السيد محمد حسن الأمين: الإسلام لا يمنع طموحات قومية ضمن دائرته الكبرى

أكد العلامة السيد محمد حسن الأمين حول رؤية الإسلام وموقفه من النزعة القومية، ان الإسلام لا يمنع من وجود طموحات قومية داخل دائرته الكبرى، غير أن الرابطة القومية، على خصوصيتها، "ليست النهائية بين العرب، وإنما تقع ضمن دائرة أوسع منها هي رابطة الإسلام، وكذلك من رابطة أوسع وهي الإنسانية"، فالإسلام لا يمنع من وجود طموحات قومية داخل دائرة الإسلام الكبرى

الرابطة القومية

وإذ رأى أن “القومية بوصفها الدائرة الواسعة التي ينتمي إليها الجنس العربي، إعتبر أن “بين بلدان هذه الرابطة وشعوبها علاقة خاصّة هي ما نسميها الدائرة القومية، أو العلاقة القومية لجزء من البشر توجد بينهم روابط متعددة ومتشابهة، ويوحّد بينهم مصير مشترك وحضارة مشتركة”.

وفي الوقت نفسه ذكر بأن “هذه الرابطة القومية ليست هي الرابطة النهائية بين العرب في مثالنا الذي نتحدث عنه الآن؛ وإنما تقع دائرة هذه الرابطة ضمن دائرة أوسع منها هي رابطة الإسلام، بما يعني أن العلاقة بين هاتين الرابطتين ليست علاقة تضاد وتنافر، وإنما هي علاقة تكامل، كلتا الرابطتين تستفيد من الأخرى وتعززها”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لتحرير الإجتماع الإسلامي من السلطة

و إستطرد، على هذه القاعدة، قال العلامة الأمين بأنّ “الرابطة الإسلاميّة التي هي أوسع من  الرابطة القوميّة، هي بدورها جزء من رابطة أوسع منهما معاً هي الرابطة الإنسانيّة”.

النزاعات والتناقضات

وأضاف “نحن إذ نورد هذه المقدّمة بهذا الاختصار لنصل إلى القول بأنّ النزاعات والتناقضات التي شهدتها في تاريخنا المعاصر العلاقة بين الرابطتين القوميّة والإسلاميّة لا يوجد ما يبرّرها على الإطلاق، ما دامت العلاقة بينهما يمكن أن تكون تكاملية، فنحن لو لاحظنا أنّ الأزمات والتحدّيات التي تواجهها كلّ من الرابطة الإسلاميّة والقوميّة هي ذات صفة متشابهة، بل يمكن القول إنها متماثلة تماماً”.

الإسلام لا يمنع من وجود طموحات قومية داخل دائرة الإسلام الكبرى، شرط أن لا تصطدم بالقوميات الأخرى التي تنتمي إلى الإسلام

وتابع” فالعالم العربي الذي يواجه التحدي الاستعماري الاستيطاني يجعل من هذا التحدي أولوية في برنامج كل من التيارين، وإذا أردنا أن نتكلّم على موضوع التنمية نجدها من أولويات الطرفين. وإذا شئنا أن نطرح موضوع الحريات السياسية المنقوصة أو المفقودة في عالمنا العربي لوجدنا أن الحركات القومية والحركات الإسلاميّة جميعها تطرح هذه المسألة، وتعتبرها من أولويات برامجها في سبيل قيام اجتماع تتحقق فيه الحريّة والعدالة وحقوق الإنسان”.
 وأعاد التذكر بالكثير من “الدوائر التي تجمع بين هذين التيارين لنقول إن الاختلاف والتصادم بين الحركات الإسلاميّة والحركات القومية لا يبررها شيء على الإطلاق، وهذا ما كان أحد الحوافز بل الحافز الأكبر لتجربة إنشاء المؤتمر القومي الإسلامي في بدايات التسعينات، والذي انعقدت أول جلسة له في القاهرة بين التيارين القومي والإسلامي، وكان مؤتمراً مميزاً”.

ولفت إلى “أنني اقترحتُ ـ كما أسلفتُ في مداخلة سابقة ـ في الجلسة الأولى لهذا المؤتمر الممثل لمعظم ـ إن لم أقل لكل الحركات القومية والإسلاميّة في العالم العربي ـ أن نتّبع في الجلسة الحوارية بين التيارين منهجاً جديداً يختلف عما هو مألوف ومتعارف لمثل هذه الحالات من الحوار بين تيارين مختلفين، بحيث يكون هذا المنهج يقوم لا على نقد أحد التيارين للآخر ثم نقد التيار الآخر للتيار الأول، بل أن يتخذ النقد سبيلاً آخر هو سبيل النقد الذاتي، أي أن يبدأ أحد التيارين بنقد فكره وممارساته ورؤيته هو بالذات، معترفاً بالثغرات التي توجد في بنيته وفي سلوكه السياسي، وكذلك يفعل التيار المقابل، فيكون الحوار حينئذ أكثر شفافية ومصداقية وقابلية للفهم المشترك وطرد الأوهام المتعلقة في ذهن كل تيار عن الآخر”.

إذا شئنا أن نطرح موضوع الحريات السياسية المنقوصة أو المفقودة في عالمنا العربي لوجدنا أن الحركات القومية والحركات الإسلاميّة جميعها تطرح هذه المسألة، وتعتبرها من أولويات برامجها

ولفت إلى أن “هذه البداية كانت موفّقة، وكانت تشكل ركيزة أساسية لتشكيل هذا المؤتمر، وتحويله إلى مؤتمر دائم ينعقد سنوياً وكان من نتائجه عبر سنوات عديدة، أنه غيّر الكثير من الأفكار المسبقة بعضها عن البعض الآخر، وأنتج قناعة المشاركة بين التيارين في بحث أزمات الاجتماع العربي وتوحيد الخطاب السياسي تجاه المشكلات والأزمات التي يواجهها العالم العربي”.

العقيدة الإسلامية

 وقال” أنا كمسلم مؤمن بالعقيدة الإسلاميّة، وكمتأمّل في رؤية الإسلام للكائن الإنساني عموماً، وللشعوب والقبائل التي نزل الإسلام أو القرآن الكريم لها جميعاً وليس لشعب دون آخر؛ أرى أن أحد عناصر حيوية الإسلام الكبرى هي قدرته على احتضان هذه الشعوب والقبائل دون الدعوة إلى إلغاء خصوصياتها وتميّزاتها، بل ترك المجال واسعاً أمام المسلمين لممارسة هذا التمايز بين الشعوب التي انتمت إليه، وجعل من ذلك مصدر غنى للاجتماع والحضارة الإسلاميّة، فالإسلام ليس من مبادئه تجاه الكائن الإنساني أن يتّخذ مبدأ الانصهار بين الناس، مجتمعات وأفراد بل حافظ على التمايز بينهم في دائرة الإسلام وعقيدته”.

و أضاف”: بالتالي فالإسلام لا يمنع من وجود طموحات قومية داخل دائرة الإسلام الكبرى، شرط أن لا تصطدم بالقوميات الأخرى التي تنتمي إلى الإسلام، نعم نلاحظ أن الإسلام شدّد على منهج التعارف، وهو مصطلح إسلامي، ويعني الحوار والتبادل بين المجتمعات لكي يصبح هذا الاختلاف مصدراً لغنى الحضارة الإسلاميّة، ولتماسكها أكثر فأكثر.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين ينادي بتلاقح الأديان: حضارتا الشرق والغرب مسكونتان بالمسيحية والإسلام

 وأردف: “إن الحالات الاستثنائية التي يعفو فيها الله تعالى المختلفين من المكابدة، مكابدة الاختلاف، ويرفعها عنهم، وبرحمة ربك يتفقون دون مكابدة الاختلاف”.

وخلص: “إذن فالإسلام ليس دعوة لإلغاء التعدد والاختلاف ولكنه دعوة للتعارف والتكامل، وأعتقد أن هذا لا ينطبق على الاتجاهين أو التيارين القومي والإسلامي فحسب، بل على العلاقة مع شعوب العالم وأممه كلّها، وهذا ما ينسجم مع كون الإسلام ديناً عالمياً وليس لأمّة بعينها”.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
إستشراس قوى الأمن يُفقد الصحافية رفيف صوني ذاكرتها.. «ضربونا كتير»!
التالي
بصماتٌ لبنانية في سيرة السلطان «الشاطر… الرياضي والمتفوّق والصَدوق»