السيد محمد حسن الأمين: العلم يقود إلى التطلع لا إلى إنكار الدين

يتوقف المفكرون المعاصرون بشكل عام عند جمهور المتدينين، وهم يردون الأديان إلى أساطير العقل الطفولي البدائي، ويعتبر هؤلاء أنّ العقل المتنوّر التواق إلى المعرفة يرفض قصص الاديان تلك، وان البديل هي العقائد والايديولوجيات المبنية على نظم حديثة فكرية وفلسفية واقتصادية تكون الحلّ العقلاني لكل أزمات الإنسان.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: حق «الفردانيّة» أقرّه الإسلام كضرورة للتنوّع

أنماط الأساطير

يقول العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين بداية “القول بأنّ الدين هو نمط من أنماط الأساطير التي ابتدعتها الشعوب بدعوى أن الخوف من ظواهر الطبيعة ومن الموت دفع الكائن الإنساني إلى أنّ يخترع فكرة الدين وفكرة الإله الخالق، ليس هذا القول بجديد، فهو مطروح على امتداد التاريخ، ولربما شهد التاريخ الإسلامي نفسه بعض المفكرين الملحدين والذين نفوا حقيقة الدين بوصف وحياً إلهياً”. ويذكُر منهم “ابن الراوندي، وأبو العلاء المعري، وآخرين وليس الأمر مقتصراً في ذلك على الفكر الغربي في العصور الحديثة، والذي يستطيع أن نعزو رؤيته هذه للدين لأسباب تاريخية واجتماعية تمثّل بالصدام مع الكنيسة من جهة، واكتشاف الإنسان لمناهج العلم الوضعي. فاكتشاف مناهج العلم أولى بالكثيرين إلى اعتبار ما لا يقع في دائرة العلم ومناهجه، فهو متجرد من الواقعية وينتمي إلى عالم الأسطورة التي كانت الوسيلة الوحيدة التي يملكها الكائن الإنساني لتفسير وجوده ووجود الموت والحياة، نلاحظ أن هذه الفورة التي ظن البعض إبانها أن الدين كان طوراً من أطوار تطوّر الإنسان، وأنّه انتهى باكتشاف العلم الذي يفسّر لنا ظواهر الطبيعة تفسيراً حقيقياً دقيقاً”. 

بعد إنجاز فكرة التوحيد العظيمة، ما هو المبرر في التشكيك بحقيقة الدين ووصفه بالأسطورة التي اخترعها الكائن البشري

ظاهرة التراجع

ويردف السيد الأمين أنّه “من الملاحظ أيضاً أن ظاهرة التراجع عن هذه الرؤية غير المنصفة للدين بدأت لاحقاً، وبدأ مفكرون كثيرون بمراجعة أفكارهم بشأن الدين، حتى أنّ الايديولوجيات النهائية الاشتراكية منها والقومية والاقتصادية التي ابتكرها هؤلاء المفكرون المعاصرون أثبتت فشلها، وهي المصحوبة بالعقائد المبنية على نظم حديثة فكرية وفلسفية واقتصادية اعتقدوا أنّ فيها خلاصاً للبشرية، حتى كانت تسعينات القرن الماضي وانهيار الايديولوجيا الاشتراكية مع انهيار الاتحاد السوفياتي، لتتصدّع بعدها المنظومة الرأسمالية التي انبثقت عنها العولمة مع الازمات الاقتصادية المتوالية التي شهدها العالم في العقد الأول من الألفية الثالثة، كل هذا أثبت أنّ الأسطورة الحديثة ما هي إلّا تلك الأيديولوجيات العمياء التي أصبحت امتداداً فعلياً للأساطير اليونانية القديمة التي كانت قبل الاديان التوحيدية، فمن أنتج تلك الايديولوجيات توهّم أنّها عقائد نهائية تحتكر الحقيقة وترشد الناس إلى الحق والخلاص”.

مراحل مظلمة

ويستعرض السيد الأمين مراحل مظلمة قادها متسلطون باسم الأديان فيقول: “حتى لا أبدو منحازاً وغير موضوعياً تجاه فكرة الدين أود أن أشير إلى أن ثمة مراحل في تاريخ الفكر الإنساني القديم كانت تستند في تفسيرها للكون والحياة والطبيعة إلى تفسيرات أسطورية، وحتى القرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة عندما يروي عن إبراهيم أنه نظر إلى القمر فقال هذا ربي، وبعد أن غاب القمر وصلت الشمس قال هذا ربي، وبطبيعة الحال كان إبراهيم يعبّر عن رؤية الاجتماع البشري آنذاك الذي يخترع آلهة مادية تتناسب مع الفكر البدائي العاجز عن التجريد، ونلاحظ أن جهود إبراهيم ومن بعده الأنبياء كان لإدخال التجديد كمنهج لرؤية الإنسان الخالق البعيدة عن المادة، وبالتالي ومع تطور الفكر الإنساني بدأت فكرة وجود الله وتوحيده واعتباره مصدراً لخلق هذا الكون”.

ثمة مراحل في تاريخ الفكر الإنساني القديم كانت تستند في تفسيرها للكون والحياة والطبيعة إلى تفسيرات أسطورية، وحتى القرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة

لذلك يتساءل السيد الأمين أنّه “بعد إنجاز فكرة التوحيد العظيمة، ما هو المبرر في التشكيك بحقيقة الدين ووصفه بالأسطورة التي اخترعها الكائن البشري؟” لافتاً إلى “أنّ عصر العلم الحقيقي لم يعد سبباً لإنكار الدين، بل ربما كانت مناهج العلم تقودنا أكثر فأكثر إلى التطلع إلى ما هو وراء مناهج العلم، ليس من شأنها أن تتحدث عن الغيب، فلا أحد يمكن أن يعطي للعلم وظيفة الكلام على الغيب، فالعلم حيادي وليس من شأنه إلا تفسير الظواهر الطبيعية وتفسير ما يستطيع تغييره منه”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين يدق ناقوس الخطر في لبنان: لنظام مواطنة يبتعد عن العقل الديني

مرحلة عصر العِلْم

ومن ناحية فلسفية يؤكّد السيد الأمين أنّ “مرحلة عصر العلم، وإنكار الدين قد دفع بأجيال من المتعلمين والمفكرين إلى مرحلة القلق الوجودي والخيبة من مقضيات العلم والظمأ الوحي أو كما يسميه المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي الظمأ الأنطولوجي للدين، قد أصبح يراود هؤلاء، وشعرنا جميعاً بأن هناك صحوة دينية ولا أقصد بها الصحوة الاسلامية التي يشوبها الكثير من السلبيات، وأقصد بهذه السلبيات ظاهرة العنف والإرهاب بإسم الدين، فالعالم كله بدأ من جديد بعد خيبة الآمال المعلّقة على العلم، أصبحت ميالة للعودة إلى الدين ولو أن هذه العودة لا تقتصر على دين معيّن، وإنما على مبدأ وجود الخالق وأن العالم ليس متروكاً، وأن هناك من خلق وحرّك هذا العالم”.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
وسائل اعلام ايرانية تكذب الاحصاءات الرسمية.. ضحايا «كورونا» يتخطون الألف!
التالي
زيارة سرية لحفتر إلى دمشق.. وتحالف ضد أردوغان برعاية القاهرة!