من داخل دمشق عام 2008 قبل أن يحدث الخلاف بينه وبين رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد ويفرض رامي هيمنته للسيطرة على القناة ومشاريع عبود، ما اضطر الأخير لنقل مكاتب القناة إلى دبي ومعارضة النظام بشكل مباشر ومبكراً منذ اندلاع ثورات الربيع العربي.

حملت “أورينت” باسمها الجديد راية التغيير في العالم العربي، وأطلقت على ثورات تونس وليبيا ومصر اسم “ثورة الأحفاد” وتمكنت خلال اندلاع المظاهرات في درعا جنوب سوريا قبل تسع سنوات من الترويج بشكل مكثف لأغنية “ياحيف” للفنان سميح شقير وبث روح الحماس لدى المعارضين كون القناة ذات طابع مدني كما أظهرت ولا تلزم مذيعاتها بلباس معين كما أنها تضم طيف من المذيعين يمثل الجغرافيا السورية بامتدادها الديني والعرقي.

لكن “أورينت” راحت مع سنوات الثورة تهتز، وأخذت الاستقالات تتزايد منها مع قرارات بإقالة موظفين بشكل مفاجئ وحديث عن صفقات فساد لغسان عبود الذي قدم نفسه كرائد للأعمال الإنسانية واففتح مؤسسة لهذه الأعمال في جنوب تركيا، كما افتتح إذاعة راديو لأورينت تبث من شمال الأردن.

وما إن أنجز رسامون في مدينة سراقب لوحة جدارية لرموز الثورة السورية حتى أدرجت صورة غسان عبود بين صور القادة والمعارضين السلميين والناشطين، مشهد أثار غضب جزء كبير من الشارع المعارض الذي وجد في شخصية غسان عبود تصديراً لاسمه ليكون جزءاً من المرحلة السياسية القادمة في سوريا.

وعلى وقع المعارك في الشمال السوري وتهجير المعارضين إلى إدلب ممن رفضوا “المصالحة” مع نظام الأسد، رفعت “أورينت” نبرتها الطائفية بشكل متزايد وعلى العلن، وحولت مصطلح قوات الأسد إلى “ميليشا أسد الطائفية” في خطاب ديني مباشر يصور الصراع على أنه علوي ضد سني فقط في سوريا، حتى أن عبود خرج على العلن كمحلل سياسي وتوسل أن يخرج العالم عن صمته حيال إدلب، مع ظهور إعلامي متكرر على شاشته كرجل أعمال.

إقرأ أيضاً: تلفزيون «أورينت» يُضرب عن البث 24 ساعة تضامناً مع إدلب

وفي مقابلته الأخيرة، صرّح عبود أن لحظة إقفال “أورينت” قد اقتربت وستحل في نيسان المقبل مع استمرار عمل المنصات الإلكترونية الرديفة التي تحمل اسم “تيلي أورينت” ويتابعها عبر مواقع التواصل 11 مليون حساب.

وكان عبود قد برر الإقفال بأن جمهور التلفزيون قد انخفض وبات يشكل 20% فقط مما كان عليه من قبل، ولذا يجب التوجه إلى عصر المنصات الإلكترونية، إلا أن معارضون رجحوا إقفال أورينت بقرار من داعميها، لاسيما مع التقارب الإماراتي من نظام الأسد واعادة افتتاح سفارة أبوظبي في دمشق مع تسهيل دخول السوريين إلى الإمارات في العام الاخير على عكس باقي الدول العربية التي تشدّد على دخول السوريين.

كما ربط معارضون الإقفال بحدة الصراع الإماراتي التركي، لا سيما أن “أورينت” كانت ترّكز على الحضور القوي في تركيا حيث افتتحت مكتب في اسطنبول قبل سنوات وقدّمت حزمة من البرامج من تركيا وتنقل مراسلوها عبر الحدود التركية السورية بشكل كبير.

ومع ازدياد الحديث عن توجه عربي لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد في ظل تقارب مصري إماراتي من الأسد، تظهر “أورينت” للواجهة كقناة تلفزيونية لم تعد قادرة على الدفاع عن الشعارات الثورية التي طرحتها منذ عام 2011، ومنبر إعلامي فقد جماهيريته التي تصاعدت منذ عام 2008 حين شاهد المتفرج السوري قناة واعية تخاطبه خارج الخطاب التقليدي في الإعلام السوري الرسمي، وتنظر إليه بعين الاحترام بما يتناسب مع ذائقة مشاهدته.

وبعد 12 عام تغلق “أورينت” مكاتبها في دبي، فهل يعود غسان إلى حضن النظام السوري ويقدّم نفسه بأسلوب جديد من داخل دمشق، أم أنّ “المشرق” ستظل ذكرى جميلة لإعلام اجتماعي منوع قتلته السياسة حين أقحمت في تجربة إعلامية غير ناضجة لا تشبه أيدولوجيات القنوات الكبرى بل تعتمد على العواطف وردات الفعل وهو ما لا يتناسب مع مفهوم الإعلام الموجه في الاستدامة.

السابق
ضربة موجعة.. هكذا سيؤثر غياب سليماني على أنشطة «حزب الله»!
التالي
صور فضائية.. ترصد «مقابر كورونا» الجماعية في ايران!