السيد محمد حسن الأمين ينادي بتلاقح الأديان: حضارتا الشرق والغرب مسكونتان بالمسيحية والإسلام

يتحدث سماحة العلاّمة المفكر السيد محمد حسن الأمين عن “تلاقح الأديان.. وأخذها من بعضها” فيقول: من وجهة نظري فإنّ جميع الحضارات البشرية متواصلة بعضها مع البعض الآخر، مع بعض التفاوت في حجم هذا التواصل، بين حضارة وأخرى، وعلى هذا تقوم رؤيتي على قاعدة أنّ ثمّة تكاملاً حضاريّاً، وأنّ بالإمكان تعزيز هذا التكامل الحضاري، ولا أجد في الإسلام بالرغم من خصوصيّاته الواضحة والأكيدة من قابليّته على التفاعل مع الحضارات الأخرى، بما فيها الأديان وخاصّة منها الأديان الإبراهيمية، بل يمكنني أن أذهب على أنّ البنى الإنسانيّة والأخلاقيّة التي تتجلّى في بعض الديانات الوضعية كالبوذيّة مثلاً لا تتناقض ـ بل تلتقي إلى حدّ كبير ـ مع المقاصد الدينيّة السماوية ومنها الإسلام.

اقرأ أيضاً: السيد الأمين: لتطوير نظام ولاية الفقيه.. وتنعّم الإيرانيين بالثورة النفطية

ويتابع: وإذا اقتصرنا النظر على الأديان التوحيديّة، بدءاً من التوحيد الإبراهيمي، وصولاً إلى بلورة هذا التوحيد على نحوٍ كاملٍ وعميقٍ كما هو في العقيدة الإسلاميّة، لوجدنا أنّه من الطبيعي أن يكون هناك تفاعلٌ وتواصلٌ وتأثّر متبادل بين هذه الأديان، ومنها المسيحيّة واليهوديّة، ونظراً لوضوح العقيدة الإسلاميّة في الموقف من أهل الكتاب فهذا يعني أنّ الإسلام إطارٌ شامل يتّسع للإنجازات الدينيّة السليمة التي حقّقتها التجارب الإنسانيّة مع هذه الأديان السابقة على الإسلام، والمتضمّنة للعناصر الجوهرية في العقيدة الإسلاميّة، ولكن ما يحول دون رصد هذه العناصر هو بكل أسف نزعة بشرية غير سليمة تحاول أن تقيم فصلاً بل مقاطعةً نهائيّة بين أتباع كل دين من هذه الأديان، فلا يعود المجال متّسعاً لبحث عميق وموضوعي ومتسامحٍ بين الأسس المشتركة والمقاصد المتماثلة لهذه الأديان.

مشروع حوار الحضارات

من وجهة نظري فإنّ جزءاً أساسياً من مشروع حوار الحضارات ـ المطروح منذ زمن ـ ينبغي أن يكون أهم محاوره متصلة بصورة مباشرة بالأديان، بوصفها تشكل المخزون الأكبر لكل حضارة من هذه الحضارات المختلفة، ولكي أضرب مثلاً وليس على سبيل الحصر طبعاً، لنقطة مركزيّة في هذا الحوار، وخاصّة بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب، وكلاهما حضارتان مسكونتان بالبعد الديني الإسلامي أو المسيحي.

فإني أرى أنّ أحد الأزمات العميقة للعلاقة بين حضارتي الإسلام والغرب تكمن في أنّ إحدى الحضارتين ـ وهي الحضارة المسيحيّة ـ أخذت أخذاً سليماً بالوسائل الضروريّة لرقي الكائن الإنساني، ونعني بهذه الوسائل العلوم الإنسانيّة، والعلوم الطبيعيّة، ولكنها لم تأخذ بالغاية التي ينبغي أن تصل إليها عبر هذه الوسائل، فكان إهمال هذه الغاية سبباً في الأزمات الروحيّة والنفسيّة  التي تعاني منها شعوب هذه الحضارة، أما على صعيد الحضارة الإسلاميّة فإنّي أرى بأنّ هذه الحضارة استطاعت أن تأخذ بعنصر الغاية، ولكنها أهملت الوسائل الموصلة لهذه الغاية.

الكينونة الإلهية

ما هي الغاية التي نشير إليها هنا؟ إنها المطلق المتجسد بالكينونة الإلهية، فالذي ينقص الحضارة الإسلاميّة لكي تحقق هذه الغاية التي تعيها هو أن تتوفّر على امتلاك الوسائل المؤدية لهذه الغاية، وهي العلم، وعنصر آخر لا يقلّ عنه وهو الحريّة الإنسانية، فنلاحظ أنّ الغرب عرف الحريّة ولكن لم يعرف غايتها، وأنّ الشرق عرف الغاية وهو الله ولكنه لم يتعرف على الوسيلة.

فأيّ تطوّر حضاري من وجهة نظري، يجب أن ينطلق من هذه النقطة بالذات، أي أن يتعرّف الغرب على الغاية التي هي الله عن طريق الحضارة الإسلاميّة، وأن تتعرف الحضارة الإسلاميّة على الوسيلة التي يتضمّنها في نظري، ولا يمكنني أن أتصوّر هذا الكدح دون توفّر وسيلة الحريّة، وكانت هذه النظرية أو الفكرة التي شرحتها في الصفحات السابقة تلحّ عليّ دائماً وأنا أنعم النظر  في إشكاليّة الشرق والغرب أو الاجتماع الإسلامي والاجتماع المسيحي.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الإسلام المتقدم أكثر إستجابة للإصلاح الديني

وبالاختصار فإنّي لم أفهم من هذه الأمانة سوى منحة الحريّة والاختيار للكائن الإنساني التي لم يمنحها لا للسّماوات ولا للأرض ولا للجبال، لذلك كانت قابلية الإنسان لسبب منحه حريّة الاختيار، قائمة لحمل أمانة الخلق.

ومع ذلك فإنّ الله تعالى وصف الإنسان بأنّه تارة عرف مادة الأمانة ولم يعرف وسيلتها، وتارَةً عرف وسيلة الأمانة ولم يعرف غايتها، كما هو الشأن في الحضارة الغربية.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج)

السابق
بيانان متناقضان لثوار زحلة.. مع او ضد قطع الطرق؟
التالي
من هو كارلوس غصن؟